رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا نقل سفارة أمريكا إلى القدس الآن؟


لقد أبلغ الرئيس الأمريكى كلًا من الرئيس عباس والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى والرئيس عبدالفتاح السيسى نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذى أدى إلى ردود فعل عربية فى عدة دول بما فيها مصر والأردن، وكذلك فى دول أوروبية عديدة، تعبيرًا عما رأوه من خطورة تنفيذ هذا القرار الذى مضى عليه أكثر من عشرين عامًا ولم يتقدم أى من الرؤساء الأمريكيين بأى خطوة تجاه التنفيذ الفعلى لهذا القرار، الذى كان قد أصدره الكونجرس الأمريكى، الأمر الذى أدى إلى ردود فعل عربية ودولية مناهضة للموقف الأمريكى فى هذا الشأن.
نعم لم يكن نقل السفارة الأمريكية بعيدا عن توجه الولايات المتحدة، فهناك قرارات للأمم المتحدة تكفل لكل دولة أن تقوم بتحديد عاصمتها، وكانت حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عام ألف وتسعمائة وخمسين قد أعلنت عن أن القدس هى عاصمة أبدية لإسرائيل، وعن خطتها فى نقل مؤسساتها الحكومية والوزارات ومقر الرئيس والمحكمة العليا الإسرائيلية إليها كمقر لها، بل اعتبار القدس المركز الرئيسى لديانتها العبرية، أى اليهودية، ولكن ظل اليهود ممنوعين من دخول القدس منذ عام ١٩٤٨ وحتى عام ١٩٦٧، وبعد حرب الأيام الستة، أى من عام ١٩٤٨ وحتى ١٩٦٧.
وعلى الجانب الأمريكى، فقد وافق الكونجرس الأمريكى بمجلسيه النواب والشيوخ عام ١٩٩٠ على أن تبقى مدينة القدس مدينة موحدة وغير قابلة للقسمة.
وبعد مفاوضات عديدة قرر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى فى مارس ١٩٩٥ أن يطلبوا من وزير خارجية أمريكا، دارن كريستوفر، التخطيط لنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، معبرين عن تعجبهم من أن جميع سفارات أمريكا موجودة فى العواصم العالمية، فكيف إذن لا يكون الوضع هكذا فى دولة إسرائيل، وأضاف التشريع الأمريكى على ذلك اعتماد خمسة وسبعين مليون دولار تخصص لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وعلى الرغم من صدور هذا التشريع منذ عام ١٩٩٥، فإن الرؤساء المتعاقبين لم يتخذوا قرارًا بنقل السفارة، الأمر الذى أخذه الرئيس ترامب على عاتقه، وكان اتجاه الرؤساء السابقين هو الوصول إلى حلول سلمية قبل الشروع فى نقل السفارة الأمريكية إلى هناك، والتى ستكون السفارة الوحيدة التى يتم فعليًا نقلها إلى القدس.
أما الموقف العالمى من نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، فيرى فى ذلك مخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، خاصة القرار ٢٤٢، الذى ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة، واتخاذ كافة الطرق السلمية لحل القضية الفلسطينية.
أما اتخاذ القرار الأمريكى فقد جاء ناسفًا لكل المحاولات الداعية إلى الحل السلمى بين الدولتين وفقا للقرار ١٨١ لسنة ١٩٤٧ الذى يقضى بإعلان دولة يهودية ودولة فلسطين، عاصمتها القدس الشرقية، باعتبار القدس الغربية عاصمة إسرائيل على أن يصدر القراران معًا حلًا للأزمة ووسيلة لوضع نهاية للصراعات الدموية التى طال أمدها، وها هى إسرائيل بمعاونة الحكومة الأمريكية تتخذ قرارها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الغربية، فيما يراه الكثيرون تقويضًا لكل الجهود لاستقرار السلام والوصول لحل القضية الفلسطينية محليًا ودوليًا.
فى هذا السياق، نشرت مجلة أتلاتنك الأمريكية تقريرا حول ملابسات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعنوان «العاصفة المقبلة فى إسرائيل»، «يعد بكل الأسف تاريخا أسود، وأخطر ما تواجهه إسرائيل منذ عام ١٩٦٧، حيث عزمت أمريكا على نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس فى الرابع عشر من شهر مايو الحالى، وهو التاريخ الذى له معنى ومغزى لدى إسرائيل، فهو تاريخ اعتماد إسرائيل دولة مستقلة.
كما يلاقى قرار أمريكا باعتبار القدس عاصمة إسرائيل بدلا من تل أبيب سخطا عربيا وعالميا، وكان الرئيس الأمريكى قد وعد بحضور حفل افتتاح سفارته فى القدس، إلا أن الأمر تغير، فتقرر حضور ابنته هذا الاحتفال نيابة عن والدها.
الجدير بالذكر أنه من أصل ستة وثمانين سفيرا لإسرائيل هناك نحو ثلاثين سفيرا فقط وافقوا على حضور حفل افتتاح السفارة الأمريكية المنقولة من تل أبيب إلى القدس مع حضور (إيفانكا ترامب)، نائبة عن والدها فى حضور حفل افتتاح السفارة الأمريكية فى القدس. وترى الولايات المتحدة أن القوانين الدولية تكفل حريات الدول فى اختيار أماكن تواجد سفاراتها فى الدول التى تمثلها».
أما الموقف العربى الموحد فلم يعلن حتى تاريخ كتابة هذا المقال، وإلى أن نلتقى فى المقال التالى لمتابعة صدى افتتاح السفارة الأمريكية فى القدس بدلا من تل أبيب.