رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملابس المصريين


لم تتغير ملابس الفلاحين المصريين كثيرًا منذ أيام الفراعنة، فكانت ملابسهم المرسومة تقترب كثيرًا من فكرة الجلباب الذى لا يزال يلبسه الفلاحون حتى اليوم، فـ«الجلابية المصرية» هى التطور الطبيعى للقميص الذى ذُكر فى سورة سيدنا يوسف، ولكنه تحور ليناسب العمل الزراعى، فكان الجلباب واسعًا ليسهل ربط جزئه السفلى عند الوسط ليبتعد عن المياه والطين، وكانت الأكمام واسعة ليسهل طيها، كما كان الجلباب دون رقبة، ليتحمل الحرارة ولا يضايق الجسم كثيرًا.
فى مطلع ثورة ١٩٥٢، كانت لدى رجال الثورة تطلعات جوهرية لتغيير حياة المصريين، كان الشعب المصرى حديث العهد بالممارسة السياسية، وكان رجال يوليو من ضباط الجيش من أوائل الدفعات التى سُمِح فيها لأبناء الطبقة المتوسطة بالالتحاق بالكليات العسكرية، لأجل هذا كانت كل أفكارهم تنحصر فى محاولات رفع شأن هذا الشعب، من خلال عدة محاور. منها تمليكه الأرض الزراعية، وسن القوانين التى تجعله يعيش حياة كريمة، مثل تخفيض إيجارات الشقق، وتأبيد العلاقة الإيجارية وصعوبة التخلص منها، وفضلًا عن ذلك حاولت أن ترتفع بالتعليم لتجعله مجانًا لكل الشعب من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة.
كما حاولت تحسين المظهر الخارجى للناس، وجعلهم يتخلصون من محاولة تقليد الطبقة العليا بارتداء الملابس الكاملة أثناء العمل فى الدواوين والمصالح، وأيضًا التخلص من التبعية القديمة للأتراك بارتداء الطربوش، الغطاء الرسمى للرأس فى العهود العثمانية.
لذلك شكلت الثورة لجنة تسمى لجنة الزى، برئاسة وزير الشئون الاجتماعية وعضوية ممثلين من الجيش والوزارات والمصالح ونقابة الصحفيين. وذلك لبحث مسألة توحيد الزى للمواطنين، ومن بين القرارات التى صدرت عدم تقييد الموظفين بارتداء الطربوش، أو رباط العنق أثناء العمل، وبعدها طرحت فكرة البدلة الشعبية، كبديلٍ عن الجلابية. كما يذكر التاريخ أن تلك اللجنة بوزارة الشئون الاجتماعية أعلنت الحرب على «الملاية اللف» عام ‏١٩٥٨‏ وقالت‏:‏ إنها لا تتفق مع الحشمة والذوق واللياقة، ولا تتناسب مع طبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد‏.‏
وفى عام ‏١٩٦٤‏ كانت هناك حملة أخرى قادتها وزارة العمل ضد «الجلابية الرجالى»،‏ حيث تقرر عدم السماح للعمال بارتدائها فى المصانع والترويج للبنطلونات والجاكيتات، أو ما يُعرف بالبدلة الشعبية. وكان يرتديها كبار المسئولين.
وفى عام ١٩٦٨ كانت هناك مطالبات لقيادات الدولة، بمنع ارتداء المينى جيب فى الشارع وفى اجتماع لجان الاتحاد الاشتراكى تحدث الشيخ عاشور إمام مسجد المرسى أبوالعباس بالإسكندرية، مطالبًا الرئيس جمال عبدالناصر بإصدار قانون بمنع المينى جيب، فأجابه الرئيس قائلا، إنه لو أصدرت الدولة قانونًا بمنع المينى جيب، معناه أن البوليس له الحق فى اعتراض كل سيدة تسير فى الشارع، وهذا شعور يؤذى الجميع‏..‏ لأن المفترض أن كل رب عائلة هو الذى يُصدر هذا القانون.
كانت نكسة يونيو ١٩٦٧قد أفرزت تناقضات سلوكية ظهرت فى أزياء تلك المرحلة، وفى عام ١٩٦٨ ‏اضطر عميد كلية الفنون الجميلة إلى إصدار بيانٍ يحث فيه الطالبات على الالتزام بارتداء الأزياء الملائمة بعد أن تم تهديد الكلية بالحرق لارتداء بعض الفتيات المينى جيب‏، وقتها كانت بعض التنظيمات الدينية قد بدأت تطل برأسها.
وبعد أن سافرت الموجات الأولى من المصريين فى أوائل السبعينيات، عادت وهى ترتدى الجلباب الأبيض السعودى والخليجى الضيق، وظهر الحجاب، كتأثير للهجمة الوهابية التى داهمت مصر، وشيئًا فشيئًا انتشر هذا الجلباب والحجاب، لرخص ثمنه، مقارنة بمثيله المصرى المصنوع من القطن، وما زال هذا الجلباب مهيمنًا على ملابس الرجال حتى وقتنا الراهن.