رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاكمة مسلسلات الصعيد.. مثقفو الجنوب: «نسر الصعيد» و«طايع» بلا روح

محمد رمضان
محمد رمضان

دائما ما تثير المسلسلات الدرامية التى تتناول أحداثا عن الصعيد كثيرا من الجدل، خاصة بين أهالى «الجنوب» أنفسهم، الذين يرونها دائما أبعد ما تكون عن إلقاء الضوء على واقع حياتهم الحقيقية وأزماتهم، إلى جانب «المبالغات» وتغطية زاوية واحدة فى التناول، قائمة فى الأغلب على أفكار الثأر والصراع على النفوذ والسطوة والظلم من قبل صاحب ثروة أو جاه. وفى الموسم الدرامى الرمضانى الحالى، أثار مسلسلا «نسر الصعيد» و«طايع»، من بطولة محمد رمضان وعمرو يوسف، استهجان كثيرين من متابعى الدراما فى الصعيد، خاصة «المثقفين»، الذين عددوا مجموعة من الأخطاء فى أحداث المسلسلين، على رأسها محاولة اختزال الصعيد كله فى «لهجة» واحدة، تحمل قدرا كبيرا من «المبالغات».

الأسيوطى: أقول لصناعها: «معندناش كباريهات ولا جلد للفلاحين»
اتهم الشاعر والكاتب المسرحى والسيناريست درويش الأسيوطى، صناع مسلسل «نسر الصعيد»، بتقديم «صعيد افتراضى»، لا يوجد إلا فى خيالهم فقط، وهو ما يمثل «خطرًا» على الدولة ومؤسساتها.
وقال «الأسيوطى»: «تابعت الثلث الأول من حلقات مسلسل (نسر الصعيد) للسيناريست محمد عبدالمعطى، وإخراج ياسر سامى، وأرى أنه يتناسب مع الهدف الأول من إنتاجه، وهو تحويل الممثل محمد رمضان إلى (آل كابونى مصرى)، يستطيع أن يستظرف فى أوقات فراغه من العنف ببعض النكات الفجة والكلاشيهات اللفظية، التى أقام أحدهم لها مسرحا تليفزيونيا خاصا». وتابع: «الصعيد فى مسلسلنا هذا وأمثاله مجرد (صعيد افتراضى)، لا يعيش فيه غير محمد رمضان وطاقم عمل المسلسل، وهو صعيد يختلف عن الذى عشنا ونعيش فيه، ويخلو من المؤسسات والمثقفين، ويسوده الجهل والبلاهة».
وأوضح: «هذا الصعيد تكتظ فيه بيوت الأغنياء بأثاث فاخر على أحدث الطرز، فى الوقت الذى يأكل فيه أهل هذا البيت على طبلية، كما أن به (مواخير) مثل كباريهات شارع الهرم، لا أظن أن أهل قنا سمعوا بها».
واستكمل: «رغم تأكيد تترات المسلسل على أن الأحداث تجرى فى قنا، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، إلا أنه افتتح أحداثه بمشهد يجلد فيه (خولى) عددا من الفلاحين، تحت إشراف الإقطاعى صاحب الأرض، حتى يأتى المخلص صالح القناوى، الذى يقوم بدوره محمد رمضان ليوقف المجزرة، ويكشف براءة الفلاحين، ويدين الخولى (هتلر) بالسرقة، ما يخالف الواقع بشكل كبير».
وفسر: «ما تجاهله صناع العمل هو أن الصعيد بتكوينه القبلى لم يعرف ظاهرة (عبيد الأرض)، أو الحياة الإقطاعية التى عرفتها أوروبا، ووجدت أحيانا فى بعض قرى الدلتا، بالإضافة إلى أن الفترة الزمنية التى تدور بها الأحداث، هى فترة أصبح الإقطاع فيها جزءا من التاريخ، ولا يمكن أن يكون موجودا فى هذا الزمان والمكان».
ورأى أن هذا النوع من المسلسلات ينفذ خطة لـ«إسقاط الدولة»، التى تتبناها العناصر الإرهابية، مستدلًا على ذلك بأن الشباب والمواطنين عندما يرون المجتمع المثالى الذى يقيمه البطل فى قنا، خارج إطار الدولة، فإن الأحلام ستراود بعضهم لتقليده فى جميع المدن والقرى والمحافظات، بدلًا من الأجهزة التى لا تستطيع ذلك، وكأنه «أمير الجماعة» الذى يدين له الجميع بالسمع والطاعة لمجرد أنه رجل صالح، بما يؤسس «دولة الغابة»، التى يحكمها «القوى».
وأضاف: «كان على السيناريست أن يطرح على نفسه سؤالا بسيطا، هو: هل هناك بالفعل من تكون كل وظيفته فى الحياة هى القضاء العرفى؟، وهل هذا القاضى العرفى يتدخل فى كل كبيرة وصغيرة فى مجتمعه أم أن وظيفته اجتماعية ومؤقتة يكلف بها فى إطار سياسة مؤسسات الدولة؟». وعن تقييم العمل من الناحية الفنية، قال «الأسيوطى»: «تقييم العمل الفنى لا يكون إلا بعد اكتماله، لكن بعد مضى ثلث الحلقات تقريبا نستطيع قراءة الكثير من المؤشرات الفنية، فالسيناريست يعتمد على خلق شخصيات نمطية وأحادية الاتجاه، فمثلًا (هتلر) وأسرته أشرار للنهاية، و(صالح) وأهله أخيار للنهاية، كما أن معظم الحيل الإخراجية ساذجة، وتهتم بالاستعراض أكثر من الدلالة، كما أن هناك بعض الأخطاء التقنية الواضحة منذ الحلقات الأولى». ورأى أن الحوار لا يتناسب أحيانا مع مكونات الشخصيات، ضاربًا المثل بجملة: «دلوقت عرفت من أين تؤكل الكتف»، التى جاءت على لسان شخصية جاهلة شريرة، رغم أنها لا تتناسب مع ثقافته، مختتما: «بطل العمل كثيرا ما يتحدث بلهجته وطريقته كممثل، بغض النظر عن طبيعة الشخصية ولهجتها».

البطران: تعيد إنتاج أفكار صفاء عامر القديمة بشكل ردىء ملىء بالأخطاء
رأى الروائى، حمدى البطران، ابن أسيوط، مسلسل «نسر الصعيد»، نموذجا مكررا من مسلسلات المؤلف الكبير محمد صفاء عامر، لكنه يختلف عن تفرد وريادة تلك المسلسلات فى نقل صورة ذهنية عن الصعيد.
وانتقد «البطران» تعمد مسلسلات الموسم الرمضانى عن الصعيد، إظهار الإقليم من خلال الصراع العائلى والقبلى، وكأنه يعيش فى حرب لا تنتهى، وهو ما ينافى الواقع.
واستنكر مظاهر الثراء والغنى المفرطة التى يظهر عليها أبطال مسلسلات الصعيد، وهو ما يبدو من خلال القصور التى يعيشون بها، وتصرفاتهم التى تنم عن بذخ مبالغ فيه، وكمية الذهب والحلى التى تتزين بها الممثلات، وهو ما يخالف واقع الصعيد أيضا، خاصة أن سكان الجنوب يعانون من الفقر بدرجاته المتفاوتة، ابتداءً من «الستر» حتى «الفقر المدقع».
وأضاف: «أغنياء الصعيد لا يدخلون أبدا فى صراعات قبلية، والعائلات الغنية فى الصعيد لا تتصارع ولا تتورط فى جرائم قتل أو سرقة، لكنها تتصارع على نفوذ وعُمدية القرى والتمثيل البرلمانى والمشروعات الاستثمارية»، مستنكرًا الصراع الذى اعتمد عليه مسلسل «نسر الصعيد» بين عائلتى «صالح قناوى» و«هتلر». واعتبر قصة «نسر الصعيد» غير واقعية، وسبق تداولها من قبل مؤلفى عدة أفلام، موضحًا: «فكرة تبدو للمؤلفين سهلة وبسيطة، وتبرر لهم فكرة الصراع التى تبنى عليها كل المسلسلات والأفلام التى تحكى عن الصعيد».
وينتقد «البطران»، أيضًا، ارتداء الممثلين ملابس صوف وعباءات ثقيلة طوال الوقت، بالرغم من أن الجو فى قنا «مكان الأحداث» تغلب عليه الحرارة الشديدة، خاصة أن المسلسل يمتد عبر مساحة زمنية حوالى سنة كاملة.

عبدالحميد: حياتنا لا تقتصر على مطاردة الآثار.. واللهجة كلها أخطاء
قال الشاعر والمخرج المسرحى بكرى عبدالحميد، ابن الأقصر، إن أخطاء دراما الصعيد أصبحت كثيرة وغير مقبولة، حتى إن أبناءه أصبحوا يتساءلون: متى نرى عملا يعبر عن الصعيد الحقيقى شكلا ومضمونا؟.
وأضاف «عبدالحميد»: «كانت المسلسلات التى تقدم الصعيد موضوعا ولهجة هى أيقونة الأعمال الدرامية، وسببت حب المشاهد العربى لهذه اللهجة رغم أنها كانت تقدم فى صورة ساخرة أحيانا، وكان ذلك مقبولا فى حينه، لأن أكثر الناس لم يكونوا يعرفون شيئا عن الصعيد وناسه».
واستكمل: «الأمر تغير الآن كثيرا، وأصبح يشبه ما تقدمه السينما العالمية عن مصر، باعتبارها صحراء وأهرامات ورجالًا متوحشين، وإذا كنا كمصريين لا نرضى عن ذلك، فإن أبناء الصعيد لا يرضون عن تقديمهم بهذه الصورة فى الدراما، وكأن كل ما يشغلهم هو البحث عن الآثار والمتاجرة فى كنوز البلاد وقضايا الثأر كما فى مسلسل (طايع)، أو البحث عن الهيبة والنعرة القبلية التى لم تعد موجودة إلا فيما ندر، كما فى مسلسل (نسر الصعيد)»، مشددا على أن «حياتنا لا تتمحور حول هذه الأمور التى عفا عليها الزمن». وعن تقييمه لهذه الأعمال من الناحية الفنية، قال: «إذا تجاوزنا عن الموضوعات التى تطرحها المسلسلات هذا العام، فسنلاحظ وجود تجاوزات غير مقبولة فى اللهجة، فعلى سبيل المثال، كان أحد الممثلين فى (نسر الصعيد)، يحاول أن يقنع البطل ليكون كبير البلد خلفًا لوالده، وكان ينطق كلمة (القناوية) بالجيم المعطشة، لتصبح (الجناوية)، وهو خطأ لا يمكن أن يقع فيه أبناء الصعيد».

عبدالرءوف: تشعل نار الثأر.. وتقدمنا «قتّالين قُتَلة» بـ«ألسنة معووجة»
قال المخرج المسرحى أسامة عبدالرؤوف: إن الشخصيات التى تظهر فى الدراما الصعيدية لا تمت بأى صلة حقيقية للصعيد، مستنكرا «عوجة» الفم و«تقعير» الكلام، وخروج الألفاظ خالية من الروح، وبعيدة كل البعد عن الصعيد خاصة فى مسلسل «طايع».
وأضاف «عبدالرؤوف»، المقيم فى أسيوط: «الدراما تقدم نماذج معلبة ونمطية للصعيدى (قتّال القُتَلَة)، متناسين رقة وعذوبة محمود حسن إسماعيل وصلاح عبدالصبور وثقافة محمد مستجاب وأحمد أبوخنيجر، واستنارة رفاعة الطهطاوى وطه حسين».
واعتبر ذلك مغالطة قديمة أسس لها المستعمر الفرنسى، حينما اصطدم بأهل قرية «بنى عدى فلقنوه درسًا قاسيًا، وكذلك المستعمر الإنجليزى حينما قتل أهل الصعيد أحد قادتهم فى إحدى حملاتهم على الصعيد.
وتابع: «أحد هذه المسلسلات قدم الحلب والغجر يسكنون الخيام، وهذا جائز، لكنه وضع أمام الخيام جمالًا، بينما لا يمتلكها إلا الأغنياء فى الصعيد، فالفقراء كانوا يستعيرون نوق ذوى الشأن والملكية أثناء جمع محصول القمح».
واستنكر الخلط بين اللهجة الصعيدية ولهجة الفلاحين فى الدلتا، خاصة فى قولهم «أيوه- وتعطيش القاف»، مضيفا: «هناك أخطاء كارثية ارتكبها قدامى المخرجين، مثل عصابة عتريس (المطاريد) التى كانت تركب الخيول فى جميع مشاهدها».
وانتقد مسلسلًا من أعمال رمضان، رأى أنه يؤرخ للدم فى الصعيد، ويؤجج نار الثأر بدلا من إخمادها، مستنكرا اعتماده على شخصية امرأة: «لم أسمع أو أر امرأة فى الصعيد، يطلق لها العنان لتتحكم فى الرجال ولها السمع والطاعة».
وأضاف: «نحن فى الصعيد نسخر من هذا التمثيل الموغل فى الخيال»، لافتا إلى أنه يأخذ على دراما الصعيد اعتمادها على نوادر حدثت فى معظم محافظات مصر وليس الصعيد فقط، منها تقديم الرجل الشرير ذى الحظوة والمكانة الذى يصبح عضوا بمجلس نواب ثم يتاجر فى الآثار.
وتابع: «أغنية تتر أحد المسلسلات المعروضة الآن للفنان الشعبى أحمد برين وليس هناك إشارة من قريب أو بعيد إلى ذلك، وهناك مسلسل آخر فى أولى حلقاته يقول البطل للبطلة فى مشهد غزل (القضيب لولا إنه حديد مكنش شال القطر)، وهى كلمات تخدش الحياء، فى حين أن هناك فى الصعيد حكمة تقول (زينة الرجل الأدب)، حتى المرأة إن أرادت التقرب من زوجها نادته (يا واد عمى)، لأن ابن العم يجوز لها، وإن أرادت نصيحته قالت (يا واد أبوى)، فهى هنا تقوم مقام الأخت، فإذا غضبت منه قالت له: (يا واد الناس)».