رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غيبوبة مايو 1967


مضى واحد وخمسين عامًا منذ أن بدأت المظاهر الاحتفالية لأخطر قرار اتخذه قائد مصرى فى تاريخ مصر. وتعتبر تلك المظاهر وقتها، استكمالًا للدور الإعلامى الذى كان يقف خلف الرئيس جمال عبدالناصر، دون تمحيص أو دراسة، فى أوج فترة المد القومى العروبى، ليصفق الإعلام المصرى والعربى لكل قرار يصدره الرئيس عبدالناصر، دون حساب للعواقب الكارثية التى تعود عليه.
ففى ١٧ مايو ١٩٦٧، طالب الرئيس جمال عبدالناصر قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة من قطاع غزة وسيناء وشرم الشيخ، لتحل قوات مصرية محل القوات الدولية.
ولعل الرئيس عبدالناصر لم يفطن إلى أنه كان ضحية مؤامرة دولية لإسقاطه بدأت تدريجيا وبمعاونة من الاتحاد السوفييتى الحليف العسكرى لعبدالناصر فى ذلك الوقت.
فقد أبلغت المخابرات السوفييتية الـK.J.B الحكومة المصرية وقتها، بوجود حشود عسكرية إسرائيلية على الحدود السورية، والغريب أن الفريق أول محمد فوزى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى ذلك الوقت، قام باستطلاع جوى، وتأكد من عدم دقة معلومات المخابرات الروسية. وهو ما توافق مع معلومات السفارة المصرية فى سوريا، حسبما ذكره السفير نبيل بدر أحد أعضاء السفارة المصرية فى سوريا.
ورغم ذلك تم حشد القوات المسلحة على الحدود الإسرائيلية، وفى اليوم التالى ثم إعلان إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة والسفن الإسرائيلية. رغم وجود اتفاقية دولية تضمن حرية الملاحة الإسرائيلية فى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦، والتى بموجبها ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل للانسحاب من سيناء بعد أن احتلتها بالكامل.
وهناك من يرى أن عبدالناصر كان يقصد من قرار سحب قوات الطوارئ الدولية، إعادة توزيع هذه القوات، وليس سحبها، لكن المشير عبدالحكيم عامر، وزير الحربية القوى، كان له رأى آخر، إذ رفض فعليًا تعديلات عبدالناصر على طلب إعادة القوات الذى سيسلم لقائد القوات الجنرال ريكى، واعتمد عامر على نسخة متشددة من القرار، تطالب بسحب القوات بشكل كامل، وتعلل بأنه لم يكن لديه الوقت الكافى لإجراء التعديلات، التى طلبها عبدالناصر، وكانت نتيجة هذا التصرف أن قامت الأمم المتحدة بسحب كل قواتها، وكأنها كانت تنتظر.
كان هناك نزاع خفى لم يطفُ على السطح بين جمال عبدالناصر ووزير حربيته. وهو ما ظهر تحديدًا فى يوم ١٧ مايو ١٩٦٧، اليوم الذى بدأت فيه فكرة السيطرة على المضيق، وليس إغلاقه، تطرح نفسها، ففى هذا اليوم دعا عبدالناصر معظم أعضاء مجلس قيادة الثورة السابق إلى اجتماع فى بيته، وطرح عليهم فكرة السيطرة على المضايق. كان أعضاء مجلس قيادة الثورة بمثابة مجلس استشارى خاص للرئيس عبدالناصر على غير سند من الدستور أو القانون، كما كانوا بعيدين عن أى معلومات تخص القوات المسلحة.
كان جمال عبدالناصر قد أراد من دعوة مجلس قيادة الثورة القديم للاجتماع، للوقوف معه فى مواجهة عبدالحكيم عامر، والوقوف ضده فى قرار إغلاق خليج العقبة، وأن يساند عبدالناصر فى فكرة السيطرة المصرية على الخليج فقط، كورقة ضغط على إسرائيل، ولكن من الواضح أنه استجاب لرأى الجميع الذين أيدوا موقف عبدالحكيم عامر.
يوم ٢ يونيو ١٩٦٧ عقد فى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، اجتماعًا عسكريًا، أكد فيه عبدالناصر ضرورة عدم البدء بالهجوم، وأهمية تلقى الضربة الأولى، وإزاء اعتراضات بعض القادة، أخبرهم عبدالناصر بأنه سيدير المعركة سياسيًا، وأنه يجب ألا يستعدى الولايات المتحدة، الغريب أن عامر لم يخالفه الرأى هنا، لكنه فى الواقع ومن خلال تصرفاته فى الأيام المقبلة لم يعر توجيهات الرئيس أى انتباه، كان أبرزها ترتيب زيارة للجبهة صباح يوم ٥ يونيو، أى اليوم نفسه الذى تنبأ فيه عبدالناصر بأن يقوم الإسرائيليون بشن هجومهم فيه، ولعل هذا يطرح تساؤلًا رهيبًا، هل كان الرئيس يعلم بموعد الهجوم؟