رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دفة الحرب تتجه لـ«درعا».. منها وإليها تعود

جريدة الدستور

في سوريا تدور المعارك بشكل يومي، وتتشابك فيها خريطة النفوذ والسيطرة بشكل يكاد يكون معقد، بخلاف أن الألوية والحركات والجماعات تكاد تكون بالعشرات أو المئات والتي تتقارب وتتفكك وتتحد في تشكيلات ومسميات كثيرة يصعب تدراكها، كما أنَّ الحرب تتحرك في مناطق صغيرة للغاية ربما تكون مداخل مناطق أو مدن أو طريق أو منفذ، معارك لا يفهمها إلا أهلها، ولكن مع ذلك يكون لكل مرحلة بصمة خاصة، لا تتكرر في مكان آخر، كل واحدة منها لها حساباتها وأهدافها لدى جميع الأطراف.

الدفة الآن تتجه نحو "درعا"، وبدأ النظام السوري في إلقاء منشورات على المدينة تحذر من المعركة مذيلة بتوقيع القيادة العامة للجيش، بعضها موجه للمدنيين وتقول "إخوتكم في الغوطة اتخذوا القرار الصحيح وشاركوا الجيش السوري بإخراج المسلحين من بلداتهم وقراهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية"، وأخرى موجهة للمسلحين: "أيها المسلح من أجل من تقامر بحياتك، أمامك خياران: إما الموت الحتمي أو التخلي عن السلاح، رجال الجيش السوري قادمون، اتخذ قرارك قبل فوات الأوان".

حكاية "درعا"
منها انطلقت الثورة السورية في مارس من العام 2011، وتحورت الأوضاع لتخرج من تحت أيدي النظام السوري كما هو حال العديد من المناطق الأخرى، وحتى الآن مازالت كذلك إلا جزءًا يسيرًا منها.

وفي فبراير من العام 2017 فكر بعض الساسة والنشطاء السوريين مجاراة ثورات الربيع العربي وقتها، وقد كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد سقط، وتخلى الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن السلطة في مصر، ولكن أطفال درعا لم ينتظروا المشاورات، فكتب عدد منهم على سور المدرسة عبارات مناهضة للنظام السوري، وفي اليوم التالي تم القبض على أحدهم، بعد أنّ كان قد ذيَّل عبارته المناهضة للنظام باسمه، ومن شدة الأمر أرشد عن زملائة، وألقي القبض عليهم جميعًا، حاول الأهالي مع محافظ درعا للإفراج عن الأطفال، إلا أنّ هذا لم يحدث، ثم حاولوا مع عاطف نجيب الذي كان يرأس جهاز الأمن السياسي، ولكن لم يفلح الأمر، لا نحتاج لسرد باقي الحكاية، فهكذا بدأ الأمر وتحول للدم ثم انتشر في كل محافظات سوريا.

ويقول الناشط السوري محمد الساري، المقيم بدرعا لـ"الدستور"، إنَّ النظام السوري فقد السيطرة على درعا في ١٨ مارس ٢٠١١، وكانت أول مدينة أعلنت الإضراب، وأول مدينة حملت السلاح، وأول مدينة تم حصارها.

توزيع السيطرة والنفوذ
يوضح "الساري" أنَّ الجيش السوري الحرّ يسيطر على ٧٠% منها وهى أول المناطق التي ظهر بها، إلى جانب بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ومنطقة حوض اليرموك الوعرة التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإرهابي "داعش".

حسابات درعا تختلف عن أى مكان
درعا، ليست كأي مدينة أخرى ومعركتها لها حسابات أخرى؛ فالمدينة محاذية للحدود الأردنية وأيضًا الفلسطينية المحتلة، كما أنَّها ضمن مناطق خفض التوتر التي اتفقت عليها أمريكا وروسيا والأردن، وبالتالي فإن إسرائيل يهمها ألا يكون هناك توتر على حدودها، أو أن يكون هناك تعزيز للتواجد الإيراني أو الميليشيات التابعة له.

ولكن هذه النقطة تحديدًا قالت عنها صحيفة "جيروزاليم بوست" في تقرير لها الإثنين، إن إسرائيل وروسيا اتفقتا على السماح للجيش السوري بإعادة السيطرة على جنوب سوريا حتى الحدود مع إسرائيل، طالما لن يُسمح لإيران وحزب الله بالمشاركة في هذه العملية.

ومع ذلك تحذر الولايات المتحدة الأمريكية بأنَّها ستتخذ إجراءات صارمة بحق دمشق في حال انتهاك اتفاق لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، كما أشارت وكالة "رويترز" للأنباء، إلى أنَّ أمريكا والأردن وروسيا اتفقوا على ضرورة الحفاظ على منطقة عدم التصعيد في جنوب سوريا.

المعركة تتأرجح بين عدد من الاحتمالات، أقلها دموية هو حل سياسي أو اتفاقات خروج آمن كما حدث في مناطق أخرى، وهو أمر مرهون بعدد كبير من العوامل.

أهمية درع للنظام السوري
بعد إعلان النظام السوري قبل أيام دمشق ومحيطها مناطق آمنة عقب الهجوم العسكري الواسع على مناطق جنوب دمشق، واستعاد جميع بلدات الغوطتين الغربية والشرقية، وسيطرته بالكامل على منطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك، تتجه الأنظار إلى خارج دمشق، لتأمين العاصمة ومحيطها بالكامل.

وبالنسبة لأهميتها للنظام، يقول الناشط محمد الساري، إنَّ درعا بوابة دمشق والخطر الأكبر على العاصمة، ويضيف على ذلك الناشط معاوية الزعبي، والذي يعيش في درعا، أنَّ المدينة مهد الثورة والوصول إليها والسيطرة عليها له أثر معنوي كبير لدى النظام، بالإضافة إلى أنَّها بوابة سوريا الجنوبية وما لذلك من أهمية اقتصادية كبيرة للغاية والسيطرة عليها تعطيه امتيازات هائلة خلال تفاوضه على خطوات الحل النهائي في سورية، وكذلك للإيرانيين وأتباعهم أيضًا مصلحة في المعركة حسب ما يقول الزعبي بسبب قربها من حدود إسرائيل وهو ما يتيح لها ميزة جغرافية هامة.

ولدرعا أيضًا أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية، ففي معروفة بسهل حوران وهي سلة الغذاء سابقًا لسوريا فهي منطقة زراعية هامة جدًا كانت تغطي احتياجات سوريا.

الوضع المعيشي
يقول معاوية الزعبي، إنَّ قوات الجيش تحاصر المدينة منذ 8 سنوات، ما يمنع وصول المواد الأساسية والمستلزمات الطبية بنسبة كبيرة جدًا وإن دخلت تدخل بثلاثة أو أربعة أضعاف سعرها الأصلي ما يرهق كاهل المدنيين بالمناطق المحررة.

وبالحديث عن المشافي تعاني المحافظة من شُح كبير جدًا بالنسبة لجميع المواد الطبية وغياب لأجهزة التصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي وغياب للقدرة على إجراء العمليات الجراحية للمرضى وتقتصر آلية عمل النقاط الطبية على تقديم الإسعافات الأولية فقط بالإضافة إلى نقص واضح بالكوادر الطبية.

معركة شرسة
لا يتوقع ضيفا التقرير، محمد الساري، ومعاوية الزغبي، أنّ يتراجع الجيش السوري الحر، أو أن يعقد صفقات للخروج الآمن كما حدث في مناطق أخرى، ولكن سيقاتل في معارك حتى النفس الأخير، وهو ما ينذر بمعركة شرسة؛ حيث أنَّ النظام السوري بمعاونة الطيران الروسي لن يتراجع أيضًا عن محاولات السيطرة على المدينة وتأمين الأراضي الجنوبية.