رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مترو فرنسا وإعلام سوريا والعراق


المفارقة لافتة وواضحة، خطاب إعلامى وسياسى شديد الفشل، منعدم الإقناع، فحين يغيب الرضا العام تصبح القرارات الصعبة أمرًا شديد الخطورة، صحيح أن تحمل الناس قرارات صعبة سابقا كان أمرًا لافتًا للإعجاب، فحين جرى اتخاذ قرار تعويم الجنيه، أدى بكل تأكيد لزيادة واضحة فى أسعار السلع والخدمات، وكانت دعاوى ما أطلق عليه مظاهرات ١١١١ تملأ السوشيال ميديا، وتحمل المصريون الأمر.
صحيح أن المرارة كانت فى الحلق، لكنهم أثبتوا احتمالا وصبرا، نادر التكرار، الأمر الذى أثار إعجاب الرئيس معبرا عن امتنانه وسعادته من موقف المصريين الراقى، وانحيازهم للمصلحة العامة، ومرور يوم ١١١١ دون أى مشاكل. تحمل المصريون ارتفاع أسعار البنزين والكهرباء والسولار والبوتاجاز، وصاحب ذلك ارتفاع متصاعد فى أسعار السلع والخدمات، بعض ذلك الارتفاع كان قرارا، والآخر جشعا من تجار أرادوا الاصطياد فى الماء العكر، وتحقيق أكبر ربح على حساب الناس، وسط غياب لتطبيق قوانين رادعة تعاقب المحتكرين، ثم جاءت الزيادة الأخيرة لأسعار تذاكر المترو وسط سخط عام واضح ولافت، ومع ثبات الدخل وتزايد مسعور فى الأسعار تصبح القدرة على الصبر والاحتمال ضعيفة، ولأول مرة يصل مستوى الغضب العام إلى السطح بهذه الصورة. المرارة لم تعد فى الحلق فقط، فبعد عدة قرارات مستفزة اتخذتها الحكومة والبرلمان جاءت الزيادة الأخيرة، فقد طعنت الحكومة على حكم نهائى صادر عن مجلس الدولة بضم علاوات للمعاشات، الأمر الذى يترتب عليه زيادة لتلك المعاشات كان ينتظرها أصحابها، والمثير للسخرية أن الطعن جرى أمام محكمة الأمور المستعجلة غير المختصة دستوريا، وبحكم سابق للمحكمة الدستورية بعدم اختصاصها، لكن كان الهدف واضحا بإيقاف هذه الزيادة بأى طريقة، ثم أصدر البرلمان قانون زيادة معاشات ومرتبات الوزراء، ولم يمر وقت حتى جاءت زيادة تذاكر مترو الأنفاق، الأمر الذى استفز قطاعات شعبية لتعبر عن حنقها بشكل علنى لأول مرة فى فترة حكم الرئيس، وشهدت جميع محطات المترو وأماكن العمل الحكومية وغيرها، حديثا علنيا ساخطا على أداء الحكومة وقرار الزيادة، وصل الأمر إلى انفعالات ومشادات فى محطات المترو، وسط تكثيف أمنى شديد، ثم جاء خطاب وزير النقل شديد البؤس، فضربُ المثال بأسعار المترو فى أوروبا ليس بالأمر المقنع، فلا متوسطات الدخل متقاربة، ولا مستوى الخدمات الحكومية متشابه، ودافع الضرائب كمواطن أوروبى قادر على محاسبة الحكومة بكل الطرق، بينما لا يمكننا معرفة مسار مناقشات الموازنة العامة للدولة فى البرلمان، نظرًا لقرار منع إذاعة الجلسات، لا يمكن تطبيق اقتصاد السوق الحرة وسط انغلاق سياسى، وعدم القدرة على المناقشة والحوار بكل شفافية، وعدم القدرة على الوصول للمعلومات. الاقتصاد هو انعكاس للسياسة، الاقتصاد أخطر من أن يترك للاقتصاديين وحدهم، فأى قرار اقتصادى هو قرار سياسى، يحتاج لرضا عام ليمر، فلا يمكن أن تطلب منهجا أوروبيا فى الاقتصاد، مع سياسة لم تغادر بعد أحادية الصوت الواحد فى الشرق. كيف يمكن تطبيق اقتصاد نيوليبرالى مع سياسة الاتحاد الاشتراكى؟!، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، واتهام لأى رأى مخالف بأنه إخوانى وعميل. فحين يخرج وزير النقل بحديث عن أن الرافضين لقرارات الزيادة إخوان، يصبح حديثه معزولا تماما عن الواقع، وحين تطلب من الناس أن يتحملوا أسعار مترو فرنسا دون أن تدرس كم يمثل ثمن تذكرة مترو فرنسا كنسبة من متوسط الدخل. لا يمكن كذلك حين يطالبك أحد المواطنين بدخول مشابهة أو بديمقراطية وشفافية ومحاسبة مشابهة، أن تنسى كل حديثك عن أسعار أوروبا، وتبدأ الحديث إعلاميًا وسياسيًا عن أننا أحسن من سوريا والعراق!.