رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العواطف وقراءة ما بين السطور


ما أكثر الناس، الذين يحصدون المال، والمناصب، والشهادات، ورضاء الناس، لكن عواطفهم، ميتة، وقلوبهم باردة، غارقون فى الحماقات، عطاؤهم شحيح، أو منعدم، مشاعرهم خشنة، أحلامهم تخاصم العدالة، لا شىء بداخلهم، إلا التعصب، والفراغ، والخواء، والأنانية.
على مر العصور، يتم «تهميش»، دور العواطف. بل تحقيرها.. وهذه جريمة أولى. أما الجريمة الثانية، فهى إلصاق صفة «العاطفية»، بالمرأة، فى إشارة إلى أنها «هوجاء»، «مضطربة» الانفعالات. كثير من الوظائف مازالت تُحجب عن المرأة، اعتمادًا على أنها «عاطفية»، لا يمكن الاعتماد على «عقلها».
يؤكد الواقع أن العمل «الفريد»، «المتميز»، هو بالتحديد، العمل المتكامل، الذى آلف بين العقل والعاطفة.. إن «الإبداع»، نفسه، بالتعريف الدقيق، هو «ذاتية» الإنسان، فى قالب جمالى، ممتع. بمعنى آخر، هو كيفية تحويل ذاتية فرد واحد، ألا وهى ذاتية المبدع، إلى «عمل»، يمس ذوات الآخرين.. جميع أنواع الفنون، تُفصل من قماشة العواطف، والمشاعر، والأحاسيس.
ولذلك فهى تجذبنا، وتسحرنا، بشكل أكبر، وأجمل، مليون مرة، من المحاضرات، والدروس، التى عادة، تخلو من صوت العواطف.. إن العاطفة السليمة، فى العقول السليمة. والعقول السوية تثمر العواطف السوية. والحضارة السليمة، السوية، تحتاج إلى العقل، والعاطفة معا، حتى تتوازن، وحتى لا يأتى تطورها، كيانًا، ماسخًا، مشوهًا، عاجزًا عن إسعاد البشر، كما هو الحال، فى عالمنا المعاصر.
أليس من المألوف، أن يرضى المحامى، بالدفاع عن موكله، الذى تتشابك كل الأدلة العقلية المادية، لترسله إلى المشنقة، وتكون فعلًا قضية خاسرة؟، لكن المحامى، يتبنى القضية، مفسرًا: «أشعر أن موكلى برىء... شىء بداخلى ينبئنى أنه لم يرتكب الجريمة». هذا الشىء الداخلى، هو صوت «العاطفة» السليمة، السوية، التى لم تكتف، بالدلائل العقلية، ولديها رأى آخر فى القضية. وفعلًا، يجد المحامى، بعض التفاصيل المنسية، أو بعض التناقضات فى مجرى الأحداث، وأقوال شهود الإثبات، التى تؤكد صدق عاطفته، وتنقذ بريئًا من الإعدام.. وكم من الأبرياء، أنقذتهم العواطف.
وما أكثر التجارب التى تمر بنا، تجبرنا على الإنصات إلى قلوبنا.. إذا كان العقل، السليم، السوى، يقرأ سطور القصيدة. فإن العاطفة السليمة، السوية، تقرأ ما بين السطور. إذا كان العقل السليم، السوى، هو الطريق. فالعاطفة السليمة، السوية، هى الطاقة الإيجابية المشعة، التى تضىء هذا الطريق.
من بستان قصائدى
منذ أزمنة بعيدة موغلة فى القدم
والملايين من الناس
صائمون وعند موعد الإفطار
لا يجدون إلا وليمة الموت.