رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. عسكرى المرور الذى دفعنى إلى طريق الجماعات

جريدة الدستور

- خطباء المساجد وراء تعاطفى مع «الإخوان» باعتبار الجماعة مدافعة عن الإسلام

بدأنا تدريبات الكونغ فو، كان المدرب هو صديقى جرجس شكرى، وكانت التدريبات عبارة عن تمرينات لياقة بدنية فضلًا عن بعض حركات الكونغ فو، بالإضافة إلى أننا كنا نذهب إلى سينما نورماندى بمصر الجديدة حتى نشاهد أفلام بروسلى فنتعلم بعض الحركات، وبعدما نخرج من السينما نذهب إلى سور حديقة المريلاند فنقفز فى الهواء ونحن نصيح: عااا، عوووو، ثم نُحْضر قالب طوب ونأخذ فى ضربه بكف اليد، وإن أنس فلا أنسى أبدًا يوم أن دخل على أبى فى شرفة منزلنا الكبيرة، وأنا أضرب سور الشرفة بكف يدى بشكل متتابع فظن أبى رحمة الله عليه أننى أمر بانفعال عصبى شديد فأخذ يهدِّئ من روعى وأنا أقول له: ما فيش حاجة يا بابا أنا بتمرن، فضحك أبى وقال لى: بلاش رياضات العنف، خليك مع السلة أو كرة القدم.
الغريب أننى مع كثيرين من جيلى كنا نربط الرياضات العنيفة بالإسلام، أو بأى حدثٍ يرتبط بالإسلام، فما زلت أذكر يوم أن أخذت الدعايات عن محمد على كلاى تنتشر فى صحفنا عام ١٩٧٠، وكانت عناوين الصحف عنه تصفه بجندى الإسلام الذى رفض أن يشترك كأمريكى فى حرب فيتنام، وأن الأمريكان اضطهدوه، وسحبوا منه بطولة العالم لأنه أسلم، وأصبحت شعبية كلاى خرافية بين الناس، وكأننا كنا ننتظر خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبى ليعيد لنا الثقة فى أنفسنا خاصة أننا كنا قد تلقينا قبل انتشار شعبية كلاى هزيمة مؤلمة من إسرائيل هدمت أحلامنا، فكان إسلام كلاى كأنه انتصار للإسلام، وكانت مباراته مع «جوفريزر» عام ١٩٧٠، وكأنها مباراة بين دولة الإيمان ودولة الكفر.
سهر الشعب المصرى كله للفجر لكى يشاهد تلك المباراة الأسطورية فقد تمت إذاعتها على الهواء، وكانت فرحتى طاغية عندما استطاع كلاى «ممثل المسلمين» هزيمة فريزر «ممثل الكفار» بالضربة القاضية، وفى اليوم التالى مباشرة اقترحت على أحد أصدقائى المقربين فى مدرسة الزيتون الإعدادية، وهو عماد عبدالمحسن عوض الذى أصبح فيما بعد لواءً كبيرًا فى القوات الجوية وقائدا لكلية الطيران، أن يقوم بتدريبى على الملاكمة، وبالفعل بدأنا فى التدريبات وحدد لى عماد الأغذية التى يجب أن آكلها وتمرينات اللياقة البدنية التى يجب أن أقوم بها يوميًا، ثم قام بتنظيم المباراة الأولى لى والتى تمت فى فناء المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسى وكانت مع أضخم طلاب فصلنا الدراسى واسمه محمود، والتف حولنا الجميع وبدأت المباراة، وخلال ثوان أخذت أقلد كلاى فى قفزاته ومحمود ينظر لى بسخرية وهو واقف فى مكانه فانتهزتها فرصة وهجمت عليه سريعًا وضربته بيدى فى أسنانه فإذا به يقع على الأرض وقد كُسِرت سنة له وسال الدم من فمه، وآلمتنى يدى جدًا، ولكنى نسيت الألم عندما رفع حكم المباراة يدى معلنًا فوزى، وقد أكسبتنى هذه المباراة شعبية كبيرة فى المدرسة، فكان أن نظمنا مباراة أخرى مع أحب أصدقائى لى، وهو أسامة فرهود، وفعلت معه ما فعلته مع سابقه، ثم توقفت بعدها عن تلك الرياضة التى أجرح فيها أصدقائى.
وانتهت تلك الأيام، ومرت سنوات ووقعت فى براثن الشيخ كشك، وتعاطفت مع الإخوان الذين أظهرهم الخطباء لنا على أنهم كانوا يدافعون عن الإسلام فحاق بهم ما حاق، فأخذت أتدرب بشكل فردى على الكونغ فو، ولكن المدرب الأول وقت كلاى كان هو عماد عبدالمحسن عوض، والثانى وقت رغبتى فى الدفاع عن الإخوان كان جرجس شكرى! وعندما أخضع ما حدث للتحليل أجد أن خطباء المساجد وقتئذ، وإلى الآن أيضا لا يملون من تكرار الدعاء بأدعية الانتصار على الكفار، فيقولون: اللهم انصر الإسلام والمسلمين على كذا وكذا، اللهم اجعل كذا وكذا، ثم يذكر الخطباء وكان أستاذهم فى ذلك الشيخ كشك - بطولات قادة الإسلام على مر العصور، ويبالغون فى ذكر قوتهم الجسدية وشجاعتهم الخرافية، وقد كان هذا التصوير يستقر فى ضمائرنا فنتمنى أن نكون مثل هؤلاء فندافع عن الإسلام المهزوم ونهزم الأعداء الذين يتآمرون علينا، وزاد إصرارى على الدفاع عن الإسلام عندما تعرفت على أيمن أبوشادى، وكان أيمن هو عسكرى المرور الذى أشار لى إلى طريق الجماعات.