رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغلاء والانفجار السكاني


لا أحد منا يحب الفقر أو يهيم به أو فيه عشقًا وولهًا، وبالطبع لا يرتضيه لنفسه أو لغيره، فَلَو كان الفقر رجلًا لقتله على، لكن ماذا فعل هؤلاء الفقراء فى أنفسهم وفينا وفى بلادهم وشعبهم؟.
لقد أنجب هؤلاء فوق ما تحتمله أرضهم ومدخراتهم ومدخرات بلادهم.. لا تحدثنى عن الثروات الطبيعية وتعمير الصحارى وكسر حيّز المدينة وبناء المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب والطاقات المعطلة، فهذا ما تفعله الدولة وتبنى ليل نهار مدنًا ومساكن جديدة ومشاريع وخلافه لم تستطع -حتى الآن- وفى ظنى لن تستطيع استيعاب الزيادة الرهيبة فى أعداد المواليد.. لقد تربى المصريون ومنذ الأزل على ثقافة الاتكال على الغير والاتكال على الدولة وعلى الله والأمل فى الغد المشرق دون ابتكار ودون بذل المجهود الكافى أو حساب المعطيات والمقدمات الصحيحة لتظهر لهم النتائج الصحيحة التى تمنوها.. المصرى يعشق الثرثرة وجلسات المقاهى والتذمر من الحال والسخرية على المحال «التنكيت والتبكيت» أسلوبه المحبب فى الحياة، كما الولولة والتعديد التى يجيدها بل.. هو الأفضل من غيره فيها وبلا منازع.
المصرى لا يغادر مكانه إلا مضطرًا.. لا يغامر إلا وهو مغلوب على أمره.. يؤثر السلامة ويخشى المخاطر ويعتبر المغامرة مقامرة، قد يكون صحيحًا فكره فى العموم وفى حال غير هذا الحال لكن أن يتجمد فكره ولا يتغير مع تغير الظروف والمعطيات فهذا أمر عجيب وليس من الكياسة ولا من حسن الفطن يداوم المصرى على التذمر ويستمرئه كمنهاج حياة.. ولا يكف فى الوقت نفسه عن إنجاب الأنفس لتلك الحياة الصعبة.. ينجبهم علهم يكونون منقذيه فيدفع بهم وبنفسه للهلاك وقد يقتلهم بنفسه للتخلص من أعبائهم ملقيًا باللوم على غيره وعلى الظروف التى دفعته لارتكاب جريمتين.. إنجابهم ثم قتلهم بمنتهى اليأس والبؤس.
تلك الظروف البائسة التى وضع هو نفسه فيها بنفسه ولم يكن مجبورًا، بل كان متواكلًا آملًا - دون أى معطيات أو مقدمات منطقية - على أن يتغير الحال بعبارة أدق كان يطلب وينتظر معجزة ولقد انتهى وهم المعجزات منذ أمد بعيد وهو لا يدرى! لقد كان ومازال غافلًا ولم يكن بالمتوكل، كما يعتقد ويظن ويصدّر للآخرين حكمته فى التوكل على الله.. كما أقنعه بالطبع رجال الدين بحديثهم عن التناسل كى يتباهى بِهم العالم.. فصار العالم قاسيًا على الجميع يبتزهم كلما حانت له الفرصة فنقع جميعًا فى ديون وفوائد كنّا فى غنى عنها إن أعملنا العقل ونبذنا التواكل ونجينا ببلادنا وأنفسنا لرحاب العلمانية الرحبة التى يحكمها ويسودها القانون لا الثيروقراطية التى أخضعت وأضلت الجموع الغفيرة لسنين طوال بثرثرات ولغو غير رشيد.
فكما تعتبر يا عزيزى الغلاء جريمة فى حقك فلتعتبر الإنجاب أيضًا جريمة فى حقك وحق من تنجب وحق المجتمع والدولة، وإن أنجبت ما يزيد على طفل واحد تحمل بنفسك تبعات إنجاب الثانى والثالث وأنجب كما شئت لكن لا تحمّل غيرك مسئولية ما فعلته بنفسك وبمن أنجبت، لا تتحدث بلسان أبنائك ولا تتذرع بهم ولا تبتز غيرك بهم فما يؤخذ بسيف الحياء فهو حرام.. أم نسى من منحوك العظة والفتاوى أن يذكروك بذلك! لا تتساءل من أين تطعمهم بعد أن أنجبتهم ولا تطالبنا بإطعامهم.
ستتساءل ومن أنتم وهل أنتم من تطعموننا.. كى تلومونا؟ نعم نحن من نطعمكم فمن لا ينجب مثلما أنجبت أنت يتحمل هو عبء إنجابك أنت! من ينجب أكثر يستغل مساحة أكبر من الأرض وخيراتها ويأخذ مكانًا أكبر من مدارسها ومستشفياتها وكل خدماتها ومرافقها ومتنزهاتها فلماذا تظن وترى أنك الأحق وأن لك كل ذلك وأنه من العدل أن تأخذ مكانًا؟ كان الأكيس منك والأجدر بك والأحق تركه لغيرك. لقد جرت على غيرك فجار عليك الدهر فلا تتذمر ولا تشتك، الغلاء نار تحرق والإنكار نار لن تبرر لك ما اخترته لنفسك وغيرك ولن يشفق أو يرفق لحالك أحد، لا تحمّل الغير ما لا يتحملون الآن.. أنت ومن أنجبتهم أصبحتم عبئًا عليهم بل تطالبهم بالمزيد.. تطالبهم بحل مشاكلكم وأنتم المشكلة.. هم الآن من يتذمرون منكم.. لقد أصبحوا هم أيضًا ناقمين عليكم مثلكم تمامًا والكل يلوم الكل ويراه مذنبًا، الفقراء يشعرون بالنقمة على من هم أفضل حالًا منهم بل قد يبررون لأنفسهم أحيانًا سرقتهم أو حتى قتلهم غلًا وكرهًا وحقدًا ويأسًا من أحوالهم البائسة ولا ينظرون إن كان ذلك الأفضل قد تسبب فى الانفجار السكانى مثلهم أم لا.
أتحدى ذلك الغاضب المطحون أن يكون من هو أيسر منه حالًا قد أنجب مثلما أنجب، الغاضب الميسور هو من يسر الأمور على نفسه واكتفى بإنجاب طفل واحد أو قرر عدم الإنجاب ولو كان من أنجب ثلاثة أو أكثر كما يحق ويحلو له قد اقتصد فى إنجابه لكان حاله من حال ذلك الميسور وربما أفضل حالًا منه هو يريد اليسر لنفسه ولمن أنجب، فى حين أنه اختار العسر لنفسه ولمن أنجب وللناس جميعًا، تذمر كما شئت لن يسمعك غيرك الآن فالكل يعانى والبقاء للأكثر رشدًا ولمن يعقل أنه الانتخاب الطبيعى شاء من شاء وأبى من أبى، سيموت البعض ليعيش البعض، قدر قاسٍ ينتظر الجميع قانون الطبيعة سيسود.
البقاء للأفضل ولمن سيختار أن يكون الأفضل.. البقاء لمن سيفكر ويعمل ويحسب حساباته، لا من سينتظر المعجزات ولا لمن سيبتز من حوله لقد تساوت الرءوس والكل يعانى وكل له الْيَوْمَ شأن يعنيه ولن يعنيه الغير بعد الْيَوْمَ ولن يفكر إلا فى نفسه. وضع قاس وموجع لا يتمناه أحد لكنه واقع لا يغفله إلا الأحمق الغافل أو من يتصنع عدم الفهم وينكر أنه المتسبب فى تلك الأزمات لنفسه ولغيره بتنطع صار مكشوفًا للجميع قبل أن تلوم وتتذمر ألست مسئولًا عما حدث لك؟ ويتحمل الكل الآن عبء غيره وعدم رشده فى اتخاذ قراراته.. لا تقل لى إن الانفجار السكانى ليس خطيئة.. هو جريمة فى حق الجميع.. لا تظن أن مع العسر يسرًا دومًا.. العسر عسر وسيظل عسرًا ولن تطالوا اليسر معه.. فأنتم من لم تيسروا الأمور على أنفسكم وغيركم.. واضطررنا جميعًا للعسر وطال العسر الجميع حتى من لا ذنب له وكأنه عقاب جماعى شمل المظلوم ومن ظلم نفسه بنفسه فظلم الناس جميعًا.. أفيقوا قبل أن تتذمروا أو تهلكوا.. فالقادم قاسٍ علينا جميعًا.