رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا تنحاز أمريكا اللاتينية إلى إسرائيل ضد الفلسطينيين؟

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

بعد نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى «القدس»، بـ٤٨ ساعة فقط، نقلت دولة جواتيمالا سفارتها إلى المدينة المحتلة، فى خطوة مؤيدة لقرار الولايات المتحدة، وملبية لرغبة دولة الاحتلال، ومستفزة لكل الدول العربية، وكثير من دول العالم. وبعدها بأيام، سارت باراجواى على نهج جواتيمالا، ونقلت سفارتها إلى «القدس»، بالتزامن مع تقارير إخبارية إسبانية عن اعتزام دولة «هندوراس» اتخاذ نفس الخطوة.

وتطرح تلك المواقف العديد من التساؤلات حول سبب إقدام ٣ دول من أمريكا اللاتينية على تلك الخطوة، وما الذى يجمع إسرائيل بتلك المنطقة لتسارع دولها بنقل سفاراتها إلى القدس؟. وتثير أيضًا العديد من علامات الاستفهام حول «الإغراءات» التى قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لتلك الدول، خلال الفترة الأخيرة، تمكن خلالها من كسب ودها، خاصة بعد أن صوتت ١٠ دول «لاتينية» ضد القرار الأمريكى فى الأمم المتحدة، فيما انحازت له دولتان فقط.

انحسار نفوذ اليسار داعم الفلسطينيين لصالح حكومات يمينية
مرت علاقة دول أمريكا اللاتينية مع الفلسطينيين وقضيتهم بمنعطفات تاريخية واضحة خلال ٥ عقود، بدأت بالتقارب والدعم فى ظل حكومات اليسار، وانتهت إلى نقل سفاراتها إلى «القدس»، فى ظل حكومات يمينية صعدت منذ عامين، بهدف إرضاء الولايات المتحدة التى تعتبر أمريكا اللاتينية بمثابة «فنائها الخلفى».
أهم الدول اللاتينية التى دعمت القضية الفلسطينية كانت كوبا، التى بدأت دعمها هذا بقطع علاقتها مع إسرائيل عام ١٩٧٢، كرفض لاحتلالها الضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان، بجانب الأرجنتين فى الستينيات، والسلفادور.
وعندما وصل الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز إلى الحكم، خاطب العالم من على منصة الأمم المتحدة مدافعًا عن حق الشعب الفلسطينى فى الحرية والاستقلال، حتى إنه قال فى مقولة مهمة وتاريخية: «أشعر أن دمى عربى».
وبعد حرب ١٩٧٣، زادت دول أمريكا اللاتينية التى تتخذ منعطفًا إيجابيًا نحو الفلسطينيين، فيما ظلت بعض الدول الأخرى- الأكثر ارتباطًا بالولايات المتحدة مثل المكسيك وكولومبيا- على ردود فعلها الصامتة، ما يعكس أن الدول المستقلة حديثًا عن السياسة الخارجية الأمريكية كانت مواقفها معارضة لإسرائيل.
وأسهمت المنظمات الإقليمية الجديدة، مثل «اتحاد دول أمريكا الجنوبية»، و«مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى»، التى لا تشمل الولايات المتحدة، فى جعل أمريكا اللاتينية صوتًا قياديًا.
وخلال السنوات الأخيرة وأثناء حروب غزة، اتخذت معظم دول أمريكا اللاتينية مواقف معارضة لإسرائيل، ففى ٢٠٠٩ تحديدًا بدت أمريكا اللاتينية أكثر مناطق العالم التى تأتى منها أصوات الإدانة للعدوان الإسرائيلى على غزة.
وأرجع المراقبون السبب فى ذلك إلى وصول اليسار إلى سدة الحكم فى عدد من الدول اللاتينية، بما يستهدفه من ضرورة التخلص من نفوذ الولايات المتحدة والتعلق بواشنطن.
وتوالت الإدانات اللاتينية لإسرائيل أثناء حروب غزة، وبلغت مداها فى حرب غزة الأخيرة عام ٢٠١٤، فصدرت تصريحات وبيانات إدانة شديدة اللهجة من حكومات الأرجنتين والمكسيك ونيكاراجوا وأوروجواى، فيما استدعت كل من البرازيل وتشيلى والإكوادور وبيرو سفراءها فى تل أبيب.
وخرجت إلى شوارع وميادين بلدان أمريكا اللاتينية مظاهرات ومسيرات، تضامنًا مع غزة والقضية الفلسطينية فى الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والسلفادور والمكسيك ونيكاراجوا وبنما وفنزويلا، وهو الخطر الذى أدركه نتنياهو وجعله يضع أمريكا اللاتينية على قائمة أهدافه الدبلوماسية.
وما ساعد «نتنياهو» على ذلك، تمكن «اليمين» قبل سنتين من تحقيق انتصارات انتخابية عديدة فى أرجاء أمريكا اللاتينية، وهو ما انعكس فى اتجاهات تلك الدول نحو إسرائيل.
وفى حين كانت الحكومات اليسارية أكثر تعاطفًا نحو الفلسطينيين، فإن الحكومات اليمينية بدأت عصرًا جديدًا مع إسرائيل، تزامنًا مع تعزيزها علاقاتها مع واشنطن، والضغط على الحركات الشعبية اللاتينية التى تؤيد الفلسطينيين وتدعم المقاطعة وسحب الاستثمارات من الدولة العبرية. ووفقًا لما نشره موقع القناة السابعة الإسرائيلية، فإن المحللين الإسرائيليين يرون أن دول أمريكا اللاتينية مدفوعة بالرغبة فى كسب إدارة دونالد ترامب، خاصة مع مواجهة زعمائها أزمات سياسية داخلية.
وأوضح الموقع: «بالإضافة إلى العلاقات التاريخية القوية مع إسرائيل فيما يخص دولتى جواتيمالا وهندوراس، فإن الدولتين تواجهان أزمات سياسية فى الآونة الأخيرة، إذ يغرق الرئيس الجواتيمالى، جيمى موراليس، فى فضيحة فساد، فيما تعرض رئيس هندوراس، خوان أورلاندو هرنانديز، لانتقادات بشأن تزوير الانتخابات الرئاسية».
ونقل عن آرى كاكوفيتش، الأستاذ فى الجامعة العبرية بالقدس، المتخصص فى شئون أمريكا اللاتينية، قوله: «قادة القارة اللاتينية يتطلعون إلى كسب الولايات المتحدة للحصول على الدعم، وعلى الرغم من أن بعض تلك الدول تتطلع إلى تقوية العلاقات مع إسرائيل، إلا أن هذا ليس محور اهتمامها الأساسى، فعلاقتها مع الولايات المتحدة هى كل هدفهم ومرادهم».

اتفاقيات تجارية.. ومئات الشركات العبرية فى المكسيك وكولومبيا والبرازيل
اعتادت إسرائيل على مر تاريخها القصير، استمالة الدول بسلاح الاقتصاد، وهو ما استغلته لخلق علاقات مع معظم دول أمريكا اللاتينية، خاصة التى لا تربطها بها علاقات دبلوماسية واضحة، سعيًا لتحقيق إنجازات سياسية.
وبدأ اهتمام إسرائيل بالاقتصاد مع الدول اللاتينية مع الألفية الجديدة، وتزايد خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر فى توقيعها اتفاق «تجارة حرة» مع المكسيك عام ٢٠٠٠ ما أسهم فى انتعاش حركة التجارة بتلك الدولة اللاتينية.
فى الوقت نفسه، ازداد نشاط البنوك الإسرائيلية وشركات البناء وشركات التخطيط والتنمية الزراعية فى بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية، وبمنطقة البحر الكاريبى منذ ٢٠٠٥.
أما تحركات «نتنياهو» تحديدًا فى مجال الاقتصاد مع أمريكا اللاتينية، فبدأت عام ٢٠١٣، حينما أعلن صراحة أن «الحلف الباسيفيكى لأمريكا اللاتينية هو الهدف الاقتصادى المقبل الذى سيمكّن الاقتصاد الإسرائيلى من الاستمرار فى النمو».
وانضمت المكسيك وتشيلى وكولومبيا وبيرو إلى منظمة تجارية جديدة تُدعى «الحلف الباسيفيكى» عام ٢٠١٢، ولهذه الدول الأربع ٣٦٪ من الناتج القومى الإجمالى لدول أمريكا اللاتينية.
وحسب ما نشرته الصحف العبرية، فإن رئيس قسم أمريكا اللاتينية فى وزارة الخارجية الإسرائيلية، مودى آفرايم، صرح بأن هناك نحو ١٥٠ شركة إسرائيلية تعمل فى المكسيك، وأكثر من ١٠٠ شركة فى كولومبيا، ومثلها فى الأرجنتين، كما يوجد فى البرازيل نحو ٢٠٠ شركة إسرائيلية تنتج معدات تكنولوجية متقدمة، و٤٢ شركة إسرائيلية تنتج أنظمة ومعدات أمنية، و١٧ شركة تنتج معدات وأجهزة طبية.

تل أبيب سلحت الجيش الجواتيمالى وطورت أنظمة الأمن فى كولومبيا
كشفت تقارير صادرة مؤخرًا عن شعبة الصادرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، عن تلقى دول أمريكا اللاتينية كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية.
ووفقًا لتلك التقارير، وصلت تلك الصفقات إلى ٦٠٤ ملايين دولار عام ٢٠١٢، و٦٤٥ مليون دولار عام ٢٠١٣، و٧١٦ مليون دولار عام ٢٠١٥ و٥٧٧ مليون دولار عام ٢٠١٥، و٥٥٠ مليون دولار عام ٢٠١٦. وساعدت هذه الصفقات على تقوية علاقات تلك الدول بإسرائيل، وانعكس فيما بعد على دعمها للدولة العبرية فى المحافل الدولية، منها القرارات الأخيرة لبعض دول أمريكا اللاتينية بنقل سفاراتها للقدس. وخلال الحرب الأهلية فى جواتيمالا، التى امتدت بين عامى ١٩٦٠ و١٩٩٦، كانت إسرائيل واحدة من الموردين الرئيسيين للأسلحة والمدربين للقوات الحكومية ضد رجال حرب العصابات.
وحافظت إسرائيل على دعمها جواتيمالا، حتى بعد أن تراجعت واشنطن التى اتهمت وقتها الجيش الجواتيمالى بانتهاج أعمال عنف مروعة، فبادرت إسرائيل حينها بتسليح الجيش الجواتيمالى وإمداده بتكنولوجيا الاتصالات المتطورة.
كما دربت القوات العسكرية للتعامل مع المتمردين، فكانت وراء سياسة «الحواجز المكثفة» - التى تتبعها تل أبيب فى الضفة الغربية حاليًا- فسلبت تلك الحواجز سكان جواتيمالا الأصليين حريتهم.
وفى الأرجنتين، أنشأت إسرائيل علاقة وثيقة مع النظام العسكرى الذى كان يحكم، وأمدته بدعم تقنى ولوجستى أثناء حرب «جزر الفوكلاند» عام ١٩٨٢، وترتبط مع تشيلى بعلاقات استراتيجية تتضمن صفقات سلاح وتعاونًا أمنيًا وتبادل معلومات استخباراتية.
كما طورت إسرائيل أنظمة الأمن فى كولومبيا، وعملت على توسيع نفوذ المجموعات شبه العسكرية المنتمية لليمين المتطرف، وهى المجموعات التى قادتها فيما بعد قوات «الكونترا» النيكاراجوية المدعومة إسرائيليًا، فشكل السلاح الإسرائيلى ٣٨٪ من إجمالى الصفقات التى أبرمتها كولومبيا.

المسيحيون الإنجيليون يقودون لواء التطبيع
ينتشر المسيحيون الإنجيليون فى أمريكا الجنوبية والوسطى، وهم يشعرون بأنهم مرتبطون بالقضية اليهودية، فالمسيحية الإنجيلية تعترف باليهود وتعتبر نفسها المُكملة لهم، وهو ما جعل إسرائيل تضع ذلك نصب أعينها، فثلث الرحالة الإسرائيليين تقريبًا يذهبون إلى أمريكا الجنوبية بعد خدمتهم العسكرية الإلزامية.
هذه العلاقة بُنيت على مدى عقود بسبب زيارات «الأقارب اليهود» فى تلك البلدان كجزء من «طقس المرور» للرحالة الإسرائيليين، وفقًا لما قاله «حاييم نوى»، أستاذ الدراسات السياحية بكلية «أشكلون» الأكاديمية فى إسرائيل.
وحسبما نشرته الصحف العبرية، فإن قناعة المسيحيين الإنجيليين بأن إعادة بناء معبد يهودى فى جبل الهيكل بالقدس سيؤدى فى نهاية المطاف إلى عودة يسوع المسيح، وهو ما أكده مارسيو بالاسيوس، مدير مدرسة العلوم السياسية فى جامعة «سان كارلوس» فى جواتيمالا.
فى ذات السياق، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن الروابط بين اليهود واللاتينيين قديمة، فبعد محرقة «الهولوكوست» فتحت بعض دول أمريكا اللاتينية أبوابها للترحيب باليهود الهاربين من النازيين.
واتخذ نائب الرئيس الأمريكى «مايك بنس»، بسبب قناعاته الإنجيلية، العديد من القرارات لصالح إسرائيل، أهمها نقل السفارة إلى القدس، الذى تم بضغط المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين، وفقًا لما تردده الصحف العبرية.
اللافت أن اليهود نشاطهم واضح فى القارة، فأقاموا عددًا من المنظمات لتنظيم عملهم منها «الرابطة اليهودية» فى البرازيل، و«الجمعية التعاضدية اليهودية» الأرجنتينية، و«المنظمة العليا للجاليات اليهودية» فى الأرجنتين، و«منظمة المجتمع اليهودى» فى تشيلى، وفقًا لما نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست».