رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسالة التاسعة بعد الألف الثانية

جريدة الدستور

هذه هى رسالتى التاسعة بعد الألف الثانية التى أرسلها لك، لكنى لا أدرى أهى المائة الخامسة أم السادسة التى أقسم فيها أنى لن أرسل لك، ثم أحنث فى قسمى ثانية، أصبحت الكتابة لك نوعًا من الإدمان، فكلما مررت بخاطرى «كلما!» كيف كلما؟ أنت بخاطرى دائمًا، تحيا معى حتى فى مطبخى، فهذه الأطعمة الشهية وأنا أعدها بمهارتى العالية أتخيلك وأنت تأكلها وأسمعك وأنت تقول لى: سلمت يداك، وحين تعلق لى على صورها التى أرسلها لك فتكتب: يومًا ما سآكلها من يدك.
تغمرنى السعادة ويضىء لها وجهى
وحين أهيئ نفسى وأرتدى ملابسى وأكمل أناقتى، أقف مختالة أمام مرآة عينيك، أعدّل فيهما هيئتى ثم أبتسم رضا عن مظهرى حينما أقرأه فى عينيك، وحين أسألك أرفع شعرى أم أتركه؟ تأتينى إجابتك، بل اتركيه حدائق صفصاف تستلقى على كتفيك، كما تصف شعرى دائمًا.
أخبرك أيهما أجمل على شفتىّ الأحمر القانى أم الوردى؟
فتجيبنى سريعًا: بل الوردى، فبه تزداد أنوثتك وضوحًا فى عينى، ثم تقول لى عبارتك الأثيرة: أغار عليك من ملابسك وعينك الناظرة، ومن الهواء حولك.
هل أخبرتك من قبل عن أحلامى؟ ربما أخبرتك فى إحدى رسائلى إليك، لكنى سأقص عليك حلم الليلة، آه كم كان حلمًا سعيدًا يا فارس، فقد اصطحبتنى معك فى مؤتمرك العلمى المقبل إلى المغرب، كان قلبى يرفرف فرحًا فوق جناحىّ الطائرة، أنا الآن بجانب حبيبى ويدى فى يديه وعيناى فى عينيه! أتعرف ماذا قلت لى فى حلمى الجميل؟ كما كل أحلامى معك..
اقتربت من أذنى وقلت: سأكتب على جبينى أحبك، لتنظرى مرة إلى الكلمة ومرة أخرى فى عينى، ثم سرقت من خدى قبلة، استيقظت على دفء شفاهك فوق خدى، ولما استيقظت وجدتنى أتمتم بقول الشاعر:
تخبرنى الأحلام أنى أراكم... فيا ليت أحلام المنام يقين
أربع سنوات هى عمر علاقتنا، لم تنقطع فيها عن زيارتك لى فى الأحلام، ومن عجب أنى لم ألتقِك حقيقة سوى ثلاث مرات، وكانت خارج الوطن حيث تقيم.
فارس.. أما آن لهذا الشوق أن يطوى هذه الأميال ويأتى بك إلىّ أو تحملنى جناحاه إليك؟!
لدىّ صرخة أتمنى لو تفرج عنها شفتاى فأخبر بها كل الناس..
وأقول: أنا هى رزان حبيبة هذا الشاهق الجميل، أنا وحدى من اختارها قلبه من بين كل النساء ليقول لها: أفخر بأنك فى حياتى، حبيبتى.. لا قيمة للحياة إن لم تكونى فى القلب منها.. توجتنى أميرة على كل النساء.
أكتفى هذه الليلة بما كتبت لك، تصبح على خير حبيبى.
نامت، وعند الفجر أيقظتها رنة رسالته، مسحت بيدها أثر النوم عن عينيها، لتستطيع أن تقرأ، بدأت الكلمات على شاشة الهاتف تتضح شيئًا فشيئًا «وصلتُ توًا مطار القاهرة، لم أخبر أحدًا سواك».
اختلطت البسمة بتجعيدة الدهشة وهزها فرح غامر، جلست على فراشها فى انتباه، أعادت الرسالة مرة ومرة، وقالت: أخيرًا يا فارس يجمعنى أنا وأنت حدود الوطن، سيكون اللقاء فى الوطن بطعم آخر، لكن لماذا لم تخبرنى بمجيئك حينما كنت تكلمنى عصر اليوم، يا لها من مفاجاة أطارت النوم من عينى، أيضًا لم تكتب لى متى وأين ستلقانى؟!
أكملت حوارها معه كما تعودت فى خلوتها دائمًا، تخبره بجديدها، وتئن له إذا مرضت، تضحك له على نكتة سمعتها، وتعاتبه على ردوده المبتورة، وتخاصمه لأنه قلل كثيرًا من مكالماته، حقًا يا فارس لم تعد تبدأنى بالرسائل؟ تحول الوضع فأصبحت أنا التى تبدأك وأنا التى تسأل وأنا التى تصب عليك مشاعرها صبًا، ترى هل أحببت امرأة أخرى؟
ودائمًا أكرر عليك السؤال وتكرر لى الإجابة: أنت عشقى الأبدى، هل يتبدل الحب يا رزان؟
لكن ما أسرع عودة وساوسى.
مر اليوم الأول متثاقلًا ولم يتصل، والثانى والثالث.
أرسلت له الرسالة التاسعة بعد الألف الثانية فكتبت: أمن الممكن أن يغادر فارس أرض الوطن دون أن تضم يداه يد رزان؟!
أضاءت صورته هاتفها، وجاء صوت فيروز «عندى أمل فيك»، دالًا على مكالمته، ارتعشت يداها وارتجف قلبها وبصوت مرتعش مخنوق بالبكاء قالت: فارس أخيرًا، أين أنت؟ متى ألقاك؟ تعبت من الشوق لك.
وجاء صوته هادئًا رزينًا: سامحينى حبيبتى.. لم يتسع وقتى لمقابلتك، أغادر الآن مطار القاهرة، تتعوض إن شاء الله.