رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «10»

محمد الباز يكتب: المريدون يتحدثون عن كشك وعدوية.. «يا زايد فى الحلاوة عن أهل حينا»

محمد الباز
محمد الباز

على خريطة كشك وعدوية عشرات من النجوم الذين لم يحصلوا على حقهم.. لأن أقدارهم ساقتهم لأن يكونوا فى زمن نجمين كبيرين.
غطى الواعظ على من عملوا بجواره جميعا فحولهم من شركاء نجاح إلى مجرد معاونين فقط.
وجعل المغنى وجود من ساهموا فى جماهيريته باهتا رغم أنهم يحملون أسماء كبيرة.
هنا أحاول أن أكون راصدا لما جرى كما جرى دون مبالغة، وحتى لو اعتبرتم ما سأقوله لكم يخرج عن المعقول، فأنا على الأقل مقتنع به، واجعلوه أنتم على الأرض لتتأكدوا من حقيقته.
فرغم الجبروت الذى كانت عليه أم كلثوم، إلا أنها لم تستطع أن تحجب من كتبوا لها ولحنوا عن جمهورها، فتجد بسهولة كل من يستمع إلى الست تقريبا يعرف مؤلفى أغانيها ومن وضعوا لها الألحان.
تكرر الأمر نفسه مع عبدالحليم حافظ.. الذين عملوا معه كانوا نجوما لا يستطيع أحد تجاهلهم أو المرور عليهم مرورا عابرا.
عدوية نجح فيما فشل فيه عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، فمن الصعب أن تجد لدى جمهور عدوية منذ بدايته وحتى الآن، من يعرف من كتبوا له أغنياته ووضعوا لها الألحان، فقد كان حضوره طاغيا ووجوده غامرا.
كان عبدالحليم حافظ مثلا حريصا على تقديم فرقته الموسيقية وبالاسم، وكثيرا ما تحدث عن ملحنى أغنياته، وكانت أزمة عندما قال على المسرح، وقبل أن يغنى أغنيته الشهيرة موعود، إنها من ألحان أمل مصر فى الموسيقى بليغ حمدى، يومها غضب منه كثيرون، رأوا أنه جامل بليغ على حسابهم.
عدوية لم يكن يفعل ذلك، لم يقدم أعضاء فرقته الموسيقية أبدا، ولم يتحدث فى أى مرة من مرات غنائه عن مؤلف أو ملحن واحدة من أغنياته، ربما لأن الجو لم يكن ليسمح بذلك، وربما أكثر، لأن عدوية كان يرى أنه الأهم، فالناس سيسمعون له مهما كانت الكلمات والألحان.
هل أقول لكم ما هو أكثر؟
كان عدوية يتعامل مع أعضاء فرقته وملحنيه على أنهم أصحاب فى قعدة بلدى.
مرة يقول: يعوض عليك يا أبوعلى.. فى إشارة إلى ملحنه وصديقه المقرب حسن أبوالسعود.
ومرة يغازل أحد أعضاء فرقته بقوله: الله عليك يا أبوشفة يا حلو.
يذكرهم على هذا النحو دون أن يمنحهم ما يستحقون من ثناء أو إشارة إلى ما يفعلون.
ستنكر علىَّ ما أقوله، وتعدد لى أسماء بعينها كانت صاحبة الأيادى البيضاء فى انفجار ظاهرة عدوية، ستقول لى وأين الريس بيرة وحسن أبوعتمان ومحمد عصفور وحسن أبوالسعود؟.
سأقول لك ببساطة: أنت تعرف هؤلاء فى الغالب لأنك مهتم، معنى بالحالة كلها، لكننى أتحدث عن الجمهور العادى الذى لا يعرف من الظاهرة إلا رأسها فقط، أما من يحملون هذا الرأس على أكتافهم فلا أهمية لهم.
ستجد شيئا من هذا فى ظاهرة الشيخ كشك، فرغم كثرة من صنعوا أسطورته، إلا أنه يظل هو الأهم.. أو بالأدق يظل هو وحده.
فى واحدة من حلقات برنامج «المجلس»، الذى كان يقدمه الشيخ خالد الجندى على قناة «أزهرى» قبل سنوات، رأيت رفاق الشيخ كشك، استضاف منهم الشيخين محمد عبدالغفار ومحمود حمزة الجندى، وتحدث تليفونيا مع الأستاذ عبدالرحمن الزينى، الذى أكد له أنه رافق الشيخ كشك لما يزيد على أربعين عاما متواصلة دون انقطاع، ثم استمع من مرسى جمعة، الذى تولى نشر كل ما كتبه الشيخ كشك، ومن بين أهم ما أصدره كان سلسلة توثق خطب الشيخ كاملة دون حذف.
وقبل أن تسأل: وهل كانت خطب الشيخ تتعرض للحذف؟
سأقول لك: الشرائط التى تستمع إليها حاملة إليك خطب الشيخ كشك لم تكن كاملة، بل تعرضت للحذف، وأعتقد أنها لم تتعرض لذلك لأسباب سياسية فقط، ولكن لأن الشيخ كان يتجاوز فى أقدار الناس ويوجه إليهم اتهامات وإساءات، ما كان يجب أن تنشر على الملأ، ويمكنك بسهولة الآن عبر اليوتيوب أن تستمع لمقاطع من خطب كشك لم يسمعها أحد من قبل، ولا تتعجب إذا رأيت من يجمع مقاطع من خطب الشيخ فى فيديو واحد ويضع لها عنوانًا دالًا مثل نوادر الشيخ كشك أو طرائف الشيخ كشك، فقد كان فى خطبه كل شىء، ويمكن أن تجد منها ما تريد، بكاء، ضحك، فرفشة، خشوع، تطاول، جدل، اتهامات، تضليل.. وفى النهاية فى كل ذلك ستجد الخطر.
تحدث رفاق الشيخ كشك عنه بحب وإجلال، لكن ما لفت نظرى أن خالد الجندى وهو الشيخ الأزهرى تحدث بافتتان شديد، بدا منه أنه تأثر بالذى كان يحضر خطبه فى مسجد عين الحياة، ولايزال يذكر له خطبته الشهيرة عن مقتل الحسين، حيث انخرط الجندى فى نوبة بكاء شديدة، ووصل إلى درجة أنه تخيل نفسه فى أرض الميدان يشهد مقتل الحسين رأى العين.
بالغ الجندى فى قدر الشيخ كشك.
كان يتحدث بعد ثورة يناير بشهور قليلة، أذيعت هذه الحلقة فى العام ٢٠١٢، ولا أدرى لو أن خالد الجندى تحدث من جديد عن الشيخ كشك، فهل سيسلك نفس سلوكه الأول، أم سيعيد النظر فى كثير مما قاله، وهو سؤال لا أستطيع أن أجيب عنه أنا، بل سأترك الإجابة عليه للشيخ، أراد أن يفعل ذلك أو امتنع، فله كامل الحرية.
وحتى يكون مقصدى مفهوما، وبعيدا عن أى تأويل، فقد أذيعت هذه الحلقة فى ظلال جماعة الإخوان الإرهابية، كانت سيطرتها على المشهد السياسى واضحة، ويبدو أن هناك من كان يعتقد أن الجماعة ستبتلع مصر كلها، وستكون لها الكلمة العليا فيها، ولأن كشك أحد رموز الجماعة الإرهابية - وهو ما سنأتى إليه حتما - فقد كان مهما تلميعه وإزالة التراب من على سيرته، ولك أن تفهم ما لم أكتبه فهو كثير.. ولك أن تفهم ما تشاء من كلام خالد الجندى فهو كثير أيضا.
لخص خالد الجندى الشيخ كشك بالنسبة له بقوله: كانت خطبته هى خارطة طريق تسير مصر والأمة العربية وراءها، كان بالنسبة لنا وكالة أنباء متحركة، كان هو الرأى الذى نرجع إليه جميعا، كان يعلمنا كيف ننظر إلى فلان، أو نقرأ لفلان، لم يكن يبالى بأى هجوم عليه، بل كان يهاجم من أكبر رأس فى البلد إلى أصغر مخبر فى أمن الدولة.
لا يوجد سبب واحد يجعلنى أكذب خالد الجندى فيما يقوله عن الشيخ كشك أو ما يراه فيه، لكن وبنفس الدرجة لا يوجد لدى سبب واحد أيضا يجعلنى أصدقه، قد يكون ما قاله من باب مقتضى الحال، فهو يتحدث مع رفاق الشيخ ولا بد أن يكون مجاملا، ولا يمكن أن نؤاخذه على ذلك.. فقط نؤاخذه على مبالغته فى تقدير كشك وإغفال خطاياه التى لم تلحق بالدعوة الإسلامية فقط، بل لحقت بأجيال عديدة جرهم جرا فأصبحوا وقودا للجماعات الإرهابية.
رفاق كشك رسموا له صورة مثالية جدا، وهى المثالية التى جاءت أحيانا من باب الفتنة به وبما فعله فى حياتهم.
الشيخ محمد عبدالغفار ارتبط به ارتباطا روحيا - كما يقول هو - منذ تعرف عليه فى ٥ مايو ١٩٦٤، كان واحدا من الأطفال الصغار الذين دخلوا مسابقات القرآن التى نظمها كشك فى مسجده بدير الملاك، وحصل على جائزة تسلمها بيده من الشيخ.
لدى عبدالغفار ما يعتقد أنه أسرار كثيرة عن الشيخ.
يمكن أن نقبل منها مثلا ما قاله من أنه ما من خطيب فى مصر والعالم الإسلامى إلا وعلى جلده بصمة من بصمات الشيخ كشك، لأن هذا رأيه وتقديره.
ويمكن أن نقبل منه قوله إن الشيخ كشك ظل يخطب على المنابر ويتحدث عبر الدروس لما يزيد على أربعين عاما دون أن يخطئ يوما أو يلحن فى اللغة العربية، لأن هذا رأيه وتقديره أيضا.
ويمكن أن نقبل منه قوله إن الشيخ كان يعمل ما يزيد على ٨٠ ساعة فى الأسبوع ليخطب ساعة واحدة، دلالة على جد الشيخ واجتهاده وإتقانه، لأنه كان قريبا منه ويشهد على ما كان.
لكن ما لا نستطيع أن نستسلم له بسهولة هو رواية محمد عبدالغفار عن سبب اعتقال الشيخ.
سأله خالد الجندى فى حلقة برنامجه «المجلس»: عاوز أعرف لماذا اعتقلوه؟
تحدث محمد عبدالغفار، فأفاض، قال: الشيخ رحمه الله اعتقل لأنه رفض أن يطيع الحاكم، أرسل المشير عبدالحكيم عامر أحد رجاله، وقال له: يا شيخ كشك تخطب الجمعة غدا بأن دم سيد قطب حلال، لو عايز تبقى شيخ أزهر هتكون، لو عايز أموال هتلاقى، لك ما تريد، أنت راجل مؤثر وخطبك رنانة، ولك صولاتك وجولاتك، قل من على المنبر إن دم سيد قطب حلال، رفض الشيخ وصدر الخطبة فى اليوم التالى بقول الحق: قل متاع الدنيا قليل.
قطع الجندى استرسال محمد عبدالغفار بقوله، يا سلام، لكن رفيق الشيخ أكمل نسج الأسطورة، التى بدا أنه يجتهد لتسويقها للناس بأكبر قدر من المبالغة وإضافة التفاصيل التى لم تحدث على الأرض من الأساس.
يقول: الشيخ قال كما قال نبى الله يوسف عليه السلام: قال رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه، ودخل السجن حولين كاملين طاعة لله، وأبى أن يعلن أو يفتى بأن دم سيد قطب حلال، وقال: كيف أقول هذا وهو الرجل الذى فسر القرآن الكريم من ألفه إلى يائه وهو معتقل.
لم يمتلك خالد الجندى نفسه، قطع حديث محمد عبدالغفار، وقال: لما بنسمع سيرة هؤلاء الرجال الواحد بيبكى حسرة وألما وندما، فلم يكن الشيخ كشك عاشقا لكرسى أو منصب.
قصة كشك واعتقاله وسجنه طويلة بالطبع، ولها موضعها.
سأتوقف عندها فقط بما يؤكد أن ما قاله عبدالغفار كان فيه مبالغة كاملة.
لن أعتمد على روايات رسمية، ولكن على رواية كشك نفسه فى مذكراته الرسمية.
فى صفحة ٨٣ يقول: فى سنة ١٩٦٦ جاءنى شخصان فى سن الشباب وأخبرانى أنهما مندوبان من جهة إحدى السلطات، وسألانى: أتدرى فيما جئناك؟ قلت: الله أعلم، قالا: إن المشير عبدالحكيم عامر يعلم أن لك شعبية ومحبة فى قلوب الناس وإنه يطلب منك أن تحل دم سيد قطب ومن معه، ونريد أن نسمع هذه الفتوى فى الخطبة القادمة.
سأل الرجلان– كما يكمل كشك فى مذكراته – بأى شىء نرد على سيادة المشير؟ فقلت على الفور: ربنا يهيئ ما فيه الخير، وقبل أن ينصرفا ذكرا عبارة ممزوجة بالوعد والوعيد فيها العسل والحنظل، قالا: إن أطعت الأوامر فتحت أمامك أبواب الترقيات والبعثات وإلا فأنت تعلم أن السجون تتلقى كل يوم المئات ثم انصرفا.
ليس هنا محل التحقيق فى هذه الواقعة التى لم تأت على لسان أحد إلا الشيخ كشك، ونقلها عنه رفاقه ومريدوه، بمبالغة شديدة، فلو سلمنا أن الواقعة حدثت، فإن رسولى عبدالحكيم عامر لم يعرضا على الشيخ أن يكون شيخا للأزهر مقابل حل دم سيد قطب، لكن الشيخ محمد عبدالغفار حاول أن يجود كما يقولون، فجعل الإغراء كبيرا، حتى يصبح رفض الشيخ له عظيما، رغم أن ما جرى – لو سلمنا به من لسان الشيخ – كان وعدا ووعيدا عاديا، ثم إنه لم يأت على سيرة عرض مشيخة الأزهر عليه، فهو ما لم يحدث أبدا.
رفاق الشيخ يرون فيما فعله بطولة مطلقة، أما أنا فأرى فيما فعله خيانة مطلقة، وهذا على أى حال حديث سيأتى وقته.
على خريطة حياة الشيخ كشك يحتل الشيخ عبدالرحمن الزينى مساحة كبيرة جدا، كانت العلاقة بينهما عميقة، للدرجة التى أطلق كشك اسمه على أصغر أبنائه الذكور، وأطلق الشيخ عبدالرحمن اسم عبدالحميد على أكبر أبنائه الذكور.
لم يكن عبدالرحمن الزينى مرافقا عاديا للشيخ كشك، ولم يكن يقرأ له فقط، بل كان هو من يصطحبه من بيته إلى مسجد عين الحياة كل يوم جمعة، يصلان إلى المسجد معًا الساعة العاشرة صباحا بالضبط، كان يسمح له الشيخ كشك أحيانا بإلقاء بعض الأحاديث والعظات السريعة، وبعد أن ينتهى من مهمته المكلف بها يصعد الزينى بصديقه إلى المنبر، ثم يجلس على أول درجة من درجات المنبر حتى ينتهى الشيخ من وعظته، فينزله مرة أخرى ليؤم الناس فى الصلاة.
استمرت هذه العادة تحديدا من إبريل ١٩٦٨ عندما خرج من السجن أيام عبدالناصر، وحتى أغسطس ١٩٨١، قبل قليل من دخوله السجن أيام السادات.
تعرف عبدالرحمن الزينى على كشك فى العام ١٩٥٦، عندها كان موظفا بسيطا فى الضرائب العقارية، وظل مرافقا له حتى العام ١٩٩٦، وكان قد خرج على المعاش وهو فى منصب وكيل أول وزارة ورئيس مصلحة الضرائب العقارية، لم ينقطع عنه إلا فى فترتى سجنه فقط.
الرفيق الثالث من رفاق الشيخ كشك هو الشيخ محمود حمزة الجندى.
يمكن أن نتعامل مع هذا الرجل على أنه المفتون الأبدى بكشك، هو فعليا وحتى الآن يحفظ عن ظهر قلب كل ما قاله شيخه على المنبر، وكل ما تفوه به فى دروسه التى كان يلقيها بين الصلوات، وتخيل أيضا أنه لايزال يتذكر تعليقاته الساخرة فى جلساته مع أصدقائه، ويمكن أن تسمع منه نكات كثيرة مسجلة باسم كشك وحده.
الشيخ الجندى ليس حافظا فقط لما قاله الشيخ كشك، بل يحاول أن يقلده فى طريقة أدائه، ولن أكون مبالغا إذا قلت لك إنه من زاوية ما يشبه كشك شكلا، وهو ما يسعده.
حالة الوجد التى لايزال الشيخ الجندى يعيشها مع الشيخ كشك، جعلته واحدا من مروجى الخرافات حوله.
يحكى الشيخ الجندى أن الشيخ كشك عندما كان فى الزنزانة رأى سيدنا أبا بكر رضى الله عنه يقول له «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا».. وبعدها رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه، وفجأة اقترب منه، ولف له عمامته، ولما خرج الشيخ من السجن قال لرفاقه: هذه العمامة لم تخضع لأحد، لأنها عمامة لفها محمد صلى الله عليه وسلم بيديه.
يتبقى معنا مرسى جمعة، وهو أحد المهمين فى حياة الشيخ كشك، ناشر كل كتبه، ومن بينها خطبه التى صدرت فى سلسلة عنوانها «هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم».. وهى اللزمة التى كان كشك يرددها فى كل خطبه.
بدأت علاقة مرسى جمعة بالشيخ كشك فى أوائل السبعينيات، وهى الفترة التى تحول فيها إلى نجم جماهيرى يسعى خلفه الناس.
تحمس كشك مبكرا لنشر خطبه ومواعظه واجتهاداته فى كتب، وكان يقول لمرسى جمعة إن الشرائط طال بها الزمن أو قصر، حتما ستندثر، لكن الكتاب يمكن أن يستمر إلى يوم القيامة، ولذلك فالكتاب أبقى، ومن حق الشيخ علينا أن نثبت أنه لم يتربح من كتبه، ولم يأخذ منها مصدرا من مصادر الثروة، رغم أنه كان يمكنه أن يفعل ذلك.
لم يتحدث مرسى جمعة كما لم يتحدث غيره من الناشرين – المكتب المصرى الحديث كان من بين ناشرى كشك – عن حقوق الشيخ أو حقوق ورثته، وأعتقد أن أحدا ممن تولوا نشر ما أنجزه كشك لا يمكن لهم أن يتحدثوا عن مكاسبهم التى جنوها من ورائه، لأننا سنكتشف وقتها أن هذه المكاسب كانت كثيرة جدا.
هناك فارق ظاهر فى صالح كشك، وهو فارق الأقدار وحدها، التى تقف وراءه، فليس للشيخ فضل فيه على عدوية.
هذا الفارق هو الموت.. مات كشك فتحول إلى أسطورة، وكلما مرت الأيام زاد أصدقاؤه ومريدوه فى سيرته ما لم يكن فيها، ونسبوا إليه ما لم يفعله، وأحاطوه بما يصل إلى درجة الخرافات.. لكن الحياة التى امتدت بعدوية حتى الآن -أطال الله فى عمره- أفقدته ميزة كبيرة، بل أرغمته على أن يسحب من رصيده لدى جمهوره، وخرج علينا وعليه من يطالبه بالاعتزال، لأنه لم يعد صالحًا للغناء.