رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شظايا «‬داعش».. ‬ماذا ‬بعد ‬أن ‬طالت ‬العسكريين ‬الروس؟


تشاركت ‬مع ‬رأى ‬العديد ‬من ‬المتخصصين، ‬فى ‬تأكيد ‬أن ‬تنظيم «‬داعش» ‬الذى ‬تلقى ‬هزائم ‬مؤثرة ‬خلال ‬العام ‬الماضى ‬٢٠١٧م. ‬الأكثر ‬إيلامًا ‬كانت ‬على ‬أيدى ‬القوات ‬الكردية، ‬المدعومة ‬بقوات ‬التحالف ‬الأمريكية، ‬والتى ‬تسببت ‬له ‬فى ‬سحب ‬بساط ‬سيطرة ‬التنظيم ‬على ‬محافظات ‬الحسكة ‬والرقة ‬ودير ‬الزور. ‬والبعض ‬الآخر ‬ـ ‬الأقل ‬تأثيرًا ‬ـ ‬جاءت ‬أمام ‬قوات ‬الجيش ‬السورى، ‬بعد ‬أن ‬تدخلت ‬روسيا ‬لدعمه ‬بالصورة ‬التى ‬جعلته ‬يتمكن ‬من ‬استعادة ‬المناطق ‬المتفرقة ‬التى ‬كان «‬داعش» ‬يحتفظ ‬فيها ‬ببعض ‬من ‬قواته ‬ومقاتليه، ‬والتى ‬ربما ‬تدور ‬فصولها ‬الأخيرة ‬هذه ‬الأيام ‬فى «‬مخيم ‬اليرموك»‬، ‬فيما ‬يعرف ‬بتطهير ‬واسترداد ‬الحزام ‬المتاخم ‬للعاصمة ‬دمشق. ‬
ما ‬تشاركت ‬فيه ‬وبدا ‬جليًا ‬فى ‬الأفق ‬خلال ‬النصف ‬الثانى ‬من ‬العام ‬المنصرم، ‬أن ‬تنظيم «‬داعش» ‬بعد ‬افتقاده السيطرة ‬على ‬البلدات ‬التى ‬كان ‬يقوم ‬بإدارتها، ‬ويعتبرها ‬ملاذاته ‬الآمنة ‬ونطاقه ‬الحيوى. ‬سيتحول ‬إلى ‬مرحلة «‬تشظى» ‬شديدة ‬الخطورة، ‬وسيتحرك ‬فى ‬نسق ‬الإغارات ‬الخاطفة ‬على ‬مناطق ‬بعينها، ‬وفق ‬استراتيجيته ‬المستحدثة ‬التى ‬ستمكنه ‬ـ ‬على ‬الأقل ‬ـ ‬من ‬تنفيذ ‬بعض ‬من ‬أهدافه ‬التكتيكية. ‬وبقراءة ‬بعض ‬من ‬تلك ‬التكتيكات ‬مؤخرًا، ‬يمكن ‬اعتبار ‬إطالة ‬مقاتليه ‬لمعارك «‬مخيم ‬اليرموك» ‬كانت ‬بغرض، ‬إعطاء ‬الفرصة ‬للقوة ‬الرئيسية ‬لمقاتليه، ‬أن ‬تستقر ‬بأوضاعها ‬بجوار ‬الشريط ‬الحدودى ‬الشمالى ‬الشرقى ‬لسوريا. ‬وتحديدًا ‬فى ‬تلك ‬المنطقة ‬سيكون ‬رهان ‬التنظيم ‬القادم، ‬والمقصود ‬بها ‬صحراء «‬دير ‬الزور» ‬والبلدات ‬المتاخمة ‬للشريط ‬الملاصق ‬للحدود ‬مع ‬العراق. ‬
منذ ‬أيام ‬نفذت ‬بالفعل ‬عناصر ‬لـ«‬داعش» ‬هجومًا ‬مباغتًا، ‬وقع ‬فى ‬منطقة ‬تجمع ‬للجيش ‬السورى ‬تضم ‬عسكريين ‬ومستشارين ‬روس، ‬غرب ‬مدينة «‬الميادين» ‬فى ‬محافظة ‬دير ‬الزور. ‬الموقع ‬العسكرى ‬مخصص ‬للمدفعية ‬السورية؛ ‬وأسفر ‬الهجوم ‬عن ‬مقتل (‬٤ ‬عسكريين ‬روس) ‬وإصابة ‬٥ ‬آخرين. ‬وأوقع ‬أيضًا ‬ضحايا ‬من ‬قوات ‬الجيش ‬السورى، ‬لكن ‬لم ‬يفصح ‬الأخير ‬عن ‬عددهم، ‬واكتفى ‬بإعلان ‬أن ‬وحدته ‬العسكرية ‬رغم ‬ما ‬تلقته ‬من إصابات ‬جسيمة، ‬استطاعت ‬بمشاركة ‬الجنود ‬الروس ‬قتل (‬٤٣ ‬إرهابيًا) ‬خلال ‬معركة ‬استمرت ‬لنحو ‬الساعة، ‬وتمكنت ‬أيضًا ‬من ‬تدمير (‬٦ ‬عربات) ‬مثبتة ‬عليها ‬أسلحة ‬ثقيلة. ‬
رئيس ‬لجنة ‬الدفاع ‬فى ‬مجلس ‬الدوما ‬الروسى، ‬الجنرال، ‬فلاديمير ‬شامانوف، ‬قدم ‬وصفًا ‬لما ‬جرى، ‬نقلته ‬عنه ‬وكالات ‬الأنباء ‬الروسية، ‬حيث ‬ذكر ‬أن ‬هجوم ‬المسلحين ‬التابعين ‬لـ«داعش» ‬فى ‬محافظة ‬دير ‬الزور ‬السورية، ‬كان ‬سريعًا ‬ومخططًا ‬له ‬بشكل ‬جيد، ‬لذلك ‬لم ‬يتمكن ‬الجيش ‬السورى ‬والجنود ‬الروس ‬من ‬تجنب ‬الخسائر. ‬وقال ‬شمانوف: «‬فى ‬منطقة ‬دير ‬الزور، ‬التضاريس ‬صعبة ‬للغاية، ‬والهجوم ‬المسلح ‬مخطط ‬له ‬بعناية، ‬فقد ‬تحرك ‬المسلحون ‬على ‬سيارات ‬تويوتا ‬عالية ‬السرعة، ‬ذات ‬المدافع ‬الرشاشة ‬من ‬العيار ‬الثقيل».
‬ووفق ‬توصيف ‬الجنرال ‬الروسى، اعتبر ‬أن ‬الجنود ‬السوريين ‬الذين ‬كانوا ‬فى ‬المجموعة، ‬والعسكريين ‬الروس ‬نفذوا ‬المهام ‬بشكل ‬جيد. ‬ولسوء ‬الحظ ‬تكبدوا ‬خسائر ‬فى ‬الأرواح، ‬لكن ‬هذا ‬لا ‬يمنع ‬أن ‬القادة ‬العسكريين ‬السوريين ‬والمستشارين ‬والجنود ‬الروس، ‬رغم ‬الخسائر ‬حققوا ‬نتائج ‬جيدة ‬فى ‬تدريب ‬جنود ‬الجيش ‬السورى. ‬
لكن ‬هناك ‬رواية ‬أخرى ‬لتنظيم «‬داعش»‬، ‬نشرها ‬على ‬منصته ‬الإعلامية ‬وكالة «‬أعماق»‬، ‬وفيها ‬الخسائر ‬فى ‬صفوف ‬التنظيم ‬أقل ‬كثيرًا ‬مما ‬ذكرته ‬المصادر ‬الروسية، ‬والأهم ‬أنه ‬يؤكد ‬قيامه ‬بتدمير (‬٣ ‬آليات ‬عسكرية ‬روسية)‬، ‬فضلًا ‬عن ‬تمكنه ‬من ‬أسر (‬٦ ‬جنود ‬روس) ‬يرجح ‬أنهم ‬تابعون ‬لـ«مجموعة ‬واجنر»‬، ‬وهى ‬الشركة ‬العسكرية ‬الروسية ‬الخاصة ‬التى ‬تقدم ‬خدمات ‬على ‬أرض ‬المعركة ‬لصالح ‬النظام ‬السورى. ‬
‬وما ‬يبدو ‬من ‬منشورات ‬التنظيم ‬خلال ‬الفترة ‬السابقة، ‬أن ‬التنظيم ‬سيعتمد ‬خلال ‬الفترة ‬القادمة ‬على أسلوب «‬الإغارة ‬الخاطفة». ‬حيث ‬لا ‬يتوقع ‬أن ‬يكون ‬التنظيم ‬ـ ‬الآن ‬ـ ‬قادرًا ‬على ‬إحداث ‬تغيير ‬حقيقى، ‬فى ‬الأماكن ‬التى ‬وصل ‬إليها ‬الجيش ‬السورى ‬مثل ‬تلك ‬الأخيرة ‬فى ‬مدينة «‬الميادين» ‬ومحيطها، ‬خاصة أنه ‬لا ‬توجد ‬منطقة ‬يستردها ‬النظام ‬السورى، ‬إلا ‬ويكون ‬مصاحبًا ‬لقواته ‬فى ‬التمركز ‬بها ‬وتأمينها «‬قوات ‬روسية». ‬وهذه ‬الأخيرة ‬أصبحت ‬تمتلك ‬الكلمة ‬العليا ‬فى ‬ترتيب ‬الأوضاع ‬الأمنية ‬لتلك ‬المناطق ‬والبلدات، ‬يتم ‬هذا ‬فيما ‬هو ‬مسترد ‬من «‬داعش» ‬أو ‬غيرها ‬من ‬التنظيمات. ‬وتنفذ ‬تلك ‬السيطرة ‬الروسية ‬بطريقتين؛ ‬الأولى ‬تتم ‬عبر ‬نشر ‬قوات ‬لـ«‬الشرطة ‬العسكرية» ‬التابعة ‬للقوة ‬العسكرية ‬النظامية، ‬والتى ‬تدار ‬من «‬قاعدة ‬حميميم». ‬والثانية ‬تكون ‬بواسطة ‬مستشارين ‬بأعداد ‬أقل ‬تتراوح ‬ما ‬بين (‬١٠ ‬و‬٢٠) ‬للموقع ‬أو ‬المنطقة ‬الواحدة، ‬على ‬أن ‬يتم ‬دعمهم ‬بمقاتلين ‬روس ‬غير ‬نظاميين «‬مجموعة ‬واجنر». ‬
تفاصيل ‬العملية ‬الأخيرة ‬تشى ‬بأن ‬الموقع ‬العسكرى ‬الذى ‬تعرض ‬للهجوم، ‬يدار ‬بواسطة ‬الطريقة ‬الثانية. ‬و«‬داعش» ‬عبر ‬تنفيذه ‬تلك ‬العملية، ‬يمكن ‬القول ‬أنه ‬قد ‬بدأ ‬ممارسة ‬عملية إنهاك ‬وتكبيد ‬للخسائر، ‬فى ‬مواجهة ‬تلك ‬النقاط ‬الأمنية ‬أو ‬العسكرية. ‬وهذا ‬فصل ‬تكتيكى ‬قد ‬يطول ‬بالنظر ‬إلى ‬خريطة ‬التموضع ‬الجديدة، ‬للقوات ‬التى ‬أشرنا ‬إليها ‬والتى ‬بدأت ‬فى ‬الانتشار ‬بطول ‬المحافظات ‬السورية ‬وعرضها. ‬فعلى ‬سبيل ‬المثال ‬هناك ‬خريطة ‬تم ‬الإعلان ‬عنها ‬مؤخرًا، ‬تخص ‬فقط ‬مدينة «‬إدلب» ‬وريفها، ‬وكيفية ‬توزيع ‬نقاط ‬المراقبة ‬العسكرية ‬حولها. ‬وفيها ‬وحدها ‬كانت ‬لروسيا ‬ما ‬يتجاوز (‬١٠ ‬نقاط)‬، ‬هذا ‬وفق ‬اتفاقية ‬خفض ‬التصعيد ‬بـ«‬أستانا»‬، ‬فضلًا ‬عن ‬مشاركة ‬تركيا ‬وإيران ‬بنقاط ‬مماثلة ‬لكل ‬منهما. ‬
حرية ‬الحركة ‬التى ‬لا يزال ‬تنظيم «‬داعش» ‬يتمتع ‬بها، ‬تهدد ‬أطرافًا ‬عديدة ‬معرضة ‬لتلقى ‬خسائر ‬باهظة ‬الكلفة، ‬فما ‬أسهل ‬فى ‬ساحة ‬مثل ‬سوريا ‬أن ‬ينفذ ‬التنظيم ‬عمليات ‬بمثل ‬ما ‬جرى ‬فى ‬العملية ‬الأخيرة، ‬وهى ‬الأصعب ‬فى ‬التصدى ‬لها، ‬على ‬القوات ‬الروسية ‬أو ‬غيرها. ‬وترى ‬من ‬سيكون ‬بقادر ‬على ‬استثمار ‬قدرات ‬التنظيم «‬المتحركة» ‬كى ‬يوجهها، ‬تجاه ‬أعدائه ‬أو ‬من ‬يستهدف ‬إضعافه ‬فى ‬تلك ‬المرحلة ‬من ‬الصراع. ‬فهنالك ‬كما ‬هو ‬ظاهر ‬من ‬الأحداث، ‬تحور ‬سريع ‬للخطر ‬إلى ‬أنماط ‬وأشكال ‬مغايرة، ‬لا تزال ‬قادرة ‬على ‬صناعة ‬التهديد ‬لكل ‬الأطراف.