رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

90 دقيقة مع يسري الجندي


يحدث فى الكثير من الأحيان، أن نسأل أنفسنا ومن حولنا أسئلة من نوعية: ترى لو كان العظيم «فلان» بيننا الآن، كيف كان يمكن أن يكون رد فعله أو موقفه حول أمر ما مطروح على الساحة؟.. عشرات الأسئلة تتبادر إلى الذهن، قد تكون لحالة عطش فكرى وخلو من أصحاب الخبرات الريادية، أو لتعلق بكاريزما نجم ترك بصمات رائعة فى دنيا الفكر والإبداع والعطاء الإنسانى المتميز عبر سنى حياته.. وعليه، فقد لاقت فكرة تخصيص قناة تليفزيونية مثل «ماسبيرو زمان» نجاحًا جماهيريًا وفنيًا رائعًا لأنها تلبى تلك الحاجة لدى المشاهد والمتلقى للاقتراب من جديد من إبداعات وفكر وإضافات ومعارف شخوص كانوا بيننا وبِتْنا فى حالة اشتياق لحالة من التواصل الذى يؤكد على فرضية أن الكبار والرواد يرحلون بأجسادهم، ويبقى ما أنتجوه وأبدعوه وأضافوه موجودًا تعيش على ثماره الطيبة أجيال وأجيال.
إن الطلب المتزايد على سبيل المثال، وعبر محركات البحث على الشبكة العنكبوتية على سماع ورؤية اللقاءات القليلة والنادرة الإذاعية والتليفزيونية، مع نجوم ورواد الفنون والثقافة والرياضة والرموز الدينية، يؤكد على تلك الحالة من الشغف للعيش من جديد فى أجواء حقب الخمسينيات والستينيات.. والتى منها اللقاءات مع عميد الأدب العربى د. طه حسين وأديب نوبل الروائى نجيب محفوظ والروائى إحسان عبدالقدوس وغيرهم ورجال الاقتصاد والدين والرياضة.. ولا أوافق على وصف تلك الحالة بالماضوية المرضية، وخصوصًا أننا عشنا فترات ابتلينا فيها بحالة من الانقطاع المعرفى والثقافى لظروف سياسية واجتماعية سلبية للأسف.. وبالمناسبة أطالب أهل الإعلام والصحافة بأن يبادروا بعقد لقاءات وحوارات مع رواد الفكر والثقافة والفنون والعلوم (والاهتمام بشكل خاص بغير المقربين من الميديا) للنيل من فيض فكرهم ومناشدة مؤسسات النشر إعداد سلاسل للسير الذاتية لأصحاب القامات الكبرى منهم، لدعم وصول رسائلهم الإبداعية لجموع الجماهير ولتحقيق فكرة أن توفير العملة الجيدة ونشرها من شأنه مقاومة وجود العملات الرديئة التى باتت تشكل مناخًا قبيحًا للأسف.
وفى هذا الإطار سعدت بمتابعة حلقة رائعة من برنامج (٩٠ دقيقة) التقى مقدمه الإعلامى د. محمد الباز بالكاتب المسرحى والروائى والسيناريست يسرى الجندى لاستعراض مسيرة مبدع وطنى نبيل وصاحب رصيد رائع من الأعمال المسرحية والتليفزيونية، والتوقف عند أهم محطاته الإبداعية.. وأرانى أسهم بدورى هنا فى إعادة أهم أطروحات بطل تلك السهرة البديعة.
قال الجندى: قدمت مع المخرج سعيد مرزوق فيلم «أيام الرعب» المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير جمال الغيطانى، فمنع التليفزيون المصرى عرضه، بسبب أنه كان ضمن مشاهده ضربة ساطور، رغم أنهم كانوا يعرضون أفلامًا أكثر دموية من ذلك.. تجربتى مع السينما قليلة جدًّا، ولا أعتقد أننى أضفت إليها شيئًا، لأن السينما عكس المسرح، فالسينما تعتمد على الصورة، بينما المسرح يعتمد على الحوار، لذلك الوسط بينهما هو التليفزيون، فهو يوازن بين الصورة والكلمة، ومن أجل ذلك تواءمت مع التليفزيون بسرعة أكبر.. لم أكن راضيًا عن السينما؛ لأن دورى بها كان مهمّشًا رغم أننى تعاملت مع مخرج ساعدنى على أن أكتب، وكان سيد عيسى، رحمه الله، فقدمنا المغنواتى وأخذنا تيمة حسن ونعيمة وقدمناها بشكل عصرى، أيام الأربعينيات فى فترة الحرب العالمية الثانية.
هذا ويردد دومًا كاتبنا الكبير أن عمله فى «الثقافة الجماهيرية» قد أخذ منه الكثير، ولكنه ليس نادمًا على ذلك، ويضيف: «ما زلت مؤمنًا بأن هذا الجهاز قادر على أن يعيد عصر النهضة الثقافية فى مصر، إذا تم الاهتمام به، وأعيد النظر بجدية فى وضعه الحالى، ولم تكن قضيتى هى الراتب أبدًا، فلم أكن أتقاضى حوافزى، فأنا تعاملت مع هذا المنصب باعتباره مهمة وطنية، ولم أكن أجلس على مكتب، لأنى كنت أدير الثقافة الجماهيرية، من الحديقة المواجهة لمكتبى، وأعتقد أننى أسهمت إسهامًا لا بأس به، رغم أنه لا يقارن بإسهامات الرواد، أمثال ألفريد فرج، وحمدى غيث، وحسن عبدالسلام، ولكنى حاولت وهذا شرف لى، والـ٢٥ عامًا التى قضيتها فى الوظيفة، لم تكن سنوات عجافًا إبداعيًا، وقدمت خلالها بعض العروض التى اعتبرت نقلة، مثل «على الزيبق»، إضافة لعروض أخرى فى مسرح الدولة، على مسارح «القومى»، و«الطليعة»، و«الكوميدى»، وأنا راضٍ بشكل عام عما قدمته فى مشوارى.. لقد قدم كاتبنا الرائع عبر حديثه للبرنامج الشهير نموذجًا رائعًا عند كلامه عن أبناء جيله، والأروع ما قاله عن الكُتّاب الشباب وأن من بينهم من يقدمون دراما رائعة، ويؤكد على متابعته لهم وأنه سعيد بإضافاتهم.. لم يسبهم ولم يلعن الفيسبوك ولم يتهمهم بالضحالة الفكرية.. شكرًا لفريق البرنامج ونأمل مواصلة عمل لقاءات مماثلة مع أقران مبدعنا الجميل وأبناء جيله.