رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لا يتعلم اليسار من فارسه؟


الفرسان لا تموت
الأفكار لا تموت
المبادئ لا تموت
«فأما الزبدُ فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض»، كل ما ينفع الناس قطعًا لا يموت. حين غاب عنا جسد الفارس النبيل خالد محيى الدين، لا يعنى ذلك بأى حال أن ذكراه انتهت، فالرجل ترك تجربة حية ملهمة، شديدة السطوع، ستستمر أبدًا كالشمس تنير الطريق.

تساءلت منذ سنوات: ماذا أصاب اليسار المصرى بعد تقاعد الزعيم الكبير خالد محيى الدين؟!، أين غاب ذلك التأثير الذى صاحب حزب التجمع منذ تأسيسه على يد فارس الديمقراطية عام ١٩٧٦م، ليجعل منه نبراس اليسار الأول فى مصر، وأحد أهم أركان اليسار فى العالم العربى.

فالرجل المولود فى بلدة كفر شكر شمال القاهرة عام ١٩٢٢م - التى أفخر أن أصولى ترجع إليها - ولد لعائلة كبيرة ميسورة الحال، تمكن من التخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٤٠م، وكان من ستة مؤسسين للخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار والتى عرفت بلجنة القيادة، وهى الخلية التى ضمت إلى جانب خالد محيى الدين «جمال عبدالناصر، عبدالحكيم عامر، عبدالمنعم عبدالرؤوف، كمال الدين حسين، حسن إبراهيم»، كان مقربا لهذه الدرجة من قيادة تنظيم الضباط الأحرار، لكنه حين اختلفت قناعاته مع قناعات مجلس القيادة، وقد كانوا فى أوج سلطتهم بعد نجاح ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، لم ينافق أحدا، واتخذ موقفه المناصر للديمقراطية كما رآها، وأدت هذه الأزمة فى ١٩٥٤م إلى ابتعاده عن مجلس القيادة، ثم ابتعاده عن البلد ككل لسنوات، لكنه بعد عودته، وفى عام ١٩٥٧م اتخذ موقفا سياسيا واقعيا، ونزل انتخابات مجلس الأمة عن دائرة كفر شكر، ونجح بها ممثلا نيابيا تاريخيا عن الدائرة، واستمرت نيابته عنها سنوات وسنوات، خاض خلالها معارك سياسية كبرى دفاعا عن الفقراء، ومطالبا بالعدالة الاجتماعية، ومناصرا لقضية الشعب الفلسطينى، لم ينزو الفارس خالد محيى الدين مطالبا بمقاطعة الانتخابات مثلا، ولم يعقد تحالفات مع أعداء للوطن كالإخوان وغيرهم، لكنه عارض السياسات التى اختلف معها بكل نبل، ودافع عن رؤاه بكل شرف، حتى فى أشد أوقات الخلاف بينه وبين حكم الرئيس السادات، استمر فى جعل حزب التجمع الحزب الأول المعبر عن اليسار، والمتبنى لقضايا العمال والفلاحين، عارض السادات بقوة، وصعّد السادات ضرباته الأمنية على حزب التجمع، لكن كل ذلك لم يمنع الفارس خالد محيى الدين من مواصلة ما يؤمن به، ولم يتأثر ابن الأغنياء الذى اختار الاشتراكية ودافع عن الفقراء، كان يمكن لخالد محيى الدين أن يبقى قريبا من السلطة، لكنه اختار مبادئه، وكان يمكن أن يجلس فى بيته يلعن فى السلطة التى تضيق على الديمقراطية، وفى عصر السادات تنحاز انفتاحا ضد الفقراء، لكنه اختار طريق النضال مع الجماهير، وليس «التنظير» عليهم، اختار أن يحفر بيديه - ورغم الصعوبة - دربا للديمقراطية، لا أن يتحدث عنها كأنها أمانٍ نحلم بها، ولا نعمل عليها، لا ينبغى أن يأخذنا رثاء رجل بقامته وقيمته، دون أن نواجه أنفسنا، أين فى اليسار المصرى رجل بشعبية خالد محيى الدين؟، من يشتبك مع مشكلات الجماهير باحثا معهم عن الحل، لا أن يصدعنا ضجيجا بلا طحين؟. يترفع الآن «المناضلون الكبار» عن خوض أى انتخابات، مكتفين بحديث عن قدراتهم العظيمة، وأنهار اللبن والعسل التى تنتظرنا، إذا ما أصبحوا هكذا بقدرة قادر فى سدة الحكم!!.
ويبقى السؤال: لماذا لا يتعلم اليسار المصرى من فارسه؟!.