رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: يا مليارديرات مصر.. من أين لكم كل هذا؟

محمد الباز
محمد الباز

يحلو لكثيرين من رجال الأعمال، أصحاب المليارات والملايين فى مصر، الإشارة إلى عصاميتهم وصعودهم إلى القمة، بعد أن سلكوا الطريق الصعب، ويمكن أن تستمع منهم إلى حديث مطول عن كفاحهم، وعرقهم الذى بذلوه، والأزمات التى حاصرتهم، والمحن التى تغلبوا عليها، والأشرار الذين وقفوا فى طريقهم، لكنهم انتصروا فى الحياة على كل شىء، وأصبحوا ما هم عليه الآن.
يمكن أن يبهرك بعضهم بما يقوله، فنحن شعب يُحب الحكى، لكن تأكد أن كثيرًا جدًا مما يرونه عن أنفسهم يصلح فقط للمسلسلات الدرامية التى نراها على شاشات فضائيات رمضان، تعجبنا جدًا، رغم أنها بعيدة كل البعد عن واقعنا الذى نعيشه ويعيشنا.
هل يعنى هذا أننى أشكك فى الطرق التى سلكها معظم رجال الأعمال المصريين فى تكوين ثرواتهم؟
يمكن أن تعتبره تشكيكًا بالطبع، وهو تشكيك يقوم على أساس ووثائق ومستندات، لكننى هنا أتحدث بالمنطق- أو حتى الآن على الأقل- فكلنا يعرف أن ظروف تكوين الثروات فى مصر- خلال ما يزيد على ٤٠ عامًا- لم تكن موضوعية أبدًا، ولولا أن الدولة تخلت عن مسئوليتها مبكرًا وتركت كل شىء لرجال الأعمال، ما وجدنا كل هذه الديناصورات تتحرك من حولنا.
كل طرف كان يعرف الحقيقة، الدولة تعرف أنها أرْخَت الخيط كله لرجال الأعمال، ورجال الأعمال يعرفون أنهم يحصلون على كل هذه الثروة، ليس لأنهم الأكفأ ولكن لأنهم الأقرب، وليس لأنهم العصاميون الذين لا يتوقفون عن العمل، ولكن لأنهم الأكثر قدرة على الاستفادة من علاقاتهم وتقديم الخدمات التى لا يستطيع تقديمها أو يتقنها غيرهم.
فى نهاية التسعينيات وربما فى السنوات الأولى من الألفية الثالثة، كان رجال الأعمال المصريون، قد وصلوا إلى مرحلة من الفُجر الاجتماعى لا يستوعبها أحد.
بالغوا فى التعبير عن ثرائهم، وأصبحت الأخبار القادمة من الساحل الشمالى عن السهرات واللقاءات والولائم الممتدة، والملايين التى تنفق على ذلك، هى كل ما يأتينا عن رجال الأعمال.
تحولت الأفراح فى مجتمع رجال الأعمال من مجرد ليلة العمر، يمكن أن ينفقوا عليها عدة آلاف من الجنيهات، إلى ليلة من ألف ليلة وليلة لا بد أن يقدموا بين يديها عدة ملايين، وبدأت الصحف تنشر أخبارًا وأسرارًا وحكايات عن أفراح أسطورية يأتيها الطعام ساخنًا بطائرات خاصة من باريس، وعن تكاليف خرافية لا يمكن أن يتخيلها أحد، أو يستوعب أنها يمكن أن تنفق فى فرح- أحد الأفراح تكلف ٥٤ مليون جنيه- وبدأنا نسمع عن الأفراح التى يحصل فيها المعازيم على هدايا من الذهب والألماس.
بعد أن انفجرت هذه المظاهر، عقد أحد المسئولين الكبار فى الدولة اجتماعًا مع عدد من رجال الأعمال، وقال لهم: «بلاش استفزاز للناس، اللى بتعملوه ده ممكن يخلى الناس تاكلكم صاحيين، وبعدين اوعوا تنسوا نفسكم، إحنا ممكن نرجّعكم تركبوا عجل زى ما كنتم».
مواجهة تكشف الكثير، فلا الدولة كانت ترى أن لديها رجال أعمال وطنيين يمكن أن يكون لهم دور فى تنمية البلد وخدمته، ولا رجال الأعمال كانوا مقتنعين أن الدولة ترفض ما يفعلونه، هى فقط كانت لا تريد المبالغة فى التعبير عن ثرائهم حتى لا يستفزوا الفقراء.
سأصدق مليارديرات مصر ومحتكرى ثرواتها وملايينها، سأسمع لهم وهم يقولون إن أموالهم كلها جمعوها بطرق قانونية ومشروعة، أو بلغة أولاد البلد، كل فلوسهم من الحلال، ولذلك ليس مناسبًا أن أطالبهم أو يطالبهم غيرى بالتنازل عن نصف ثرواتهم لصالح الدولة، فهذا ظلم بيّن، كما أنه يمكن أن يصنع أزمة اقتصادية حادة فى البلد.
وكما أصدقهم فى بعض ما يقولونه، فإننى أطالبهم بأن يصدقونى فى بعض ما أقوله أيضًا.
أولًا: إذا كان الحديث عن تنازل مليارديرات مصر عن نصف ثرواتهم، يمكن أن يصنع أزمة اقتصادية ويؤثر على الاستثمار ومناخه، فاسمحوا لى أن أقول لكم إن من يقولون هذا يمارسون نصبًا وتضليلًا كاملًا، لأننا أساسًا فى أزمة اقتصادية حادة، والسبب فيها هو رجال الأعمال الذين لا يعملون إلا لمصلحتهم الخاصة، وليذهب الجميع بعد ذلك إلى الجحيم، وعليه فالتهديد بذلك أمر ساذج جدًا لن ألتفت إليه.
ثانيًا: إذا كان مليارديرات مصر ورجال أعمالها يثقون تمامًا فى أن الأموال التى فى خزائنهم وحساباتهم، سواء داخل مصر أو خارجها، كلها قانونية وحلال، فلا أقل من أن يقدم كل منهم إقرارًا بذمته المالية، وهو إقرار سيقدمونه هذه المرة إلى الشعب المصرى وبشكل علنى وواضح وشفاف، ويمكن لكل منهم أن يختار الطريقة التى سيفعل بها ذلك، على الأقل حتى يبرئ ساحته، فكل ملياردير متهم أمام الشعب للأسف الشديد حتى لو ثبتت براءته، ولذلك عليهم أن يبذلوا جهدًا مضاعفًا ليطمئن الناس لما يقولونه.
مطلوب من كل رجل أعمال- احتج على ما طالبنا به من تنازله عن نصف ثروته لصالح البلد- أن يقول لنا من أين جاء بثروته؟، أن يثبت كل مليم فيها، وهو أمر بالمناسبة من حق هذا الشعب الذى تشعر النسبة الأكبر منه أنها هى التى تتحمل وحدها كل الأعباء الناتجة عن قرارات الإصلاح الاقتصادى.
يمكن ألا يلتفت أحد إلى هذه الدعوة، على اعتبار أنه ليس من حق أحد أن يعرف أسرار ثروة فلان أو علان، وهو ما يمكن أن يضطرنا إلى التقدم إلى الجهات الرسمية-مكتب النائب العام والرقابة الإدارية تحديدًا- نطلب منها رسميًا أن تفحص ثروات مليارديرات مصر، أن تقول لنا هل هذه الأموال التى يملكها هؤلاء جاءت جميعها بطرق قانونية، أم أن هناك مخالفات وقعوا فيها؟.
ستقول لى: الأولى أن تطالب الدولة بمحاربة الفاسدين وتعقبهم واسترداد أموال الشعب منهم، سأقول لك: هذا ما تفعله الدولة الآن، وهو ملف يعرفه رجال الأعمال أكثر من غيرهم، وعليه فلا داعى لتضييع وقتنا فى حديث جانبى لن يقدم أو يؤخر.
دعوتى لرجال الأعمال بأن يمدوا أيديهم طواعية إلى هذا الشعب الذى له حق معلوم وقانونى فى ثرواتهم، ليست فكرة خيالية أبدًا، ولا هى بعيدة عن التطبيق، ولا تخالف القانون، لأننى لا أطالب بمصادرة هذه الأموال لصالح الدولة، على العكس تمامًا، أنا أضع أمامهم فرصة حقيقية، ليثبتوا أنهم على قدر المسئولية، ويستحقوا الانتماء لأرض هذا الوطن.
وقبل أن يحتج أحدهم بقوله إنه يتبرع للمستشفيات والجمعيات الخيرية، أو حتى لديه جمعية خيرية يرعى من خلالها مئات الفقراء والمحتاجين، وإنه يتبرع لصندوق «تحيا مصر» دعمًا للمشروعات التنموية، سأقول: لا أتحدث هنا عما يعتقد مليارديرات مصر ورجال الأعمال أنهم يتفضلون به على الشعب والدولة، ولكنى أتحدث عن حق واضح جدًا فى الثروات التى كونها أصحابها، ليس بكفاءتهم فقط، ولكن بتسهيلات ما كانوا ليحصلوا عليها لو كان القانون قائمًا وفاعلًا.
مرة ثانية، ولن يصيبنى الملل من تكرار ذلك، ما أقترحه هنا لن تستفيد منه الدولة فقط، ولن يستفيد منه الشعب وحده، ولكن سيكون طريقًا آمنًا للجميع، فخير لك أن تمد يدك، قبل أن تمتد يد الآخرين إليك.