رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تضييق الفوارق وليس تضييق المعدة


ما هذا الهوس الإعلامى، للتخلص من السمنة، وتحديد السعرات الحرارية التى تدخل أجسامنا؟. برامج عديدة، تستضيف خبراء فى الأكل، والشرب، وشفط الوزن الزائد، وتضييق المعدة بالأحزمة، والدبابيس.. برامج إعلامية مكثفة، مقررة يوميًا، تقدم للشعب المصرى، المواعظ والأوامر، والنواهى، تخص ما يدخل رئتيه، وما يدخل مزاجه، وما يدخل معدته.
فى هذه البرامج، يتم إظهار الناس، على أنهم ليسوا فقط مخطئين فى حق أنفسهم. ولكنهم أيضًا يضرون مجتمعهم. فالشعب المريض، لن يكون أداة إنتاجية مثلى. فى هذه البرامج تغيب مسئولية المجتمع، عن أمراض الشعب، أو لجوئه إلى عادات غذائية مضرة. كل البرامج الإعلامية، تتكلم عن أمراض الناس واضطرابات الأفراد، وأنماط الحياة غير المتزنة للرجال والنساء. ولا نجد برنامجًا واحدًا، يتكلم عن أمراض المجتمع.
لا يوجد برنامج واحد، يناقش الأضرار الصحية، والاضطرابات النفسية، والعصبية، والجسمية، الناتجة عن الضوضاء. وينتقد الحكومة التى تسمح بكل أنواع التلوث البيئى.. يحذرون الناس من الإفراط فى الأكل، وينسون أن الذين يفرطون فى الأكل، نسبة ضئيلة متيسرة. أما الغالبية فلديهم الوزن الأدنى للبقاء على قيد الحياة.
إن المرأة مثلًا، التى تفرض عليها أدوار حددتها الثقافة الذكورية لا تسعدها، لن تنفعها طرق التخسيس. المشكلة ليست فى الأكل. ولكن مع منْ تأكل هذه المرأة؟. وفى أى إطار؟. ولماذا تأكل؟. وما الثمن الذى تدفعه لتأكل؟.. إن الإنسان الذى يعيش حياة ضد إنسانيته، وضد كرامته، يستحيل أن يكون سليم العقل، أو سليم الجسم. ولن تنفعه أدوية العالم، ونصائح الأطباء. ننام، ونصحو، على أخبار الإرهاب، والحروب، والمجاعات، والجرائم البشعة من أجل الفلوس، أو الانتقام، أو الشرف، أو الثأر.
نعيش مع زعيق الميكروفونات، ونشم عوادم السيارات، ونفايات الثقافة، وإعلانات المنتجعات الفاخرة.. نتعرض للكذب وللخيانات كل يوم.. نعاصر عدم العدالة، والفساد الذى يتحايل على القانون، والازدواجية الأخلاقية التى ترسخها العادات والتقاليد البالية، والتعصب العنصرى، والدينى الذى أصبح متأصلًا فى الوجدان. هل يمكن أن نعيش وسط كل هذه الأمراض، ولا نمرض؟.. هل يمكن أن نتواجد على كوكب محترق، دون أن تمسنا النار؟.
السلاح أهم من الإنسان. والمال أهم من الإنسان. السُلطة أهم من الإنسان. أهذا عالم؟.. من المستحيل أن نكون أسوياء، على كوكب مريض. وأن نفكر فى الرشاقة، وسط قيم مترهلة.. وأن نشعر بالسعادة فى عالم يعيش على جثث الفقراء والمهمشين، والنساء، والضعفاء، والنازحين من أوطانهم.. وأن نكون عقلاء فى حضارة مختلة. كيف ننجو، ونحن على سفينة غارقة؟. لنتكلم عن «حزام الفقر»، و«حزام القهر»، لا عن «حزام المعدة».. و«تضييق الفوارق» بين الناس، وليس «تضييق المعدة».