رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة مع المقاطف والجرادل والخرفان


دون إطالة أو مقدمات سأحكى لكم قصة من وحى الخيال، وخيالًا من وحى الحقيقة، فبينما أنا فى يقظتى رأيتُ نفسى ومعى أحد الإخوة كان ذات يوم عضوًا فى جماعة الإخوان ثم قرر بينه وبين نفسه أن يستقيل ولكنه لم يخبر أحدًا من الجماعة بما عزم عليه.
قال لى الأخ: تعال معى يا صديقى فى رحلة عجيبة.
قلت له وأنا فى حالة من الوجل: إلى أين يا أخى؟.
قال: أحب أن آخذك إلى مكان لا يذهب إليه أحدٌ أبدًا إلا إذا كان عضوا فى جماعة الإخوان.
سألته: ما هذا المكان؟.
قال: هو مكان إعداد أفراد الجماعة، ويتم إعدادهم فى مكان سرى لم يذهب إليه أحد من غير الإخوان.
قلت: وكيف سندخل؟
قال: الأمر بسيط، فأنا ما زلت فى الإخوان وكنت مسئولا عن توريد الإخوة. المهم أننى رأيت هيئتى فجأة وقد تغيرت، ولحيتى قد طالت، وشاهدت زبيبة الصلاة على جبهتى، ثم أخذنى صديقى هذا وذهب بى إلى منطقة الواحات، ثم توغل بى فى الصحراء إلى أن وجدنا أنفسنا أمام سور كبير وفى منتصفه بوابة كأنها بوابة سجن، قال صديقى لمسئول الأمن على البوابة: معى وارد جديد أريد أن أسلمه للإخوة فى الداخل، وفى التو دخلنا واجتزنا عدة بوابات أخرى، وأخيرا تسلمنى الأخ المختص، أخذ يتفحصنى ثم قال للأخ: هل أنت واثق أنه يصلح كمقطف أو جردل؟.

رد صديقى: والله يا أخى الفاضل نحن فى القسم عندنا مسحنا عقله، وهو الآن تحت يديك إن شئت جعلته جردلًا وإن شئت جعلته مقطفًا. أدخلونى بعد ذلك إلى قاعة فسيحة فوجدت فيها عشرات الشباب يجلسون على الأرض ويقف فى المقدمة رجلٌ متوسط العمر، جلست فى الصف الذى حددوه لى، ثم أخذ الأخ الواقف فى المقدمة يقول: قولوا ورائى: «أنا الإسلام والإسلام أنا»، أخذنا نكرر هذه الكلمة مائة مرة، ثم قال الأخ: قولوا ورائى مائة مرة: «من انتقد الإخوان انتقد الإسلام»، فأخذنا نكرر هذه العبارة كما قال لنا، وفى نهاية الجلسة طلب منا الأخ المسئول أن تكون هاتان العبارتان هما الوِرد اليومى لنا نقولهما فى الصباح والمساء، ظللت فى هذا المعسكر عدة أيام، أخذنا فيها العديد من العبارات منها «ماء السماء الطهور ملكٌ لنا»، عبارة «الدنيا والجنة لنا وسدرة المنتهى إن أمكنَ». أصبحت هذه العبارات هى المأثورات التى نكررها يوميا، ومع تلك التمرينات الشفوية أدخلونا فى تمرينات عملية، وكان من التمرينات أن يضرب الأخ أخاه بالقلم على وجهه فجأة دون أن يكون هناك سبب، فإذا غضب الأخ وقال لماذا ضربتنى قال له الأخ الضارب: ضربتك وفقا لتعليمات المرشد، وهنا يجب على الأخ المضروب أن يقبل يد الأخ الذى ضربه حبا وكرامة، وبعد درس ضرب الوجه بالأقلام يجب أن يردد الإخوة جميعا عبارة «الإخوة فى مكتب الإرشاد يفهمون ما لا نفهمه ويعرفون ما لا نعرفه، وهم على حق والعالم كله على باطل».

ومن التمرينات العملية طلبوا منا أن نروى أرضا زراعية داخل المعسكر، على أن نرويها بالماء من خلال قطـَّارة صغيرة من قطَّـارات العيون، فكنا نظل اليوم بطوله ونحن نضع الماء من الصنبور فى القطـَّارة ثم نذهب بالقطـَّارة للأرض المزروعة، ثم نضع الماء قطرة قطرة فى الزرع، وطبعا لا مكان للاعتراض.

أما اليوم الثالث فى التدريبات فمخصص لتقبيل اليد، نعم تقبيل اليد، تبدأ تمرينات التقبيل بتقبيل يد مسئولى المعسكر، وبعد تقبيل اليد يقوم الأخ بتمريغ جبهته فى التراب للدلالة على الطاعة العمياء، وفى نهاية اليوم حضر للمعسكر أحد كبار الإخوان فطلبوا منا الذهاب إليه فى القاعة وتقبيل يده، ولكننى لاحظت أمرا غريبا، فالممر الذى يؤدى للقاعة الفسيحة يتدرج سقفه فى الانخفاض حتى إننا فى نهاية الممر لا نستطيع أن ندخل الحجرة إلا إذا انحنينا تماما، وهو انحناء ما قبل الزحف، وعندما ندخل الحجرة نجدها شديدة الاتساع وسقفها مرتفع وله قبة على نسق العمارة اليونانية، بحيث تبعث هذه المساحة الفسيحة وهذا الارتفاع رهبة فى النفوس، وعلى الأخ أن يسرع بتقبيل يد ذلك الأخ الكبير وهو ينحنى انحناءة كبيرة.

اجتزنا جميعنا الاختبارات الأولى والتدريبات المضنية، ثم دخلنا إلى المرحلة الرابعة وهى عبارة عن دروس دينية يلقيها علينا بعض كبار الإخوان، كان الدرس الأول هو أن السب والشتم من الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاهد الكفار بالشتيمة، وأن سيدنا أبابكر الصديق قال لأحد الكفار عند صلح الحديبية «امصص بظر اللات»، أى أن سيدنا أبابكر كما قال الأخ لنا شتم الكافر بعضو الأنوثة لأمه ولآلهته، وكان من الدرس أن المجتمع الذى نعيش فيه هو مجتمع الجاهلية، وهو أشد جاهلية من جاهلية القرون الأولى، وأن الذين لا ينتمون للإخوان ليسوا مسلمين وبالتالى يجوز شتمهم وسبهم بأقبح الألفاظ، ويجوز الدخول إلى شبكة الإنترنت وتعقب المختلفين مع الإخوان وسبهم بالأم والأب واتهامهم فى أعراضهم، لم يسأل أحد من الإخوة أعضاء المعسكر عن السند الشرعى فقد كان من الواضح أنهم تلقوا دروسا سابقة عن هذا الأمر، ولكن الأخ المحاضر قال إن كل من هو خارج الإخوان يعتبر من الفاسقين وبالتالى لا غيبة لفاسق، وحلال عِرضه.

وفى اليوم الخامس للمعسكر أخذوا فى تدريبنا على كيفية دخول الإنترنت والفيسبوك وإنشاء الصفحات والدخول إلى تويتر وعمل تغريدات وتويتات، وكان من التعليمات أن يقول الأخ إنه ليس من الإخوان ولكنه يحبهم لأنه وجدهم أفضل أهل مصر، وإنهم أطهار وطيبون وصالحون، وبعد ذلك كانت التوصية بأن يقوم الأخ بسب وشتم أى مخالف للإخوان أو منتقد لهم، وقال لنا الأخ المحاضر: اشتم بما تريد وكيف تريد، فالمطلوب هو إرهاب أى شخص ينتقد الإخوان حتى يكف عن الانتقاد، المطلوب هو اغتيالهم معنويا وتلويث سمعتهم وإطلاق الشائعات عليهم حتى لا يستطيع الواحد منهم الخروج إلى الشارع، اتهموهم فى ذمتهم المالية، قولوا إنهم يحبون الرذيلة، وكل من كان فى الإخوان وتركنا قولوا عنه إنه كان فاسدا وعميلا لأمن الدولة، وإن الإخوان اكتشفوا فساده فطردوه لذلك فهو ناقم عليهم، حاصروهم فهم أعداء الله، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وأنتم الذين ستفتحون الطريق لنور الله كى ينتشر فى المجتمع، ولكن بعد أن نقضى على المعارضين للإخوان.

اليوم الأخير للمعسكر، كان عن الدماء وحق الإخوان فى قتل أعداء الجماعة لأنهم يحاربون الإسلام، ثم تم تدريب كل أخ على ذبح أكبر عدد من القطط ليتعود على رؤية الدماء، ثم فى النهاية طلبوا منا أن ننشد نشيدا واحدا طوال اليوم، هو: نحن الإخوان أنصار الله، نحن الإسلام يا عباد الله، وسنقضى على أعداء الله، وسنذبح جيش المصريين، قولوا آمين، قولوا آمين.

انتهى المعسكر، ثم سرعان ما خرجتُ من المكان مع الدفعة الجديدة، وبعدها وجدت نفسى فى مكانى بحجرتى التى كنت أصلى فيها، جالسا على سجادة الصلاة مستندا إلى الحائط، لا تقولوا إننى رأيت حلما فما رأيته كان أكبر من الحلم، ما رأيته كان هو الحقيقة الساخرة، أو قل: «المسخرة الإخوانية».