رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الحجاج السويسي».. العود يقود إلى ترتيل القرآن أحيانًا

«الحجاج السويسي»..
«الحجاج السويسي»..

الاستماع إليهم متعة والجوس معهم شرف.. فقراء كتاب الله تسري الطمأنينة من القرآن إلى قلوبهم، ومن قلوبهم إلى قلوب مريديهم، فكل من هؤلاء القُرّاء نور يسير على قدمين، وهل من نور أعظم من خزائن أيات الله؟، ففي بساطتهم نقاء ورقة وذوق، فنسمع منهم الطرائف والدعابة ومنهم المنشد الديني، وعازف الجيتار وخبير المقامات، وعاشق الموسيقي، والشاعر.

وفي السطور التالية، ترصد «الدستور»، طوال شهر رمضان، سلسلة من قُرّاء القرآن ونوادرهم للتعرف عليهم عن قرب.

وهب حياته للقرآن، وتربى بين ذراعيه، يرى القارئ فنانًا، والقرأن فنًا رفيعًا يسمو على سائر الفنون الراقية، ويعتبر أن أعظم من ينافس الشيخ محمد رفعت هي كوكب الشرق «أم كلثوم»، إنه الشيخ حجاج السويسي، الذي اتخذ القرآن مأوى وملاذ، ومنع ابنه صاحب الصوت الجميل من أن يسلك طريقة ويصبح مقرئًا، كما يقول في أحد حواراته الصحفية.

ويصف الشيخ السويسي أن السبب الرئيسي أن معظم القراء المعرفون ينتمون إلي مصر جغرافيًا بفضل مدارس القراءات الموجودة في مصر منذ دخول الإسلام، ما دفع العديد من الشباب والجمهور يلتفت إليها، ويهتم بالقرآن، والقراء، بسبب وجود أئمة العلم والقراءات في مصر مثل الشيخ علي محمود والشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وغيرهم وهي مواهب لن تتكرر مثل أم كلثوم وعبدالوهاب علي حد وصفه.

ويرى السويسي أن القراءة فن وكانت الناس تعشق هذا الفن، وكان سماع الناس لهؤلاء العظام من جيل المُقرئين العظام يدفعهم لحفظ القرآن، وينتمي الشيخ إلي عائلة حجاج السويسي، هو اسم شهرة فقط.

ويقول السويسي إن الذي دفعه لحمله هو الشيخ الشعشاعي والشيخ مصطفي إسماعيل، حين قرأ الشيخ مصطفي أسامة، قال "إيه حجاج ده"، وهو اسم صعب، فالشيخ البهتيمي من بهتيم، والشيخ الشعشاعي من "شعشاع"، مضيفًا أنه عندما كان يزور أخيه بالسويس، اقترح على الشيخ مصطفي إسماعيل بالسويسي فأعجب بالاسم، لكن اسمه الأصلي علي حجاج علي جاد الكريم، ولد في منطقة الجمالية بالقاهرة، لكن والده من مركز البداري بأسيوط، وجاء حمله للسويسي في بداية الأربعينيات.

الشيخ محمد رفعت هو السبب الرئيسي في حفظي للقرآن، حتي أصبحت القارئ الوحيد في أسرتي، فكان والدي يعمل باشكاتب في المحكمة العليا الشرعية قبل الثورة، وكانوا ينظمون احتفالات كل عام بمناسبة الرؤية ومولد النبي، وكان والدي يأخذني اليها وأنا صغير وأقلد الشيخ رفعت بعد أن اسمعه، يضيف السويسي: "كنت عندما أعود للبيت أردد كل ما سمعته منه بدقة، فالقراءة والفن مواهب أو وراثة ليست تعليما".

ويروي السويسي أن المرة الأولى قرأ فيها القرآن أمام الناس كانت وهو فى سن التاسعة بمدينة قليوب، وفي تلك السنة أيضًا تم تنظيم مسابقة في القرآن بالقاهرة، وفاز بالجائزة وكانت تقدر بـ70 قرشًا، مضيفًا: "أعطيتها لوالدي فأكملها 3 جنيه، وأشتري لي ككولا وعمامة وحذاء وساعة بربع جنيه، ومنذ ذلك الوقت بدأت شق طريقي القرآني".

ويتابع السويسي: "تعلمت القرأن من الشيخ أحمد السحار، وكان دخولي للإذاعة عندما سمعني الأستاذ علي خليل، مراقب عام الإذاعة، وتقدمت إلي امتحانات الإذاعة، وكان رئيس اللجنة الشيخ شلتوت قبل رئاسته للأزهر، وعندها قال لي أحد العاملين إذا شئت أن تنجح أمام الشيخ شلتوت فعليك بتقليد الشيخ محمد رفعت وقلدته ونجحت".

وأضاف السويسي: "أول أجر حصلت عليه كان جنيه ونصف، وكانت الليلة حينها لجميع القراء تبدأ من من خمسين قرش إلي جنيه، وكنت في ذلك الوقت امتلك شقة إيجار مكونة من خمس غرف أدفع فيمة إيجارها أربعين قرش شهريًا، وربنا وسع عليا في بعض الليالي وحصلت على ألفي جنية وثلاثة أحيانًا، كنت أذهب لمن يدعونى وأقرأ، ولا أضع تسعيرة، وسجلت القرآن كاملًا للإذاعة ولم أحصل علي أية مكافأة".

ويضيف السويسي أنه عندما كان فى لبنان، "كنت أقرأ، وكان ضمن المستمعين أحد الدروز، وعندما قرأت سورة الإنعام وقلت (وهو ربُّ كلُّ شيء) وبعد أن أنهيت القراءة ردني هذا الدورزي، وقال (هو ربُّ كلَّ) وليس (كلُّ)، فتشكيل واحد في القرآن خطأ يستوقف الناس".

ويحكي السويسي عن زيارته لدولة نيجيريا فيقول، "عندما أحييت لهم حفلة في مدينة بادن وبعد التسجيل رأيتهم يقدمون إلي جردل بلاستيكي كبير مملوءً بالجنيهات النيجيرية، والتي كانت أغلى من الجنيهات الأسترلينية في ذلك الوقت، وقد ملأه الحاضرون وهم يستمعون، ورفضت كل هذه الأموال لأنهم جمعوها بطريقة تشبه التسول، وتبرعت بها لمسجد هناك".

ويروي السويسي: "عندما كان علي أن أحُيي حفل في شهر رمضان في بورما والبوذية وغيرها من الديانات غير السماوية المتسلطة هناك، وعندما وصلت إلي المطار في العاصمة البورمية، لم يكن في استقبالي أحد من موظفي السفارة المصرية وفوجئت بالمطار خاويًا علي عروشه، وكان الوقت متأخرا من الليل، وأقترب مني 3 رجال يرتدون الملابس البوذية، وجلسوا بالقرب منى وكانوا يحملون خناجر معلقة في بطونهم، فصرخت "الله أكبر" ففروا مذعورين، وظننت أنهم سيأتون بعدد أكبر من المهاجمين، وطلبت السفارة وحدثتهم، وأتوا في أقل من ثلث ساعة ونجوّت بحياتي".