رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الحديد والصلب".. قصة صناعة من التأسيس إلى الاحتكار فى نصف قرن

الحديد والصلب
الحديد والصلب

"ضجيج مستمر ولا تكاد تسمع صوت من بجوارك عندما يحدثك، وأنتم واقفون في مكان لا تقل درجة حرارته عن 40 درجة مئوية في الصيف بسبب الأفران التي يتم حرق الخامات فيها، وعربات النقل لا تتوقف عن الحركة من وإلى المخازن"، كان ذلك مشهدا متكررا لمصانع الحديد والصلب بمختلف الأفلام السينمائية، الأمر الذي عكس واقع تلك الصناعة العريقة في مصر خلال فترة الستينيات وما بعدها.

وشهدت صناعة الحديد والصلب تطورات كبيرة على مدار فترة النصف قرن الماضية بدءا من تأسيس أول مصنع للصلب، ومرورا بالانفتاح الاقتصادي، ومن ثم حقبة دخول القطاع الخاص، واستحواذه على السوق، فالبداية كانت من مصنع الحديد والصلب في حلوان الذي يعد باكورة تلك المصانع في مصر، ومرورا بـ "المصرية للحديد والصلب"، أحد الشركات التابعة للقابضة المعدنية، وعز الدخلية للصلب، والتمساح للحديد والصلب، والسويس للصلب، وشركة مصر الوطنية للصلب، وشركة المراكبي للصناعات المعدنية، وسرحان للصلب، بالإضافة إلى مصانع الدلتا للصلب، ومصنع عز السادات، ومصنع حديد بنى سويف، وحديد ملوى، وإيستار إيجيبت، والدلتا للاستثمار والصناعة، وصلب مصر، إلى أن نصل لمصنع العشري المملوك لرجل الأعمال أيمن العشري.

الطاقة الإنتاجية

يبلغ الإنتاج السنوى من حديد التسليح 12 ملايين طن سنويا، فيما يبلغ حجم الصناعات المولدة من الحديد 3.5 مليون طن، وفقا لبيانات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، يُنتج منها فعليا 7 ملايين طن ونستورد نحو 1.700 مليون طن، وتمثل صناعة الحديد 3.2% من إجمالى قيمة الناتج المحلى، ويصل حجم الاستهلاك السنوى بالسوق المصرية لنحو 8.6 مليون طن.

ويبلغ عدد مصانع الحديد حوالى 27 مصنعا تنتج كل أنواع ومقاسات حديد التسليح بطاقة إنتاجية تبلغ 8 ملايين طن سنويا، رغم أن الطاقة الإنتاجية المقررة لها تصل إلى 12 مليون طن، ولكن بسبب أزمات الطاقة خلال السنوات الماضية أوقفت تلك المصانع بعض خطوط إنتاجه، ويتراوح حجم استثمارات تلك المصانع بين 70 و100 مليار جنيه، تتيح نحو 150 ألف فرص عمل مباشرة، ومثلها غير مباشرة.

وشهد قطاع الصلب نموا مطردا متناسبا مع التطورات الاقتصادية وخطط التنمية وزيادة إنشاءات البنية الأساسية في كافة المرافق والتي تعتمد على حديد التسليح حيث وصل الاستيراد من حديد التسليح إلى حوالي 1.5 مليون طن في السنة، لذلك اتجه العديد من المستثمرين إلى اقتحام صناعة الصلب بدءا من مشروعات الدرفلة باستخدام عروق مستوردة ثم التطور بإضافة وحدات صهر وشركات لإنتاج العروق وإنتاج ودرفلة المسطحات سواء للسوق المحلية أو للتصدير.

وتنقسم المصانع العاملة في قطاع الصلب إلى مصانع لإنتاج حديد التسليح، ويبلغ عددها حوالى 27 مصنعا وتنتج كل أنواع ومقاسات حديد التسليح بطاقة إنتاجية تبلغ 8 ملايين طن سنويا، وأخرى متخصصة في القطاعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بطاقة بلغت 300 ألف طن، ومصانع لإنتاج مسطحات الصلب الساخن، وتوجد ثلاثة مصانع لإنتاج مسطحات الصلب الساخن (شرائط والواح ولفائف) وتضم شركة الحديد والصلب، وعز- الدخيلة والسويس، أما فى درفلة الألواح فتوجد شركتان مملوكتان للدولة إحداهما بطاقة 90 ألف طن والأخرى بطاقة 30 ألف طن.

هجمة عز

واتجهت الأنظار في مصر إلى قطاع الصلب في أواخر التسعينيات مع دخول رجل الأعمال أحمد عز بقوة لسوق الحديد والصلب عبر استحواذه على 20% من الأسهم والإدارة بشركة الدخيلة، الذي كان بالأساس مشروعا يابانيا وإنتاجه 6 أضعاف مصانع الحديد والصلب وأكثر من 16.5% من إنتاج مصنع الدخيلة كان يذهب لمصانع عز.

ووفقا للعديد من التقارير فإن عز استفاد من تسهيلات الدولة التي قدمها له نظام مبارك حينها من أرض، وميناء خاص، وغاز، وتكنولوجيا عالية ثم أصبحت شركة الدخيلة لا تبيع منتجاتها إلا لشركة عز ومن ثم استحوذ عز عليها.

أبوهشيمة

بدأ رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة العمل في قطاع الحديد عن طريق التجارة، باستيراد الحديد من الخارج وبيعه، وذلك عبر شركة الخليج لتجارة مواد البناء، وبعد سنوات قليلة، وفي عام 2010 تحولت شركة الخليج إلى شركة حديد المصريين والتي سيطرت على نسبة من سوق الحديد في مصر بلغت 20%، ومع وصولها إلى الطاقة الإنتاجية المستهدفة، البالغة 3.5 مليون طن سنويا، باتت "حديد المصريين" ثاني أكبر منتج للحديد في مصر بعد شركة حديد عز التي تبلغ حصتها السوقية حاليا نحو 52%.

وتنتج حديد المصريين نحو 2.3 مليون طن حديد سنويا، حيث تمتلك الشركة 4 مصانع في بورسعيد، العين السخنة، الإسكندرية وبني سويف.

ولم يكتفِ أبوهشيمة بقطاع الحديد فقط، بل وجه استثماراته نحو الأسمنت، وأعلن في ديسمبر الماضي عزمه إنشاء كيان جديد ينتج كل مواد البناء من حديد، أسمنت، بلوك، جير وجبس وكل ما يتعلق بمواد البناء، مشيرا إلى أن الكيان الجديد سيوجد على أرض الواقع مع إتمام إنشاء وبدء تشغيل مصنع الأسمنت وسبعة مصانع ضمن مجمع مواد البناء وذلك بنهاية عام 2018 أو مطلع 2019 على الأكثر.

«عز الجديد»

تمثل شركة العشري للحديد والصلب والتي يمتلكها رجل الأعمال أيمن العشري أحدث الشركات التي دخلت إلى قطاع الصلب المصري، والتي يسعى من خلالها إلى السيطرة على 50% من حجم هذا السوق العملاق، عبر شركته التي كانت تعمل في تجارة الحديد ومن ثم دخلت إلى التصنيع عبر الاستحواذ على مصنع بـ6 أكتوبر، ومن ثم توسعت وبدأت في إنشاء خط إنتاج جديد لتصنيع الصاج المسطح وحديد التسليح بقيمة 7 مليارات جنيه، ومن المقرر بدء الإنتاج خلال 2019، ولجأ العشري إلى البنوك للحصول على قروض لتمويل نحو 50% من قيمة الاستثمارات الجديدة.

ورغم دخولها التصنيع فإن أيمن العشري لا يزال يعتمد على تجارة الحديد لما له من أرباح كبيرة، حيث تمثل نسبة وارداته 20% من حجم مبيعاته، وذلك في ظل القيود والرسوم التي تفرضها وزارة الصناعة، الأمر الذي دفع البعض لى تشبيهه بـ"أحمد عز الجديد".

ونهاية العام الماضي اتفق أيمن العشري مع مجموعة «بريميتال» العالمية علي قيام الثانية بإنشاء مصنع جديد يضاف إلي مصانع المجموعة خاص بإنتاج الصاج المجلفن والصاج المسحوب علي البارد بطاقة إنتاجية تتراوح بين 350 و500 ألف طن سنويًا، وباستثمارات تقدر بنحو 100 مليون دولار، على أن يتم طرح الإنتاج الجديد خلال شهر مايو الجاري.

«الجارحي والسويس»
وتعد شركة السويس للصلب إحد الشركات التي ازدهرت أنشطتها الاستثمارية خلال السنوات الأخيرة، والتي يمتلكها رجل الأعمال جمال الجارحى الذي بدأ العمل في سوق الحديد عبر التجارة، ومن ثم دخل التصنيع عبر المشاركة في شركات الحرمين ومصنع الوطنية للصلب ثم السويس للحديد والصلب وثم المصرية للصلب، وأخيرا إنشاء مجموعة البحر الأحمر.

بدأت الانطلاقة الحقيقية للجارحي في سوق الحديد من خلال شركة السويس للصلب، والتي استحوذ عليها في مناقصة بسبب ديونها لبنك القاهرة حيث دفع الجارحي 1.2 مليار جنيه بعد منافسة كبيرة مع 3 شركات سعودية تأتي في مقدمتها الراجحي وشركة الأنفاق، ومجموعة «إيتال»، وكذلك عرض آخر لإحدى الشركات الهندية.

ويسعى الجارحي لزيادة إنتاجه من حديد التسليح إلى 2.5 مليون طن سنويًا فى عام 2020، وزيادة حصته السوقية إلى 22% مقابل 9% حاليًا.

نصيب الحكومة
تعد شركة الحديد والصلب المصرية، التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، والتي كانت الأكبر في مصر- هي أول شركة في الشرق الأوسط، حيث تأسست عام 1954 بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهي عبارة عن مجمع كامل للحديد والصلب في مدينة التبين بحلوان، إلا أنه مع مرور السنون تدهورت أوضاعها وباتت أقرب إلى مقر خاوٍ قبل أن تعيد الحكومة النظر فيها وتُعلن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تدخلها لإنقاذ هذا المصنع.

ومثلت شركة الحديد والصلب المصرية رأس الحربة الحكومية لمواجهة الانطلاقة التي بدأتها شركات القطاع الخاص مع دخولها تلك الصناعة الحيوية، إلا أنها لم تتمكن من مجابهة القدرة العالية لتلك المصانع، إلى جانب التحديات التي واجهت الصناعة المحلية نتيجة الصراع مع المستوردين.

سامى عبدالرحمن رئيس شركة الحديد والصلب أكد أن الشركة لعبت دورا كبيرا منذ تأسيسها في تصدر مصر لتلك الصناعة في الشرق الأوسط منذ بدايتها وقبل دخول القطاع الخاص في المنظومة، لافتا إلى المصنع القديم كان يضم 4 أفران، توقف منها اثنان، لأن طاقتهم الإنتاجية قليلة في حين تكلفة الإنتاج مرتفعة، واعتمدت الشركة في الإنتاج حاليا على فرن واحد فقط.

وأضاف أن الشركة تركز حاليا على التصدير وفقا للتعاقدات التي يتم الاتفاق عليها، إلى جانب الالتزام بالحصص المخصصة للسوق المحلي، حيث تصدر الشركة للعديد من الدول العربية، أبرزها السعودية والسودان، وأيضا سوريا، مؤكدا أن عملية التطوير التي تم البدء فيها خلال العام الماضي سيكون لها كبير الأثر في تشجيع الشركة على فتح أسواق جديدة بالدول العربية والأوروبية.

وأشار عبد الرحمن إلى أن الشركة تأثرت كثيرا بالتغيرات التي طرأت على الساحة الاقتصادية في مصر نتيجة قرارات الإصلاح الاقتصادي، وخاصة قرار تحرير سعر الصرف، موضحا أن الشركة تعمل على مواجهة ذلك في ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها من مصانع القطاع الخاص.

وقبل أسابيع أعلنت شركة الحديد والصلب المصرية، عن تواصلها مع شركة «تاتا ستيل» الإنجليزية لتحديث الدراسة المقدمة منها في عام 2014، لإعادة الهيكلة، حيث تعاقدت الشركة مع تاتا ستيل خلال عام 2014 لإعداد دراسة جدوي لتطوير مصانعها، فيما أظهرت الدراسة أن عملية إعادة الهيكلة ستتكلف 367 مليون دولار.

واعتمدت الجمعية العامة لشركة الحديد والصلب المصرية، مؤخرا مشروع الموازنة التقديرية للعام المالي 2018-2019، بخسائر متوقعة بقيمة 250.3 مليون جنيه، حيث اعتمدت مشروع الموازنة الاستثمارية للعام المالي المقبل بقيمة 257.65 مليون جنيه بالتمويل الذاتي طبقا للموازنة.

وكانت الشركة عدلت موازنتها التقديرية لترتفع الخسائر المتوقعة خلال العام المالي المقبل من 116.06 مليون جنيه، إلى 250.3 مليون جنيه.