رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروت الخرباوى يروي: هذه قصتي مع «الإخوان»

ثروت الخرباوى
ثروت الخرباوى

دخلت إلى عالم التصوف فى مرحلة الطفولة المبكرة.. وانضممت إلى الجماعة بحثًا عن الله لكننى لم أجده

لكل شىء بداية، ولكل شىء نهاية، الحضارات والأمم والجماعات تبدأ ثم تفنى، والكائنات تولد ثم تموت، وليس من شىء يسير تحت الشمس إلا وله دفقات قوة وعنفوان، وله خفقات ضعف ومرض، هذا هو تقدير الله العليم الحكيم، أما الأمم أو الجماعات فإنها ليست أوعية فارغة، إذ فيها بشر تستمد فتوتها وخيريتها منهم، فإن أحسنوا أحسنت، وإن شمخوا شمخت، أما إذا أساءوا فكرًا وقولًا وعملًا أساءت، وإذا تدنوا تدنت وعاشت بين الحفر، سيان كانت تلك الأمة أو الجماعة، مسلمة أو غير ذلك، هذه سنة الله فى كونه قدرها تقديرًا.

أما بدايتى فى هذا العالم فكانت من حيث المشاعر، وقد لا يعنيك أن تعرف عنى إلا ما يُعينَك على فهم تجربتى فى الحياة، ورغم أن تجربتى هى تجربة رجل من أغمار الناس، دخل وهو بعد فى مرحلة الطفولة المبكرة إلى عالم التدين الصوفى البسيط الذى لا تحكمه وتتحكم فيه إلا المشاعر، ثم انحرف به المسار ليدخل إلى قلب جماعة الإخوان، ثم عاش فيها فترة يبحث عن الله وهو يظن أن تلك الجماعة هى «بيت الله» وطالت رحلته فيها للبحث عن الله وهو غافل العمر كله عن أن الله، جل فى علاه، ليس بضاعة تمتلكها جماعة أو أمة، هو نور السماوات والأرض، عرفناه ونحن فى عالم الذر عندما كنا ذرات فى ظهر أبينا آدم، وعندما عرفته روحى ذاقت حلاوة القرب، وعندما أتيتُ إلى هذه الحياة الدنيا كنتُ «أحمل الله» سبحانه فى فطرتى، وما زالت «ذكرى» حلاوة معرفتى به عالقة بفؤادى، ومن وقت أن بدأت أعى الحياة وأنا فى بحث دائم عن الله، وفى شوق دائم للمعرفة.
عندما أحضر أبى، رحمة الله عليه، الشيخ «محمد عثمان» لأحفظ على يديه ما تيسر من القرآن، كنت لا أزال «لحمًا طريًا» ولكن هذا اللحم الطرى كان شغوفًا بالمعرفة، ولا أعرف لماذا أستعيد دائمًا ذكرى ذلك اليوم البعيد حينما كنت فى بداية الرابعة من عمرى؟ ففى هذا اليوم كان الشيخ «محمد» يقرأ أمامى سورة «المُلك» وعندما قرأ الآية الثانية منها «الذى خلق الموت والحياة..» استوقفته وقلت له بلسانى الذى لم يكن قد أتقن حرف الباء بعد: «عاوز أعيف أعرف يعنى إيه موت»؟
ـ ألم تسمع عن الموت من قبل؟
كان ذكر الموت يأتى عرضًا فى أحاديث البعض ولكننى لم أكن أتوقف عنده، ولكن ذكره كان يخيفنى ويجزع قلبى، يومها شرح لى الشيخ محمد طبيعة الحياة، ومن هو أبونا آدم، وأن الموت هو نهاية كل حى، ثم استطرد: الحمد لله، النسيان رحمة من الله، وما سمى الإنسان إنسانًا إلا لأنه ينسى، ثم قرأ لى من القرآن «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما» أخذت أستحثه كى يروى لى المزيد من قصة آدم وحواء، فروى لى الكثير، ثم قال: وبعد أن نزل آدم إلى الأرض أصبحت ذريته مثله، تنسى، والنسيان رحمة من الله.
سألته: ومن الذى جعله ينسى؟
ـ الله.
ـ ولماذا عاقبه إذن على النسيان؟.
ـ ومن قال إن الله عاقبه؟.
ـ ألم يطرده من الجنة؟.
ـ لا لم يطرده، الله خلق آدم ليكون فى الدنيا، والجنة هى مكافأته يوم القيامة، ولكنه جعله ينسى لحكمة عنده، فخرج من جنة الخلق، فجنة آدم لم تكن هى جنة الخلد، ولكنها كانت جنة أخرى خلقه الله فيها، والله يا بُنى لا يعاقب على النسيان، فلولا النسيان لمات الإنسان من الهموم، وظلت من بعدها رغبة جامحة تحتوى قلبى الصغير تهمس فى أذنى: أريد أن أرى الله.