رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جيلبرت سينويه: لن تكون هناك دولة فلسطينية حتى لو أصبح غاندى رئيسًا لوزراء إسرائيل

جيلبرت سينويه
جيلبرت سينويه

◄ العرب قتلوا القضية.. وأتوقع زوال الدولة اليهودية
◄ الغرب تعامل مع الأزمة السورية بأسوأ طريقة
◄ مصر امرأة تصيبك بـ«هوس» يتضاعف عشرات المرات عند الفراق
◄ عبدالناصر رجل وطنى عظيم لكنه افتقر إلى البصيرة والخبرة

«مصر هى نوع من المرض الذى يصيبك حينما تولد فيها.. فيروس لا يغادرك أبدًا.. امرأة تصيبك بنوع من الهوس».. بهذه الكلمات عبر الكاتب الفرنسى جيلبرت سينويه، لبنانى الأصل مصرى المنشأ فرنسى الجنسية، عن مكانة «أم الدنيا» لديه.
«سينويه» أو سمير كساب- اسمه المصرى- ولد فى القاهرة عام ١٩٤٧، ثم سافر مع أسرته إلى باريس قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، واستهل حياته هناك بدراسة الموسيقى فى معهد الدراسات الموسيقية، وأصبح عازف جيتار ماهرا، وهو الآن أحد أشهر كتاب الرواية التاريخية فى فرنسا، وله نحو ٣٠ رواية ترجمت معظمها إلى العربية.
ورأى الكاتب الفرنسى المصرى، فى حوار مع «الدستور» عبر البريد الإلكترونى، أن القضية الفلسطينية ماتت تماما، لأن العرب قتلوها بشراسة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، معتبرًا أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية حتى لو كان المهاتما غاندى رئيسًا لوزراء إسرائيل.

■ بداية.. متى تحول «سمير كساب» إلى «جيلبرت سينويه»؟
- حدث ذلك مبكرا جدا، حينما كان عمرى ١٨ عامًا، وبالتحديد بعد قراءتى لرواية «سنوحى المصرى» للروائى الفنلندى ميكا فالترى، لكن «جيلبرت» هو اسمى الحقيقى الثانى.
وحينما غادرت مصر متجها إلى فرنسا لم أسأل نفسى عن العودة ثانية أم لا، فلم يكن لدى خيار آنذاك، كنت أتبع والدى ليس أكثر، لكن شيئًا بداخلى أخبرنى بأننى لن أعود لفترة طويلة جدًا، وهو ما كان عليه الحال، وكانت أول زيارة لمصر بعد ٢٥ سنة من مغادرتها.
■ قلت سابقًا إنك تنادى فى مصر باسم «الخواجة» وفى فرنسا باسم «العربى».. هل تعانى من صراع هوية؟
- «خواجة» فى مصر هى كلمة مهينة، فهى أطلقت على الأجانب الذين لا يعتبرون مصريين ١٠٠٪، وبشكل شخصى أرى أن هذا أمر سخيف، لأن جدى ووالده ولدا فى مصر ولطالما اعتبرنا أنفسنا مصريين.
دعنا نقول إننى فى مصر كنت «الخواجة» وفى فرنسا «المصرى»، فلقد اعتدت على ذلك، ولكنى شعرت فى البداية بنوع من الانفصام.
■ كتبت كثيرًا من الروايات التاريخية التى تحكى تاريخ مصر والعرب.. هل هو نوع من الحنين أم ماذا؟
- استغرق الأمر منى وقتًا طويلًا كى أدرك أنه على الرغم من أننى أصلًا من الشوام «السوريين- اللبنانيين» إلا أننى مصرى وعربى أيضا، وهذه الجذور هى التى دفعتنى إلى الاهتمام بالشرق الأوسط، ومصر بالطبع، فأردت أن أفهم من أين جئت.
وفى محاولة منى لمعرفة طريقى وجدتنى أحب مصر بشغف، ومن هنا تعددت الكتابات التى خصصتها لها.. و«مصر» هى نوع من المرض الذى يصيبك حينما تولد فيها.. فيروس لا يغادرك أبدًا.. امرأة تصيبك بنوع من الهوس.. هوس يتضاعف عشرات المرات حينما تتركك.
وأيًا كان ما أفعله، وأينما أعيش، تظل مصر بداخلى، كما أن معظم رواياتى تمت ترجمتها إلى العربية وهى متوفرة فى مصر وغيرها من الدول العربية.
■ عندما كتبت عن مصر وقع اختيارك على شخصيتين «محمد على وجمال عبدالناصر».. ما دوافع هذا الاختيار؟
- لأنهما -رغم أخطائهما- رجلان يعبران عن مصر، ولكل منهما طريقته الخاصة فى ذلك، وكلاهما ترك أثره على مصر، وكتبت أيضا «البكباشى» و«الملك- الطفل».
وكما أقول دائمًا، لم يكن هناك «عبدالناصر» واحدًا فقط، إنما اثنين، رجل النور ورجل الظلام، فمن جانب هو الرجل الوطنى العظيم الذى أحب مصر بشغف، والقومى الذى لديه قدرة على الإقناع، وغير فاسد، ومن جانب آخر هو رجل يفتقر إلى البصيرة والخبرة، رجل ترك نفسه ليصبح محاصرا بواسطة الغرب وحتى بواسطة المحيطين به، وفى النهاية قاد مصر إلى كارثة.
■ ما الصورة التى لا تزال متجذرة فى رأس «سينويه» منذ طفولته عن مصر؟
- أستطيع أن أقول لكم ألف صفحة، لم أنس شيئا على الإطلاق، لكن إذا أردت أن أقتبس ذكرى عشوائية، سأخبرك عن أيام «شم النسيم» مع والدى، فهذه الذكريات محفورة داخلى.
وهناك أيضا حرب ١٩٥٦.. كنت فى التاسعة من عمرى، لكننى أتذكر تماما أسراب الطائرات التى كانت تحلق فوق سماء القاهرة، المصابيح الأمامية للسيارات الزرقاء، شعورنا بالغضب ضد هذا العدوان.
■ عملت عازفا للجيتار.. فإلى أى مدى استفدت من العزف فى كتاباتك؟
- عندما وصلت فرنسا بدأت حياتى بدراسة الموسيقى فى معهد الدراسات الموسيقية فى باريس، ثم عملت عازفا للجيتار، لذا ارتبطت بالإيقاع فى كتاباتى وبموسيقى الكلمات، فحينما أكتب تنتابنى هذه الرغبة الموسيقية بشكل لا واع، وهكذا، فأنا أحب موسيقى الكلمات.
■ لماذا تأخرت فى كتابة الأدب وبدأت عن عمر ناهز الأربعين؟
- أعتقد أنه عندما لا يكون لديك ما تقوله فمن الأفضل أن تصمت، وبمعنى آخر، لم يكن لدى ما أقوله قبل ٤٠ عامًا، على الأقل لم يكن هناك شىء ذات أهمية كبيرة، ثم إننى لفترة طويلة كنت أخاف كثيرا من الكتابة.
وحينما كنت أقارن نفسى بالكلاسيكيات، كنت أقول لنفسى إننى ليس لدى أدنى فرصة لكتابة رواية، وأعتقد أن ما حدد قرارى هو اقترابى من سن الأربعين، وهى اللحظة التى يكون فيها المرء فى أوج نضجه المعرفى والفكرى، وحينها بدأ الإلهام، وانتابنى شعور بإلحاح الكتابة؛ إما أن أكتب حالا أو لن أكتب أبدا.
■ ختمت روايتك «اللوح الأزرق» بمشهد اتحاد أصحاب الديانات السماوية الثلاث فى دين واحد.. هل كنت تقصد فكرة المواطن العالمى؟
- أعتقد أنه ليس هناك أحد يملك الحقيقة الكاملة أيا كان دينه، ومقتنع أيضا بأننا نولد مسلمين ويهودا ومسيحيين دون أن نقرر ذلك، إنه أمر يحدث مصادفة، لذا نرضى بما نحن عليه، ولكن دون تخيل أننا متفوقون على الآخرين.. نحن فقط مكملون لهم، ومن هنا جاءت تسمية «أهل الكتاب»، ٣ حقائق لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
أن تكون مواطنا عالميا سيسمح لك على وجه الخصوص بأن تكون جزءا من الجميع، سواء من جماعة أو من أسرة، فهناك الحقيقة البشرية الأشمل، وهذه رؤيتى، وأملى الذى أرغب فى تحقيقه.
■ تشكل الرواية التاريخية دائما مشكلة تتعلق بحقيقة أنها عمل أدبى أو إعادة كتابة للتاريخ بطريقة مجردة.. كيف تعاملت مع كتاباتك المتعلقة بالتاريخ؟
- أفضّل تعبير هو «روائية التاريخ»، ومثل تلك الأعمال هى أدبية فى المقام الأول، فالتاريخ مجرد ديكور نزخرف به الأعمال، والفرق بينهما أن التاريخ ثابت والخيال متحرك.
■ هل تتابع الإنتاج الأدبى العربى المعاصر؟
- لسوء الحظ، بعد نصف قرن من الإقامة فى فرنسا فقدت معرفتى باللغة العربية، وأنا نادم على ذلك كثيرا، فأنا أقرأ فقط الروايات المترجمة إلى الفرنسية مثل تلك التى كتبها نجيب محفوظ، وأيضاً جمال الغيطانى الذى أقدره كثيرًا.
■ دعنا نتحدث عن فلسطين.. كيف ترى محاولات تهويد القدس؟
- أخاف من أن أعذب قراءكم.. أود أن أقول إن الحلم الفلسطينى مات لأن العرب قتلوه بشراسة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، للأسف هذا واقع، فلن تكون هناك دولة فلسطينية حتى لو أصبح المهاتما غاندى رئيسًا لوزراء إسرائيل، لأن ذلك ببساطة أصبح مستحيلًا جغرافيًا.
ومن ناحية أخرى، أرى أيضًا أن الحلم اليهودى مات، فأولئك الذين حلموا بدولة يهودية خسروا أيضا، نحن اليوم- سواء كان ذلك يجعل الصهاينة سعداء أم لا- فى دولة ثنائية القومية، وهذا واقع يؤكد نفسه مع مرور السنين، ومستقبلا- ربما فى غضون عقدين إلى ثلاثة عقود- إسرائيل لن تكون موجودة كدولة يهودية، وسيجرى عليها ما جرى على جنوب إفريقيا، نظام عنصرى «أبارتايد» تتزايد عدم سماحته يوما بعد يوم، ثم يحدث تقاسم السلطة.
أعلم أن الأمر يبدو خياليا، لكن سقوط جدار برلين وجلوس الرئيس الأسود فى البيت الأبيض كانت أيضا مجرد أفكار مثالية.
■ عديد من المفكرين والكتاب العرب ينادون بقبول الكيان الصهيونى فى غزل مفضوح سعيًا للحصول على جائزة نوبل.. ما تعليقك؟
- لا أكن لمثل هؤلاء سوى كل ازدراء، وما تقوله يرتبط بما قلته لك سابقا، لقد قتل العرب القضية الفلسطينية بشكل أكثر فعالية من الإسرائيليين، وهؤلاء الكتاب والمفكرون شركاء فى الجريمة للأسف.
■ هناك العديد من الأدباء هاجروا إلى فرنسا.. كيف ترى إسهامهم فى الأدب الفرنسى؟
- أعتقد أن أشخاصا مثل أمين معلوف، وروبير سوليه، وربما أنا، ألقينا ضوءًا جديدًا أو مختلفًا عن الشرق الأوسط أو لبنان أو مصر، لقد عرف الفرنسيون بلدنا بشكل أفضل، ويمكنهم اكتشاف وجهة نظر أخرى مخالفة لوجهة النظر الغربية السائدة، ومثال على ذلك روايتى «المصرية»، وحقيقة نحن جسور بين الغرب والعالم العربى.
■ بعد سبع سنوات من الربيع العربى.. كيف تنظر إلى الوضع الحالى فى العالم العربى؟
- سأخيب آمالك مرة أخرى؛ أنا حزين ويائس، فبسبب انعدام الوحدة بين العرب، تهاونًا أمام تدمير العراق وسوريا وليبيا دون أى ردة فعل تذكر، ولكن فى عهد عبدالناصر «بغض النظر عن حبى له من عدمه» إلا أنه كان للعرب صوتًا مسموعًا، فأين الكرامة وأين القومية أين هو الزخم السحرى للفخر؟ لا أعرف كيف ستتطور الأمور، لكننى متشائم.
■ فرنسا شاركت فى الهجوم الجوى ضد سوريا.. كيف ترى ذلك؟
- الغرب تعامل مع المأساة السورية بشكل عام بأسوأ طريقة ممكنة، أما بالنسبة للغارة الجوية فإنى أعتبرها مزحة سخيفة، فإذا كان الأمر كذلك، لا بد أن ندرك أنه يجب علينا أن نفكر فى حل سريع ومن خارج الصندوق للأزمة السورية.
لم يعد الأمر شأنًا داخليًا مع سوريا، بل كان موعدًا حدده جميع الحمقى فى الأرض لقتل بعضهم البعض «حزب الله، وإيران، والأكراد، والأتراك، والمؤيدون للأسد، والمناوئون له، والعلويون، والسنة، وداعش»؛ إنها كارثة إنسانية بكل المقاييس.