رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد السعيد: «الفطير المشلتت» فتح لي أبواب المصري اليوم (المصوّراتي - 3)

محمد السعيد
محمد السعيد

ضيف دائم على أخيرة صحيفة «المصرى اليوم»، بعدسة يَرْسم فيها وجوه أهل المحروسة، مرة لربّة منزل جالسة أمام فرن بلدى تصنع بيديها العجين، من أجل وجبة «فطير مِشَلْتت»، وأخرى لسيدة عجوز تلاعب أحد التماسيح في محافظة أسوان، وثالثة لأطفال يصمّون آذانهم أمام مدفع رمضان.

محمد السعيد، صاحب الـ46 عامًا، والحاصل على ٣ جوائز من شعبة المصوّرين بنقابة الصحفيين، يعود بذاكرته إلى الوراء، وتحديدًا عندما كان فى المرحلة الابتدائية أوائل الثمانينيات، التى شهدت بدء شغفه بالصور الفوتوغرافية، وقتها قرر شراء كاميرا، وبالفعل وفّر جنيهين ونصف الجنيه من «العيديّة» واشترى «كاميرا هواة» من داخل أحد محال بيع الهدايا.

بعد شراء الكاميرا، احتاج لـ«فيلم»، فطلب ثمنه من جدته، التى أعطته إياه بكل حب، شريطة تصويره إياها، وبالفعل أخذ منها ثمن الفيلم، وذهب إلى استديو «أبيض وأسود»، وطلب من المصوّر أن يركب له الفيلم، ليذهب بعدها سعيدًا لأصدقائه وأقاربه، ويلتقط لهم العديد من الصور التذكارية، التى ما زال يحتفظ ببعضها حتى الآن.

بعد قرابة العامين، توقف عن شراء الأفلام، نظرًا لعطل فى الكاميرا مع صعوبة صيانتها لأن مكوّناتها كانت «بلاستيكية»، ومع نضوجه اتجه للعمل «محاسبًا»، دون رغبة شخصية منه فى ذلك.

نجدته كانت على يد أحد أقاربه، وهو «عبدالرحمن فريد أبوسعدة»، الذى كان يعمل مصوّرًا صحفيًا فى صحيفة «عكاظ» السعودية: «دعانى للعمل معه فى الاستديو الخاص به، فانتابتنى سعادة غامرة، لأن حلم الصّغر تجدد مرة أخرى»، وبالفعل تعلم السعيد داخل «الاستديو» الإضاءة والبورتريه، وغيرهما من فنون التصوير.

ظل يعمل مع قريبه عدة سنوات راضيًا بالراتب الضئيل «٧٥ جنيهًا»، حتى خوض غمار العمل فى بلاط «صاحبة الجلالة»: «كنت أقرأ صحيفة الأهرام، فوقعت عيناى على إعلان من مجلس الوزراء، يعلن فيه تقديم دورات تدريبية للشباب، يحصلون بعدها على قرض من الصندوق الاجتماعى لتنفيذ المشروع الذى تدربوا عليه».

أضاف: «راسلتهم، وردوا علىّ بموعد ومكان التدريب، وكان فى مدينة تلا بالمنوفية، وفى أول أيام التدريب، فوجئت بأن المصور الصحفى الكبير حسام دياب هو من سيدربنا».

وتابع مسترجعًا تلك الذكريات: «كنت من المحظوظين بتلك الفرصة، التى كانت نقطة تحوّلى من مصور هاوٍ إلى آخر عرف طريقه نحو الاحتراف والاغتراف من بحر أساتذة الصورة فى أم الدنيا».

ظل «السعيد» بعدها عامين، منتظرًا حضور حفل توزيع الشهادات، والحصول على القرض وتحقيق حلمه، لكن ذلك لم يحدث، إلى أن تلقى اتصالًا هاتفيًا: «الأستاذ حسام دياب مستنيك فى جاردن سيتى»، حيث مقر صحيفة «المصرى اليوم».

استقبل «دياب»، المصور الشاب، مرحبًا، تعلو وجهه ابتسامة كبيرة تسبقها كلمات ترحيب: «أهلًا يا محمد، إنت معانا من النهارده فى المصرى اليوم»، ليبدأ مشواره الصّحفى مع الجريدة اليومية.

يتذكر اليوم الذى جلس فيه مع حسام دياب داخل مكتبه عندما بادره قائلًا: «يا سعيد أنا عايز منك خدمة.. تحت أمرك يا ريس، عندكم فطير مشلتت.. طبعًا يومين ويكون عند حضرتك وبالسّمنة البلدى كمان»، ليدخل رئيس قسم التصوير فى نوبة ضحك متواصلة: «لا أنا عايزك تصوّر الفطير»، لتأتى الإجابة سريعة وحاضرة: «تؤمر يا ريس».

سافر محمد السعيد يومها إلى المحلة، وطلب من والدته أن تساعده فى الوصول إلى ربّة منزل تجيد عمل «الفطير المشلتت»، وبالفعل اتفقت والدته مع فلاحين من مدينة «قطور»، وحضّرت السمنة والدقيق وكل مستلزمات الفطير، وذهب مع أمه إلى هناك.

«إحنا هنعملكم فطير ما حصلشى»، كان هذا وعد الفلاحين لـ«السعيد»، الذى بدأ فى تصوير المكان المحاط بالخوص والحطب من كل جانب، يتوسطه فرن بلدى تأتى منه الضحكات الخجولة وأنفاس العجين الساخنة التى تتخلل نسمات الصباح الطازج.

رصد المصور الشاب خطوات صناعة الفطير المشلتت من أول نخل الدقيق و«التبطيط» إلى فرد العجينة وشدها، وصولًا إلى دخول الفرن.

عاد بعدها «السعيد» إلى رئيس القسم منتشيًا بأن حاز رضاه من خلال مجموعة صور طار فرحًا بها، لتستمر رحلة نجاح المصوّر الصحفى المتميز حتى اليوم.. و«البركة فى المشلتت».