رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم وإعادة بنائه


مع ما طالعناه منذ فترة عن النية لتحويل التعليم الجامعى من المجانية إلى المصروفات، مع منح كاملة أو جزئية وفقًا لتفوق الدارسين، وهنا كان لزامًا علىّ أن أتوقف عن الحلقات التى بدأتها عن السلام لأهمية هذا الموضوع، وقبل أن تصدر قرارات فرض الرسوم الجامعية وتحويلها إلى منح للمتفوقين، مع افتراض النزاهة والعدالة والتجرد، سواء فى نظام الامتحانات وأسلوب التصحيح، وحتى الامتحانات بوضعها الحالى.

ويضاف إلى كل هذا الدروس الخاصة، التى ما كنا حتى نسمع عنها حين كنا فى الجامعة يوم أن كانت الدروس الخاصة فى التعليم قبل الجامعة تدعو إلى الخجل الشديد.. لأنها كانت بمثابة التهمة لمتعاطيها بالتخلف والبلادة والعجز، ولم يكن غالبية المعلمين يقبلون أن يعطوا طلابهم دروسًا خاصة بمقابل، أما إذا رأى مدرس أى مادة أن الوقت يداهمه للانتهاء من المناهج، فكان يستعير حصة أو أكثر من مدرسى التربية الرياضية أو مدرسى الرسم والأشغال اليدوية، وإذا لم يكفه هذا فكان يطلب منا ساعة قبل اليوم الدراسى، هذا بالإضافة إلى يوم دراسى كامل لستة أيام أسبوعيا والعطلة يوم واحد هو الجمعة أو الأحد وفق نوعية المدرسة (حكومية أو خاصة).

أما عن مقترح تحويل التعليم الجامعى الحكومى إلى مصروفات تبدأ بمبالغ محدودة نسبيا، وذكر رقم سبعة آلاف جنيه للطالب العادى، أما المتفوق فيحصل على منحة كاملة أو جزئية. فمع تقديرنا للمقترح المقدم وما يعتريه من تمدد تدريجى، وغالبا ما يتسارع التمدد كلما بدت الحاجة إلى المزيد الذى عادة لا يتوقف، فالشهية مفتوحة واللعاب يسيل طلبا للمزيد كما يحدث مع السلع التموينية والخدمات الحكومية مثل أسعار الكهرباء والمياه والغاز، فكلها قابلة للتمدد المتسارع دون النظر إلى دخول وأجور العاملين.. وعودة إلى الموضوع الأساسى وهو التحول التدريجى للتعليم، ولكنه غالبًا ما يكون متسارعا، بداية من الجامعى.

أما الكارثة الكبرى فهى تتمحور فى أسلوب الامتحانات الجامعية التى لم تختلف كثيرًا عن امتحانات مراحل التعليم قبل الجامعى، بل ما يزيد الطين بلة أن عمليات التصحيح غالبًا ما يقوم بها أستاذ واحد ولا يراجعه آخر، وكثيرًا ما شوهدت هذه العملية على شواطئ المصايف لضيق الوقت، أما التقديرات العالية والتى سوف تتحكم فى أسلوب توزيع المنح المجانية أو المخفضة فسوف تقتصر على نوعية من الطلاب، أخشى ألا يكون التفوق العلمى هو المؤشر بنظام التقييم الحالى الذى تحجز أماكن التعليم الجامعى به للمحظوظين الفائقين وليس بالضرورة للمتفوقين، وسمعت بأذنى من سيدة فاضلة رئيسة قسم بإحدى الجامعات وزائرة ليوم أسبوعيا لجامعة إقليمية حدثتنى أن زملاءها يلومونها إذا ما جاء تقديرها لورقة طالب عادى حصل على تقدير جيد جدا، وكان سبب اللوم أن التفوق لأبنائنا ليأخذوا مكانهم فى الجامعة وليس للعامة، وأرجو أن يجرى بعض الباحثين بأسلوب علمى حصرا لأعداد المدرسين فى الجامعة من معيد إلى أستاذ ليقدموا لنا الأعداد العاملة فى كل قسم والعلاقات الأسرية بين العاملين، مع الوضع فى الاعتبار كل الظروف الأخرى. وعودة إلى الأستاذة الفاضلة التى أرادت إنصاف المجتهدين «أن هذا الطالب فى نظرى أصابه شىء من الظلم لأن ورقة إجابته تستحق الامتياز» (هذا فقط على سبيل المثال).

أما المثال الآخر، وقد كنت شاهد عيان، وهو تكريم السيد الرئيس أوائل الخريجين من الجامعات، وكان عددهم خمسين طالبا وطالبة- وأعترف بأننى لم أعرف كم عدد أبناء هيئات التدريس وكم منهم من خارجهم- فإننى لاحظت أن إحدى المكرمات لم تكن من خريجات الجامعات الرسمية، أى الحكومية، ولكنها دعيت من إحدى الجامعات الخاصة على غير العادة على ما أظن، وأردت أن أشجعها وأنا أشارك فى تهنئة المكرمين لإحساسى أنها غريبة فى وسط فريق متقارب.
وحتى لا يقتصر هذا المقال على الجانب المعتم بعض الشىء فإنى أقدم حلا عمليا يضمن العدل والمساواة بعيدا عن فتاة الصفر الشهير، أقصد الشهرة للصفر، وليس لحامله، فالغرابة كانت واضحة ومستفزة، صفر فى جميع المواد حتى مادة الدين. لقد حالفها الصفر فى جميع أوراقها، والغريب أن من تسلم أوراقها بعد نهاية كل امتحان لم يلتفت إلى خلو الأوراق من أى إجابة وإلا لكان طلب منها أن توقع على محضر مستقل أنها قدمت أوراق الإجابة خالية من الإجابة تماما، فهذا ما يجب عمله إذا ما سلمت أوراقا خالية حتى من إعادة كتابة الأسئلة، فقد تحصل على درجة واحدة أو أكثر لحسن خطها ولكن سوف يكتشف خبير الخطوط ذلك بكل سهولة، إذا قورنت كتابة الاسم على الجزء الصغير الذى يفصل عند التصحيح ثم يعاد لصقه، والحبكة مكشوفة.
أما ما أقترحه وأضعه أمام المسئولين فهو تغيير نمط التقييم لامتحان الثانوية العامة، وفى كل مراحل التعليم الجامعى، وهو الإجابة الإلكترونية على حواسب آلية، وفى يوم واحد يمكن إنهاء الامتحان فى جميع المواد، وهذا ما عرفته فى امتحانات المعادلة للمواد العلمية فى مجال الطب بأنواعه، إذ يجلس الطالب أو الطالبة أمام الحاسوب وأمام كل سؤال خمس إجابات، وعلى الطالب أن يضع الإشارة على الإجابة الصحيحة، أما إذا وضع العلامة على أكثر من إجابة فيكون الصفر نصيبه، ثم يتم التصحيح إلكترونيا، حيث لا مجال لأخطاء أى شخص ولو بالسهو.
وقد يرد هواة التصحيح اليدوى بأنهم يمارسون مهامهم رغم حرارة الطقس والاضطرار إلى العمل المنزلى أو على شواطئ المصايف، مع ما يصيبهم من أرق وعرق وتكون النتائج مصابة بذات العدوى ولأولادنا، وبعض من الأساتذة يشتكون من ظروف التصحيح وتوزيع الوظائف، وفق أدوار محسوبة كلنا نعرفها ونعانى منها، وكثير من أعضاء هيئات التدريس لهم كل التقدير والاحترام لمحاولتهم الجادة تطبيق العدالة فى التوزيع، وإن نالتهم ملامة البعض، هذا بالإضافة إلى من يتعاطون الدروس الخاصة فى الجامعات ومساعدة طلابهم بالقدر الكافى لاجتيازهم المرحلة.
كل هذه السلبيات التى تصيب البشر فى الغالب الأعم يمكن تجنبها بالأسلوب الإلكترونى. أما عن التكلفة، فإن توفير أوراق الإجابة سوف يوفر الملايين الكثيرة بالإضافة إلى طباعة الملايين من أوراق الأسئلة، فكل هذا ستوفره شاشة الحاسب الآلى ويتم التصحيح على ذات البرامج دون احتمال أى خطأ يمكن حدوثه فى الأوراق لأنها ملغاة من الأصل، فالكتابة على برنامج الأسئلة والتقييم يتمان تلقائيا دون تدخل بشرى، ولو افترضنا أن أحدهم رأى أن يشوه إجابة أحد الطلاب فإنه لا يستطيع، فالعملية كلها تتم إلكترونيا ولا تحتمل أخطاء أو تغييرا فى أوراق على سبيل السهو أو الجهل، حيث لا مكان لهما.
والسؤال: هل فعلا عندنا استعداد للتغيير والتطوير؟ إذًا فهى، العملية، مع التفكير وإشراك الآخرين لعلهم يقتنعون، وبهمة يعملون، وسوف نوفر الجهود البشرية ووقت المصححين، وأموالا تنفق بالملايين، ومتاعب للمشرفين والمراقبين والمصححين، ولا نستغرب وقوع الأخطاء فى الظروف التى يعانى منها المشاركون.. وهنا فقط أستطيع أن أقول بكل الثقة التعليم المجانى هو للفائقين الذين سيسددون فواتيرهم علما وإنتاجًا وتقدمًا، وليس بحالة التعليم التى نعانى منها الآن.