رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجانب الأسود.. فى قلق البيت الأبيض!


 

بيان صدر عن البيت الأبيض قال إن نائب الرئيس مايك بنس أجرى مكالمة تليفونية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، أبدى خلالها قلقه وعبر عن مخاوفه إزاء إلقاء القبض على مَن وصفهم بالناشطين السلميين. وبينما قال البعض إن «بنس» يقصد عددا من الأشخاص تربطهم علاقات ما، بمؤسسات، جهات أو أجهزة أمريكية، فإن التوقيت جعل أنظار آخرين تتجه إلى «زبون» بعينه.

لولا المعايير المزدوجة التي تحكم سلوكيات الإدارة الأمريكية، كان يمكن للأستاذ «بنس» اعتبار هذا «الزبون» واحدًا من آلاف المهاجرين الذين تحتجزهم إدارة الأمن القومي ودوريات الحدود الأمريكية في ظروف غير إنسانية، يتم فيها دفع أدمغتهم في الحوائط والمراحيض ولجعلهم يجثون على ركبهم وهم عرايا ليرددوا مجبرين أغنية «أمريكا رقم واحد». أو واحدًا من الآلاف الذين تعاملهم هيئات الأمن بوحشية وتقتل منهم شخصًا كل ١٠ أيام في المتوسط، دون أن يكون مسلحًا، بل يكون أحيانًا مقيدًا، ولا يتعرض ضباط الشرطة المتهمون بمثل هذه الجرائم للعقاب بل تتم ترقية بعضهم. أو واحدًا من ٦٠ ألف متهم، يتم تلفيق اتهامات جديدة لهم، سنويًا، لمجرد أنهم قدموا شكاوى ضد تفتيشهم، بخلع ملابسهم، بعد إلقاء القبض عليهم في جنح صغيرة.

ليس هذا الكلام من عندي، بل ستجده إلى جانب آلاف الأمثلة في كتاب لوليام بلوم، William Blum، عنوانه «الدولة المارقة: دليلك إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم، Rogue State: A Guide to the World's Only Superpower، وطوال أكثر من ٤٠٠ صفحة، نجح الرجل في إثبات أن ممارسات الدول البائسة التي تسميها الولايات المتحدة دولًا مارقة، لا يمكن مقارنتها بتلك التي تقوم بها الدولة المارقة الكبرى التي وقع العالم بين مخالبها. وأن الجريمة في الولايات المتحدة ليست حكرًا على المجرمين والخارجين على القانون أو العصابات أو المنظمات الإرهابية. بل يتسع المجال لتشارك فيه أجهزة الأمن والمخابرات، بوسائل أكثر دهاءً وتعقيدًا من تلك التي يستخدمها المجرمون التقليديون، كأن يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بتزوير الصور الفوتوغرافية أو النسخ التي تضاهي الأصل، ويصطنع أدلة مضللة أو محرفة كما يقوم المكتب بتدمير وإتلاف تقارير داخلية حاسمة في قضية معينة أو يسمح بشهادة «خبير» غير دقيقة أو غير كاملة خلال إجراءات المحاكمة أو تحريفها بطريقة تثبت الجريمة على المتهم.

المواطن الأمريكي ليس أكثر من ريشة في مهب ريح السلطات داخل البلاد. أما خارجها، فيكون تحت عين السفارات الأمريكية، بجهد مشترك من مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب الجوازات في وزارة الخارجية. وقد يجد نفسه سجينًا لمدد طويلة لو قام بتقديم معلومات عادية إلى أي بلد ليس اسمه الولايات المتحدة. وقد يعيش خلف القضبان مدى الحياة، لمجرد الإفصاح عن معلومات متوافرة أو معلنة في بعض الحالات أو التي تم نزع السرية عنها، لا يشكل أي شرر للولايات المتحدة ولا لأي شخص آخر على سطح الأرض. غير أن نقلها إلى بلد غريب يثير حساسيات الذين يلعبون من الناحية المهنية لعبة الأسرار، لعبة الوطنيين ولعبة الأعداء. هؤلاء اللاعبون المحترفون مغرمون بإعلان أن «الخيانة» قد سببت ضررًا لا يمكن إصلاحه أو أدت إلى دمار لا يمكن تقدير حجمه للأمن القومي الأمريكي. وتكتمل المسرحية في بعض الحالات بإرسال المعلومات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، تمهيدًا لتوقيع العقاب المناسب على «المتهم».

الحالة البوليسية تصل أحيانًا إلى درجة الحمّى والسعار لمجرد وصول وشاية عابرة إلى أسماع المسئولين لكنها تضرب على أوتار حساسة مشدودة داخلهم وعندئذ يتم استنفار مختلف فرق الأمن المتعددة وكل أنواع رعاة البقر الرسميين، الذين يرتدون أطقمًا سوداء وأقنعة مخيفة وغيرها من أزياء المهنة، ويشكلون جمهورًا حاشدًا مسلحًا وغوغائيًا من العملاء الذين يتصايحون ويتوعدون، في حين تحوم طائرات الهليوكوبتر أعلاهم، بأنهم سيحطمون الأبواب ويغيرون على الناس في بيوتهم ويحطمون الأثاث، ويضربون ساكنيها ويكبلون أيديهم. وفي إطار «الأمن الوطني» تتم ممارسة أبشع أنواع التنصت والتجسس على المواطنين وكأن الولايات المتحدة في حالة طوارئ دائمة. فمثلًا، تقوم الشركات الخاصة بمراقبة مكالمات الموظفين وبريدهم الصوتي، وتقرأ ملفات الكومبيوتر والبريد الإلكتروني الخاصة بهم، وتحصل على وقائع وأحداث مواقع الكمبيوتر التي اطلعوا عليها، وتراقبهم في الحمامات وحجرات الملابس بمرايا يمكن الرؤية من خلفها أو عبر كاميرات مخفية، وتزرع ميكروفونات للتنصت على مكاتبهم، كل هذا بغض النظر عما إذا كانوا تصرفوا في وظائفهم بصورة سيئة أم لا.

المواطنون الأمريكيون ريشة في مهب ريح السلطات. أما الأجانب فهم فلتر (عُقب) سيجارة، تحت أحذيتها، المقيمون في الولايات المتحدة بصورة قانونية، ملقى بهم في السجون دون إخطار سفارات بلادهم. ويتم رميهم في السجون في ظروف لا يمكن تحملها دون توجيه اتهامات لهم، وقد يموت بعضهم بسبب مشكلات صحية. ويستند مكتب التحقيقات الفيدرالي أو الأمن القومي إلى أدلة سرية، ليس للمتهم أو للمحامي حق الاطلاع عليها، لاحتجاز هؤلاء أو ترحيلهم إلى بلادهم حتى لو كانوا متزوجين من أمريكيين. والمتهمون الفقراء، أجانب أو مواطنين، ينتظرون في السجن شهورًا طويلة قبل أن تعين لهم الحكومة محاميًا، ثم ينتظرون شهورًا أخرى حتى تتاح لهم فرصة الحديث إلى المحامي. وفوق ذلك فإن المدعي عليهم والسجناء الذين يحضرون جلسات في المحاكم ولا يحترمون القواعد، يتعرضون لصدمة كهربائية قوتها ٥٠ ألف فولت بآلة تعذيب اسمها «حزام الأمن الإلكتروني». ويقتحم ضباط يرتدون سترات رسمية سوداء، وأحذية سوداء عالية، سجنًا ما، بدون سابق إنذار، ويسحبون السجناء من أسرّتهم (جمع سرير) حتى لو كانوا بدون ملابس ويضعون الكلابشات في أيديهم ويضربونهم ويقفزون على ظهورهم ويتم خبط رءوسهم في الحيطان حتى تلطخ الدماء الحيطان والأرض، وكل ذلك لإثبات أن إدارة السجن لا تدلل السجناء!.

البنوك، شركات التليفون، منافذ استئجار السيارات، شركات الطيران وجميع المؤسسات الخاصة، تقوم بتزويد السلطات المحلية بالولايات والسلطات الفيدرالية بكل المعلومات عن عملائها بموجب صلاحيات يمنحها القانون لتلك السلطات. والنزلاء الذين يدفعون مقابل حجراتهم نقدًا (بدون بطاقات الائتمان) تقوم الفنادق بالإبلاغ عنهم، كما تقوم بمن يتلقون مكالمات مشتبها فيها. ويسمح مديرو الفنادق لرجال الشرطة دون إذن قضائي بفحص إيصالات بطاقات الائتمان واستمارات التسجيل الخاصة بالنزلاء. وفي إحدى الولايات تمت مصادرة عدة سيارات من معارض لتقاعسها عن الإبلاغ عن المعاملات النقدية التي تزيد على ١٠ آلاف دولار. بما يعني أن حياة المواطن الأمريكي، مخترقة تمامًا، بل عارية أمام أجهزة الدولة الأخطبوطية. وعليه، يمكنك أن تتخيل صعوبة بل استحالة أن تقوم السلطات هناك بتمرير (أي تفويت) قيام نشطاء سلميين، أو مواطن «عاطل» بشراء (أو استئجار) فيلا في التجمع الخامس أو امتلاك آخر لمستشفى في عباس العقاد، وقد لا تقوم الدنيا ولا تقعد لو اكتشفت السلطات أن فتاة كان حلم حياتها هو اقتسام ثمن ولاعة سرقها خطيبها، صارت عضوًا في نادي اليخت (ياختي عليها) وترسل كلبها للعلاج في مستشفى!.

بهذا الشكل، لا يمكنك التعامل بنية حسنة، مع قلق ومخاوف نائب الرئيس الأمريكي، إزاء إلقاء القبض على مَن وصفهم بالناشطين السلميين، وستجامله وتجاملهم، على حساب المنطق، لو أرجعت الأمر إلى المعايير المزدوجة التي تحكم سلوكيات الإدارة الأمريكية. أما المهووسون بالولايات المتحدة، أو زبائنها، فقد يكونون طيبين زيادة عن اللازم، خدعتهم أجهزة الإعلام والدعاية والعلاقات العامة، ويجهلون حقائق مريرة راسخة، ويحتاجون إلى من يعيد تشكيل وعيهم، أو يرده إليهم، حتى يستيقظوا ويتوقفوا عن السير نيامًا إلى الهاوية.