رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليس فى فقه هؤلاء إلا الحرام والحرام


يقدم بعضهم لنا إسلاما غريبا لا نعرفه ولا يعرفنا، هم فى الواقع لا يقدمون لنا إسلاما ولكنهم ينفثون فى حياتنا عاهاتهم النفسية وقلوبهم المريضة ثم يقولون للناس: «هلموا إلينا فنحن نمتلك الإسلام فى أنقى صوره»!!، ولكن إسلامهم الذى به يتعدون ليس هو الإسلام الذى يخاطب الفطرة النقية، إسلامهم هذا فيه اعتداء وضرب وقتل، فيه غياب للمروءة والنخوة، إسلامهم الذى يواجهون به مجتمعهم ليس هو إسلام التحاب والدعوة والحكمة والموعظة الحسنة، ولكنه إسلام يدعو للقتال وكأنهم يعيشون فى أمة كافرة محاربة للدين، إسلامهم لا ينهاهم عن الكذب فيكذبون، لا ينهاهم عن الخديعة فيخدعون، لا يحضهم على مكارم الأخلاق فيلمزوننا وينابزوننا بالألقاب، يعدون ويخلفون الوعد.
لم يكفهم هذا بل أخذوا ينفثون الفتنة فى البلاد، ففى درس شهير لشيخهم المدعو أبوإسحاق الحوينى سأله سائل: هل يجوز أن ألقى السلام على المسيحى، فقال الداعية أو الداهية: إذا قابلت النصرانى فلا تحيّه بتحية الإسلام قل له أى تحية، صباح الخير أو صباح الفـُل وإذا وقع فى مشكلة لا مانع أن أقدم له يد المساعدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (دخل رجل الجنة فى كلب سقاه)، ثم استطرد الشيخ الذى شيخوه: يا أخى! نزِّل هذا منزلة ذاك!!. هذا ما يقوله دعاتهم للبسطاء: عامل المسيحى كما تعامل الكلب!، هل هذا إسلام؟، وهل هذا الهراء ينتمى لدين الفطرة النقية السليمة؟!.
وكنت قد قرأت لهذا الحوينى فتوى أجاز فيها الزواج من أهل الكتاب مسيحيين أو يهودا، فأرسلت إليه أسأله: وهل يجوز يا شيخ أن يلقى الزوج المسلم السلام على زوجته الكتابية خاصة أن الله جعل الزواج مودة ورحمة؟، وهل يجوز له أن يلقى السلام على أهل زوجته أم أنه لا يجوز له إلا أن يبادرهم بـ(صباح الخير يا خواجة)؟ فلم يرد هذا المتشيخ.
ليس فى فقه هؤلاء إلا الحرام والحرام، يحرمون السلام على غير المسلم مخالفين بذلك قرآننا ويبدو أن الله أعمى بصائرهم عن النبع الصافى للشريعة، فلم يروا قول الله سبحانه على لسان إبراهيم وهو يخاطب أباه الذى لم يتبع رسالته (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى) وقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا)، ورد التحية هنا على العموم لم يستثن الله فيها أحدا، وقوله تعالى (يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها)، ولفظا بيوت وأهلها هنا جاءا على العموم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقى السلام على أهل الكتاب ويرد تحيتهم بأحسن منها، بل إنه عندما سئل أىّ الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)، والمعنى هنا يتسع ويتسع ويشمل كل من يعيش فى الأمة مسلما كان أو غير مسلم، وقد كان هذا هو نهج الصحابة واشتهر ذلك عن سيدنا عبدالله بن عباس.
وكان الإمام «عامر الشعبى» قاضيا فى زمن سيدنا عمر بن عبدالعزيز واشتـُهر عنه أنه كان يبتدر غير المسلمين بالسلام قائلا: وعليك السلام ورحمة الله تعالى، فقيل له لماذا تقول ذلك فقال: أليس فى رحمة الله نعيش؟. نعم نحن نعيش فى رحمة الله فمن اتبع سنة الله رحم الناس، ورغم هذا النبع الصافى إلا أننى رأيت بذور الفتنة التى يغرسونها فى تربة الوطن تثير الضغائن والأحقاد، فرأيت مثلا جمهرة من علماء ودعاة المتأسلمين المنحرفين الذين يطلقون على أنفسهم «السلفيين» رأيت وجوههم العابثة والعابسة وهى تحرم الترحم على أموات غير المسلمين!!.
وقد تساند معظم من أفتى فى هذا الشأن إلى فتاوى لبعض العلماء قديما وحديثا يتم تدريسها فى الأزهر لحد الآن قالوا فيها: «غير المسلم لا يجوز أن يُدعى له بالرحمة، ولو فرض أنه كان يـُصلِح الطرق ويعمر الأرض وينفع المسلمين فإن عمله غير مقبول، ومن دعا له بالرحمة فقد خرج بهذا عن سبيل المؤمنين»!!، وبتلك النظرة السطحية الموغلة فى السذاجة والنقاء العنصرى يُظهرون الإسلام وكأنه «سجن إنسانى» يعطى كافة الحقوق للمسلمين فقط، أما العبيد فهم غير المسلمين، فمهما فعلوا أو قدموا فلن ينال أحدٌ منهم الرحمة، هم فقط سيخضعون للآية الكريمة (من يعمل سوءًا يجز به) فيدخلون فى نطاق كلمة «من» وسيسوء حظهم لأنهم سيدخلون أيضا فى نطاق الآية (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، أما الآية الكريمة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) فهى من حق الأخ المسلم سواء كان من النابهين الذين يقدمون لأمتهم وللبشرية، أو كان من الخاملين الحابطين، أو حتى كان لصا من اللصوص وأفاقا من الأفاقين، مع أن كلمة «من» فى كل هذه الآيات تفيد العموم والإطلاق لا التخصيص والتعيين.

أين يذهب هؤلاء «الدعاة» من قول الله سبحانه (ورحمتى وسعت كل شىء) وكلنا بمختلف عقائدنا شىء؟!، وأين هم من قوله (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وإذا أسلم رجلٌ وظل أبواه على دينهما الكتابى أفلا يجوز له أن يترحم عليهما مصداقا لقوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا) أم أنه حين يتجه بالدعاء لله سيقول «اللهم ارحم أبى إن كان مسلما ولا ترحمه إن كان غير ذلك» مخافة أن يقع الله فى خطأ شنيع فينقل هذا الأب الميت من النار إلى الجنة، فتكون كارثة أن يجتمع المسلم وغيره فى جنة الله!!، تعالى الله عما يصفون. وأين يذهب شيوخ الفتنة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن)، وحديث (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)؟، والأحاديث هنا على عموم اللفظ مهما كان دين الرحماء (أم عندهم خزائن رحمة ربك)؟ ألا يقرأون القرآن فيعلمون أن الله (يختص برحمته من يشاء) لا ما يشاءون، أم أنهم جعلوا من أنفسهم طبقة وسطاء بيننا وبين الله؟، ارحمونا يرحمكم الله، والسلام والرحمة على كل الوطن مسيحييه ومسلميه.