رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلامى محمد محمود شعبان.. «بابا شارو» الإعلام المصرى


وُلد محمد محمود شعبان فى ٢٥ سبتمبر ١٩١٢ بحى الرمل بالإسكندرية، وكان أكبر إخوته. وكان والده محمود شعبان سلامة يعمل فى مجال المقاولات وكان من أشهر المقاولين فى عصره وكان يرغب فى التحاق ابنه الأكبر «محمد» بكلية الحقوق أسوة بالزعيم سعد زغلول. ولكن حدث أنه التحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وتخرج فى قسم الدراسات اليونانية واللاتينية عام ١٩٣٩، ثم التحق بالإذاعة فور تخرجه بتزكية من د. طه حسين عميد كلية الآداب فى تلك الفترة وأستاذه، حيث عمل بالإذاعة كمقدم برامج ومذيع.

بالإذاعة تعرف على شريكة حياته أم الإذاعيين «صفية المهندس» (١٩٢٢ - ٢٠٠٧)، ليكونا معًا من أبرز مؤسسى الإعلام المصرى والعربى. وكان سبب عمله ببرامج الأطفال هو غياب مُقدم البرنامج، فتم تكليفه بالحلقة وحدث خطأ مطبعى فى النشرة التى يقرأ منها المُذيع على الهواء، فبدلًا من كتابة «بابا شعبان» تمت كتابة «بابا شارو»!!، وبعد إذاعة الحلقة أحبه الناس والأطفال وتم تكليفه ببرنامج الأطفال بنفس الخطأ ليظل اسم «بابا شارو» علامة مميزة فى الإذاعتين المصرية والعربية. كما قدم برامج درامية وغنائية وصورًا موسيقية أشهرها: «عيد ميلاد أبوالفصاد» و«أصل الحكاية الدندرمة» و«الراعى الأسمر» و«عذراء الربيع جلنار» و«صندوق اللعب» و«دبدوبة فى المدرسة».

قدم أحاديثه للأطفال على مدى ٢٠ عامًا طوال الفترة (١٩٤٠ - ١٩٦٠) فساهم بذلك فى تشكيل وصياغة وجدان الطفل المصرى والعربى من خلال برنامجه «حديث الأطفال»، وتولى قيادة أجيال من الأطفال أصبحوا شبابًا وكبارًا واحتلوا أهم المواقع، واكتشف الكثير من المواهب الذين أصبحوا نجومًا مثل «نجاة» و«سعاد حسنى» وغيرهما. وقدم مع «طاهر أبوفاشا» حلقة من «حكايات ألف ليلة وليلة» كبرنامج إذاعى قام ببطولته العديد من أشهر الممثلين، كان أبرزهم «زوزو نبيل» فى دور «شهرزاد»، كما قدم ٣٠٠ حلقة درامية من كتب «الأغانى» للأصفهانى، وفى مجال ثقافة الطفل تنوع عطاؤه فى مختلف الفنون الإذاعية فقدم «بكير بياع الفطير» و«كليلة ودمنة» وهى من التراث القديم، و«جحا وظريفة والحمارة اللطيفة» وبعض الصور الخيالية مثل «طرزان فى الغابة» وغيرها من الأوبريتات التى ساهمت فى تثقيف أجيال كثيرة. وله عدد كبير من البحوث والدراسات فى فروع الفن الإذاعى المختلفة. أنشأ معهد التدريس الإذاعى والتليفزيونى، وقام بالتدريب فيه، كما قام بالتدريس فى قسم الدراسات العُليا بكلية الإعلام جامعة القاهرة.

عمل أستاذًا زائرًا لكلية الإعلام بجامعة الرياض بالسعودية، وأستاذًا متفرغًا بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية حيث أنشأ بها كلية الإعلام، وحاضر لعدة سنوات بمعهد السينما والفنون المسرحية بأكاديمية الفنون بمصر، وكان أول مصرى يدرس فنون التليفزيون.

تدرج فى العديد من المناصب القيادية حتى أصبح رئيس الإذاعة. نال العديد من الجوائز منها وسام الاستحقاق عام ١٩٥٤ ووسام الجمهورية عام ١٩٦٧ وشهادة تقدير من المركز الكاثوليكى عام ١٩٧٩ بمناسبة عام الطفل الدولى، وشهادة الجدارة من أكاديمية الفنون عام ١٩٨٠، وجائزة «العطاء» الذهبية لأطفال مصر عام ١٩٨٠، وشهادة تقدير للرواد الأوائل من الإذاعة المصرية فى الاحتفال بيوبيلها الذهبى. كما فازت الإذاعة فى عهده بالجائزة الأولى فى مؤتمر اتحاد الإذاعات الإفريقية عام ١٩٧٠، وكرمته وزارة الإعلام رئيسًا للدورة الثانية بمهرجان الإذاعة والتليفزيون، ورئيسًا شرفيًا لدورة ١٩٩٨، وأطلق اسمه على استديو ٣٧ بالإذاعة بعد وفاته فى ٩ يناير ١٩٩٩.

أما معركة عدم حصوله على جائزة الدولة التقديرية فتسجلها لنا الأستاذة «صافى ناز كاظم»، فقالت: قبل وفاة «بابا شارو» قامت جامعة المنيا بترشيحه لجائزة الدولة التقديرية، وقام د. جابر عصفور بإبلاغ الخبر - عبر الهاتف - للأستاذة «صافى ناز كاظم» وذلك فى يوم السبت ٢ يناير ١٩٩٩ والتى قامت بدورها بإبلاغ الخبر على الفور لـ«بابا شارو» وزوجته السيدة صفية المهندس، وعبرا عن فرحتهما وإن لم يخف «بابا شارو» تعجبه من أن يأتى الترشيح من جامعة المنيا وليس من جامعة القاهرة التى تخرج فيها عام ١٩٣٩، وقال بالتحديد: «كيف تتجاهلنى جامعة القاهرة وأنا خريجها منذ ٦٠ عامًا وأنا الوحيد الباقى على قيد الحياة؟»، بعدها اتصلت الأستاذة «صافى ناز كاظم» بالدكتورة عواطف عبدالرحمن وقالت إنها ستنقل الخبر إلى الأستاذ عبدالعظيم حماد لنشره بجريدة الأهرام، وقد تم نشره بالفعل يوم الإثنين ٤ يناير ١٩٩٩، وكل هذا كان قبل رحيل بابا شارو ظهر السبت ٩ يناير ١٩٩٩، وفى يوم الأحد ١٠ يناير تم بث لقاء مع رئيس جامعة المنيا فى سهرة إذاعية على البرنامج العام، قدمتها الإعلامية شيرين غالب، عبر فيها عن تشرُف جامعة المنيا بترشيح «بابا شارو» لجائزة الدولة التقديرية، وأنه سعيد بأنهم فعلوا ذلك قبل رحيله بأسبوع. المؤسف أن المجلس الأعلى للثقافة - على لسان المتحدث باسمه - قال إن اسم «بابا شارو» لم يُعرض أصلًا على لجنة الجوائز بدعوى أن ترشيحه للجائزة تم بعد وفاته!!، فكيف حدث هذا فى مؤسسة ثقافية محترمة؟، وبذلك تم حرمان «بابا شارو» من جائزة الدولة التقديرية التى كان يستحقها عن جدارة لمشوار وعطاء إذاعى وإعلامى استمر لأكثر من ٦٠ عامًا!!.

وهكذا رحل الإعلامى القدير محمد محمود شعبان.. بابا شارو الإذاعة المصرية.. تاركًا فى نفوس المصريين ذكريات طيبة لن يهملها التاريخ.