رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معبود الجماهير.. أيام الوعظ والسلطنة «8»

محمد الباز يكتب: نساء كشك وعدوية.. «الفرحة دي للوله ده»

محمد الباز
محمد الباز

- كشك أفتى بأن المرأة إذا كانت متعَبة فليس لها أن تمتنع عن زوجها
- الشيخ هاجم قاسم أمين بسبب دعوته لتحرير المرأة
- عدوية كان لا يتحدث فى أى حوار صحفى إلا وزوجته بجانبه
- فى أزمته الصحية كانت زوجة عدوية المتحدثة باسمه والمدافعة عنه


لسنوات طويلة وأنا أعمل على ملفات الشيوخ، ومن بين ما أجدنى مضطرًا للاعتراف لكم به، أن البحث عن المرأة فى حياتهم كان صعبًا جدًا، يحاولون إخفاءها قدر استطاعتهم، لا يشيرون إليها إلا عَرَضًا، هناك استثناءات قليلة بالطبع، لكن عمومهم لا يأتون على ذكر نسائهم أُمًا أو زوجة أو ابنة إلا بالإشارة التى لا تعينك على فهمهم.
المرأة فى حياة الرجل - أى رجل - يمكن أن تكون مفتاحًا مهمًا، ليس لفهم شخصيته فقط، ولكن لمعرفة دوافعه وردود فعله واختياراته العامة فى الحياة.
لم يخرج الشيخ كشك عن منهج الشيوخ بل زاد عليهم.
أتى على ذكر والدته عَرضًا، فى مذكراته أشار إليها: «كانت أمى تقيم بالبلدة مع بعض إخوتى، ورأينا أن نجتمع كلنا فى القاهرة حتى يكون فى ذلك نوع من الاستقرار، فجئنا ببقية الأسرة إلى القاهرة».
هل كان هذا كل شىء؟
نعم... كان كل شىء، مات أبوه، جاء ليدرس فى الأزهر مع شقيقه، ولأن ظروف الأسرة كانت مرتبكة جدًا، أراد هو وشقيقه أن يجمعا شمل الأسرة فى الغالب توفيرًا للنفقات، ثم لا شىء آخر عن أمه.
الأمر نفسه تكرر مع الزوجة.
فى مذكراته أيضًا يقول الشيخ: «فى أواخر العام ١٩٦٥، كنت قد عزمت على إتمام الزواج، فإن المستقبل بيد الله وحده، وقد فتحت أبواب الاستدعاءات، وكنت أحس إحساسًا داخليًا بأن هناك شرًا مُبيتًا، لكنه ينتظر الفرصة التى يستطيع أن يلفق فيها قضية ويودعنى فيها ظلمة السجن، كنت قد عقدت الزواج منذ عام مضى، فتم البناء (الدُّخلة) فى شتاء ١٩٦٥».
لم تمثل المرأة فى حياة كشك أمرًا ذا بال، قد يكون ابنًا بارًا بأمه، وزوجًا مخلصًا لزوجته وأبًا حنونًا على أولاده، لكن هذه الصفات العابرة لم ترتب موقفًا نبيلًا من المرأة، هى فى الغالب عنده أداة متعة وربة بيت تقوم على تربية الأبناء وينتهى الموضوع، وهى بالمناسبة رؤية معظم المشايخ للمرأة.
منذ ما يزيد على عشرين عامًا، كنت أبحث فى أرشيف الشيوخ عن الفتاوى التى تعرضوا فيها لأمور الجنس، كنت أجهز وقتها لموسوعة فتاوى فى الأمور الجنسية على وجه التحديد، سعيت لمعرفة ما يقوله الشيوخ وعلماء الدين فى أمور خاصة جدًا، ولم يكن هدفى هو جمع الفتاوى فقط، ولكنها كانت رحلة من أجل قراءة عقل المشايخ الاجتماعى، ومدى تعاطيهم وتفاعلهم واجتهادهم فى أمور لا يكف الناس عن السؤال عنها، رغم التطور الجارى على الحياة.
أمسكت عند الشيخ كشك بفتوى كانت دالة جدًا بالنسبة لى.
كان السؤال: المرأة قد تكون متعبة من عملها أو من تربية الأولاد وطهو الطعام والغسيل وعمل المنزل، فهل لها أن تمتنع عن زوجها؟
وكانت الإجابة: لِتَبِح جسمها لزوجها حتى يقضى حاجته منها، وهذه المسألة لا تؤدى إلى تعب على الإطلاق.
من خلال هذه الفتوى على قصرها، رسمت صورة للمرأة التى يعرفها عبدالحميد كشك، فهو يتعامل معها كجسد فقط، وعاء متعة للرجل، لا حقوق لها، ولا مراعاة لإرهاقها، فحتى لو كانت متعبة من عملها المنزلى، فليس عليها إلا أن تتيح جسدها لزوجها، لأن هذه المسألة - يقصد المعاشرة الجنسية - لا تؤدى إلى تعب.
لم يضع الشيخ المفتى فى حساباته إرهاق المرأة النفسى، وعدم قبولها أو إقبالها على الجنس، وهو ما يشير إلى أننا أمام حافظ للنصوص، لا يجتهد أبدًا فى أن يُعمل عقله فيما يعرض عليه، وإعمال العقل هنا هو قراءة الواقع وما جدّ عليه، فالمرأة المصرية التى خرجت للعمل وتعانى من نفس الضغوط التى يعانى منها الرجل لا يعرفها كشك، ولا يعترف بها، ثم من قال لنا إن الشيخ يقر خروج المرأة من بيتها أو عملها من الأساس؟
لا أفترى على الشيخ فى شىء، هو من قام بالتدليس ورفض عمل المرأة ساخرًا منه، مشككًا فى أخلاق نسائنا.
فى واحدة من خطبه، قال: لقد جاء رجل إلى الحبيب المصطفى ومعه ابنته، وقال: يا رسول الله إن ابنتى هذه كلما جاءها خاطب رفضته، فقال لها الرسول: ولمَ ترفضين؟، فردت عليه: لا أتزوج حتى أعرف ما هى حقوق الرجل على زوجته؟.
يخرج كشك من الموقف الذى يحكيه، ليطعن فى أخلاق هذا الزمان، يقول: اسمعوا هذه المعانى واعلموا أننا فى غربة الفضيلة، وغربة المبادئ والقيم، وغدًا أو بعد غد ستمشى فى شوارع القاهرة ستجدها قطعة من مدينة النار باريس، ستجد الأجسام العارية زادت، وقد جاء الصيف بحرّه ولفحه وغضب الله.
عاد كشك إلى حيث تتحدث الفتاة مع الرسول مرة أخرى، يقول: قالت الفتاة لا أتزوج يا رسول الله حتى أعلم ما حق الرجل على زوجته، فقال لها الحبيب المصطفى كلمة موجزة المبنى عظيمة القدر والمعنى: حق الرجل على زوجته لو كان فى جسده قرحة تسيل دمًا وصديدًا مسحتها بلسانها ما أدت له حقه.
يمكن أن تروق هذه الواقعة للرجال، لن أبحث فى صحة نسبها للنبى صلى الله عليه وسلم، فحتى لو كانت صحيحة، فهى تقوم على تشبيه بلاغى يناسب بيئة النبى صلى الله عليه وسلم، لكن ما أبحث عنه هو تصور كشك عن حق الرجل المطلق على المرأة، التى يراها مقصرة دائمًا، بل لا يتردد عن الطعن فى حق نسائنا الآن، والسبب الذى يستند إليه هو خروجها للعمل.
يعلق هو على هذه الواقعة بقوله: كلام النبى يعنى أن حق الرجل على المرأة الوفاء كله والإخلاص كله، وليس ما يحدث فى هذه الأيام، فلو أن الرجل نام الآن مريضًا لقدمت زوجته إنذارًا بالفرار إلى بيت أبيها، هى لا تطيقه لأنه طوال الليل يسعل، وهى لا تنام من كثرة السعال، هى لا تطيقه لأن وراءها عملًا فى صباح الغد، وإذا تأخرت فإن رئيس مجلس الإدارة سيخصم لها يومًا أو بعض يوم، هى لا تطيقه لأنها أفضل منه.
الطعن خرج من المرأة إلى طعن فيمن كتب من أجل تحرير المرأة، ومنحها حقها فى المجتمع باعتبارها نصفه وليست عبئًا عليه، ذم كشك فى قاسم أمين وحمله مسئولية ما جرى كله، وهو فى هذا مثل كثير من الرجعيين الذين لا يفهمون قيمة وأهمية ما فعله قاسم أمين، الذى قال عنه نصًا: حاسب الله قاسم أمين حسابًا يرضاه هو، فإن نساءنا ما هجرت البيوت إلا لما سارت وراء قاسم أمين، وتركت تعاليم أبوالقاسم الأمين.
الغريب أننا عندما ننتقل إلى عدوية وهو ابن البلد الجدع، الذى خرج من بطن الشعب البسيط، ستجده أكثر احترامًا وتقديرًا للمرأة من الشيخ الذى من المفروض أنه هضم تعاليم الإسلام جيدًا، وهى التعاليم التى تعلى من شأن المرأة وقدرها.
ولو قلت إن كشك كان يردد هذا الكلام الجميل عن وضعية المرأة فى الإسلام.
سأقول لك إنه لم يكن يفعل ذلك إلا كما يفعله كثير من مشايخنا، يرددون الكلام الذى يخلو من أى معنى، لكنهم على الأرض، ومن خلال ممارساتهم وتفاعلهم الحى ستجدهم خصومًا للمرأة بل محتقرين لها بالمعنى الكامل، ولذلك فمن النادر جدًا، أن تجد شيخًا يتحدث عن دور امرأته فى حياته، بل إنك تشعر وكأن هؤلاء الشيوخ لم يتزوجوا، ولم تكن فى حياتهم نساء.
عدوية بالنسبة لى فى علاقته بزوجته كان أفضل كثيرًا من الشيخ كشك، تحدث عنها وتحدثت عنه، دخلت بيته زوجة فى العام ١٩٧٦، وكانت لا تزال طالبة فى المدرسة، كان هناك فارق زمنى بينهما، المغنى عبر الثلاثين عامًا بعام واحد، والزوجة لم تعبر الخامسة عشرة من عمرها بعد.
فى هذا الوقت كان عدوية قد أصبح نجمًا خارقًا لكل التوقعات، وفى أحد الأفراح لفتت نظره، فوقع حبها فى قلبه من النظرة الأولى، وقتها كان خاطبًا فاعتذر لخطيبته عن الاستمرار فى هذه العلاقة، وتقدم ليخطب «ونيسة أحمد عاطف» التى لم تتردد فى قبول طلبه.
لفت انتباهى أن عدوية لم يتحدث فى أى حوار صحفى - على كثرة الحوارات التى أجريت معه - إلا وونيسة إلى جواره، بل إنها كانت تشارك فى الحوار بالرأى والمعلومة والحكى، وكان عدوية هو من يدعوها لذلك، فى إشارة إلى أن هذه السيدة ليست شريكة حياة ولكنها شريكة نجاح أيضًا.
فى واحد من هذه الحوارات قالت ونيسة: أنا مولودة بالمعادى وأنتمى إلى عائلة أديب بالمحلة، ومنها عبدالحى أديب السيناريست المعروف، وعائلة أمى هى عائلة الباسل بالفيوم، وحمد الباسل جدى لوالدتى وشقيقها رئيس اللجنة الزراعية بمجلس الشعب، وأحمد عرفنى من المعادى، وتقدم لخطبتى ولقى معارضة شديدة من عائلتى وخصوصًا عائلة والدتى، لكنى تمسكت به لأننى كنت مبهورة بنجوميته وشهرته.
منح أحمد عدوية ونيسة - التى كان يناديها مرات بـ«نوسة» ومرات بـ«نوسى» - كل الحب الذى يختزنه قلبه لكل النساء، ويبدو أن اهتمامه بها وحبه لها كان سببًا فى إطلاق بعض الشائعات الخفيفة، منها مثلًا أن عدوية كان يشترى لزوجته بـ١٠٠ جنيه شوكولاتة يوميًا، وتخيل أن هذه الشائعة أطلقت فى نهاية السبعينيات، لتعرف أنها شائعة كان يمكن لها أن تقلب عليه جمهوره، فـ١٠٠ جنيه كانت كنزًا كبيرًا، ويصعب على جمهوره البسيط أن يتصور أنه يشترى بها شوكولاتة لمجرد أن زوجته تحبها.
بعد سنوات طويلة وفى حوار أجرته مجلة «نصف الدنيا» مع عدوية وتواجدت فيه ونيسة بقوة، قالت الزوجة: «أنا حقيقى بحب الشوكولاتة، واتجوزت وعندى ١٤ سنة، وطبيعى وأنا عروسة يكون فى بيتى شوكولاتة، وكان مفيد فوزى معزوم عندنا، ومن باب إكرام الضيف قدمت له شوكولاتة مستوردة، وسألنى: إنتى بتحبى الشوكولاتة؟ قلت له: جدًا، وأكلت منها قدامه، وبعدها علق وقال: مرات أحمد عدوية بتاكل شوكولاتة بـ١٠٠ جنيه فى اليوم».
بعد حوالى عام ونصف العام، ورغم كل هذا الحب، إلا أن نوسة خرجت من بيت عدوية إلى بيت أهلها، انفصل المغنى والشابة الجميلة، فقد ظل عدوية يتحمل فتاته متسامحًا، متفهمًا بينما هى تتدلل.
فى ٢٣ أغسطس ١٩٧٨، نشرت مجلة «الموعد» تقريرًا رصدت فيه رحلة خروج نوسة من بيت عدوية ثم عودتها له، وفيه اعترافات من الزوجة التى أقرت بأنها كانت السبب فى خروجها من بيتها.
قالت إنها عندما تزوجت أحمد عدوية كانت عنيدة وعصبية أكثر من اللزوم، وكانت تخالفه فى كل رأى حتى فى شئون البيت.
شرحت نوسة أكثر، قالت: على سبيل المثال يلبس بدلة «سموكنج» أحضرها خصيصًا من لندن، لكى يذهب بها إلى حفلة رسمية، فأطلب منه أن يخلعها كى يرتدى قميص سبور، وكان إذا اشترى سيارة حمراء، قلت له: أوف، أنا أريدها بيضاء، فإذا أبدلها من أجلها بسيارة بيضاء، قالت له: الحمراء كانت أحسن، وكان إذا اشتهى الملوخية عاد ليجد البامية، وحين يأكل البامية، أغضب لأنه لم يعاتبنى لأننى لم أطبخ له ملوخية.
كانت لدى عدوية نظرية مهمة جدًا فى علاقتة الزوجية، وهى نظرية «اقصر الشر».. عرف أن تواجده فى البيت كثيرًا يمكن أن يخلق نوعًا من الأزمات التى لا تنتهى بينه وبين زوجته، فكان يقضى أطول وقت خارجه، بقاؤه بالقرب من زوجته لن يأتى منه خير، بل سيكون شرًا كاملًا، فقرر أن يكسره بالسفر الطويل داخل مصر وخارجها، فقد كان يحب زوجته، لكنه لم يتحمل طريقتها، فقرر أن يبتعد.
ظلت نوسة فى بيت أهلها شهورًا، لكنها عادت إلى بيت زوجها مرة أخرى، ذهب إليها، وكان كل منهما قد عرف خطأه، لم يتحدثا فى شىء، أيقنت هى أنها تزوجت فنانًا، ولا بد لها أن تعرف أنه مشغول ومرهق، وأن عليها أن توفر له جوًا يمكنه من العمل والإبداع حتى يزداد شهرة وتفوقًا.
من ١٩٧٨ وحتى العام ١٩٨٩ وهو العام الذى دخل فيه عدوية أزمته الصحية الكبرى، ظلت الزوجة خلف زوجها، لم تكن تظهر فى الإعلام أو تتحدث للصحف والتليفزيون، لكن بعد أن وجدت زوجها فى مأزق، وقفت إلى جواره، وأصبحت أقرب ما يكون إلى المتحدث باسمه، لم تترك مناسبة إلا ودافعت عنه، وهى حتى الآن ظله الذى لا يفارقه، وكم كانت محبة ومخلصة عندما دافعت عنه عندما هاجمه حلمى بكر.
حدث هذا فى نوفمبر ٢٠١٦، كان الملحن الكبير حلمى بكر يتحدث عبر راديو (٩٠ ٩٠)، ومن بين ما قاله، إنه يجب على الفنان أحمد عدوية التوقف عن الغناء، نظرًا لتقدمه فى العمر وحالته الصحية الحرجة (عدوية كان قد وصل وقتها إلى الـ٧١ من عمره).
كانت دعوة بكر مشفوعة بأن توقف عدوية عن الغناء سيكون لمصلحته، فقد أصبح لا يؤدى بنفس الكفاءة التى كان يغنى بها من قبل، وأصبح يبذل مجهودًا كبيرًا، وربما يؤدى هذا إلى فقدان محبيه وجمهوره، ولأن بكر يعرف أن ما سيقوله سيجر عليه هجومًا كبيرًا، فقد برر ما طلبه بأنه يعتبر أحمد عدوية ابنه (الملحن يكبر المغنى بـ ٧ سنوات فقط، فحلمى من مواليد العام ١٩٣٧)، وطلبه بأن يتوقف عن الغناء نصيحة أب لابنه، فبعد إصابته بشلل رباعى رعاش، أصبحت فكرة غنائه صعبة.
دافع كثيرون عن حق أحمد عدوية، يعرف كثيرون عنه أنه قال قبل ذلك إنه لن يكف عن الغناء إلا يوم موته، ولن يحول بينه وبين الغناء أى شىء، وتحمس كثيرون لتأديب حلمى بكر (دع عنك وجاهة منطق حلمى بكر وصحة ما قاله)، لكن أكثر ما لفت انتباهى كان دفاع نوسة عن زوجها، فقد ظلت تواجه حلمى بكر حتى اعتذر عما قاله، ربما من باب راحة الدماغ لا أكثر، فحلمى بكر عنيد، وأعتقد أنه لا يزال عند رأيه بضرورة اعتزال أحمد عدوية ليس لمصلحته الخاصة فقط، ولكن لمصلحة الغناء أيضًا.
لخص عدوية ما قامت به ونيسة فى حياته بعد سنوات، فى أحد حواراته الصحفية، قال: «دى ست أمينة علىّ وعلى بيتها وأولادها، وربنا يخليها لى ويخليها لأولادها ويحميها، الأحداث أثبتت أنها وقفت جنبى وقفة جامدة أجدع من ميت راجل، وأنا أدين لها بكل حاجة حلوة فى حياتى».
لم أخطط هنا لسرد الحياة الشخصية لكشك أو لعدوية، على الأقل فى سياقنا هذا لا أهتم بذلك ولا أميل إليه، ولكنها كانت إشارة عابرة للفرق بين رجل الدين والمغنى فى علاقتيهما بالمرأة.
الشيخ يحاول جاهدًا، إخفاء أمه أو زوجته أو ابنته، أما المغنى فكان حريصًا على الحديث عنها، ولو جربت وبحثت فقط عما قاله عدوية عن نوسة، ستجد قصائد من الغزل.
يعتقد الشيخ أن سر قوته ذاتى نابع منه هو، أما المغنى فقد كان يؤمن بأن الله قيد له فى حياته نساء كُنّ سر نجاحه وفلاحه، قالها عدوية مرة: «أنا عايش بسر أمى، زمان قالت لى: روح يا أحمد ربنا يخلى التراب فى إيدك دهب».
أعتقد أن هذه الدعوة تحققت تمامًا فى حياة المطرب الشعبى الكبير، فقد كان الجميع ينظر إلى ما فى يديه من أغانٍ على أنها تراب.. بينما هى فى الواقع كانت ذهبًا، أو هى على الأقل كانت سببًا فى أن يحصد هو كل هذا الذهب.
هناك فارق كبير بين من يصدرون أنفسهم على أنهم رجال الدين ومن يتعاملون مع أنفسهم على أنهم أبناء الحياة، هؤلاء الذين يتعاملون مع المرأة على أنها فرحة كبيرة فى حياتهم، أما هؤلاء الذين ينظرون إليها على أنها عورة، فهى بالنسبة لهم شىء، مجرد شىء، وليس أكثر من ذلك.