رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عادل السنهوري: حلمي الوصول بـ«صوت الأمة» إلى سدرة المنتهى الصحفي.. كتابات هؤلاء تمتعني.. والهيئات الصحفية ليست للعقاب (حوار)


«في كل مرة أذهب محاورًا مع أحد الشخصيات الفاعلة داخل عالم الفكر والصحافة كالحديث مع رئيس تحرير أو كاتب مؤثر، عادة ما تتدافع الأسئلة بداخلي الواحد تلو الآخر، لكن يبقى السؤال الذي لا يُفارق وجداني عادة يتلخّص في السؤال التالي: «مَنْ الجاني»؟!

الجّاني هنا الذي أبحث عنه دومًا هو مَنْ جعل صاحبة الجلالة هي ذاتها «صاحبة المهانة»، وأدخلها عمدًا أو جهلًا «بيت الطاعة»، ابتغاءً مرضاة ذهب المعز، أو رهبًا من سيفه.

السؤال السابق كان هو محور الأهم في اللقاء الذي جمعني بالكاتب الصحفي عادل السنهوري، رئيس تحرير بوابة «صوت الأمة»، باعتباره صاحب تجربة وشاهد عدل، عاصر الصحافة وقت أن كان يكتب على صفحاتها الأبطال وعايشها وهي تتقلب بين يدي الأقزام.

السنهوري أزال قناع الدبلوماسية خلال حديثه، أكد أن صاحبة الجلالة تلفظ أنفاسها الأخيرة، بفعل ضعف كفاءة العنصر البشري، وتوغل المنصات الجديدة؛ مطالبًا الهيئات الصحفية والإعلامية بالتفرغ لإصلاح الخلل؛ بدلُا من التفرغ للعقاب، كاشفًا في الوقت ذاته عن أحلامه الصحفية داخل مشروعه المحبب إلي قلبه «صوت الأمة»، وغيرها من الأمور التي يكشفها في هذا الحوار الذي دارت عجلته:
◘ بداية.. عام أو أكثر قليلًا على رئاستك لتحرير بوابة «صوت الأمة» ومن بعدها الجريدة الورقية.. كيف تُقيّم تجربتك تلك الآن؟

- أولًا؛ تجربتي في رئاسة تحرير «صوت الأمة» أراها تجربة مفيدة وإضافة مهمة لمسيرتي المهنية، وشكلت تحولًا ضخما في رحلتي داخل بلاط صاحبة الجلالة؛ خاصة وأنني أنتمي لجيل قضي الشطر الأكبر من مسيرته داخل جدران الصحافة الورقية لا يمارس غيرها.

ثانيًا؛ التعامل مع الصحافة الالكترونية، جعلني ملمًا بأبعاد وتفاصيل كثيرة تحتاجها تلك الصناعة الرقمية، ومازالت لم أصل بعد إلي سدرة المنتهي، لكني لن أتوقف عن التعلم والتطوير.

◘ تقدم نفسك باعتبارك ابنًا للصحافة الورقية.. فلماذا لم تستكمل مشروعك الصحفي على صفحاتها مفضلًا عليه الصحافة الرقمية؟

- أولًا؛ تركيزي الشديد في تقديم تجربة صحافة الكترونية جاء ليتواكب مع التغييرات التي تشهدها صناعة الصحافة الورقية، فالآن هناك تراجع شديد في عدد قراءها، إضافة إلي ذلك فالإحصائيات الأخيرة التي توصلت إليها، أكدت أن توزيع النسخ الورقية في مصر لا يتجاوز 310000 نسخة، والجزء الأكبر من نسبة المبيعات تستحوذ عليه 3 صحف فقط.

ثانيًا؛ الصحافة الإلكترونية تتميز بكونها متاحة في أيدي الجميع، وأصبح تمتلك جماهيرية غفيرة ومريدين، فنحن الآن لدينا جيل لا يجيد التعامل بغيرها.

◘ إجابتك تلك ستقُودنا إلي زاوية ملتهبة.. هل انتهى بالفعل عصر الصحافة الورقية؟

- يجيب بصوت يكسوه الأسى والشجن: الصحافة كاملة أصبحت في بؤرة الخطر؛ فالصحافة الورقية توزع 300 ألف نسخة في بلد يقارب عدد سكانه 100 مليون نسمة، فالأرقام هنا تقول أنك أمام جيل لم يعد لديه أي إحساس بصحافة الورق، وهذه نقطة.

النقطة الثانية، ليست الصحافة الورقية وحدها هي من تعيش ذلك التحدي الوجودي؛ فالمواقع الإلكترونية تواجه تحديات ضخمة تتمثل في وجود غول يُدعي «فيس بوك» ووحش كاسر اسمه جوجل هذه المنصات أصبحت تهدد وبقوة عرش الصحافة الرقمية.

ثم يصمت «السنهوري» برهة قبل أن يقطع صمته: « للأسف إن لم تحدث أي خطوات جادة، ستنهار تلك الصناعة في القريب العاجل، وستعلن شهادة وفاة الصحافة الورقية خلال عام أو عامين على الأكثر، إن هذا إلا نذير وعلى الجميع الانتباه».
◘ برأيك.. ما العوامل التي قادتنا إلي ذلك المشهد شبه المأساوي ؟

- أشياء عدة، أولاها يتمثل في ندرة العنصر البشري الكفء القادر على صناعة وصياغة القصة والحدث الصحفي.

وثانيها: الصحافة الآن لم تعد تحكمها العوامل المهنية مثل الاجتهاد والسبق الصحفي وجودة المادة الخبرية؛ حاليًا صار ما يفرضه السيد «جوجل» ومن بعده «فيسبوك» هو الفاعل الرئيسي الذي يحرك المهنة، وأصبحت المادة الصحفية تخضع لشروطهم، فهم الآن يمكن اعتبارهم الأباطرة الجُدد للصحافة المصرية.

◘ تقول إن العنصر البشري الكفء أصبح عملة نادرة.. فهل الجيل الحالي جاني أم مجني عليه قياسًا على جيلكم؟

- الأجيال الجديدة أرها أتعس حظًا وأشد تقصيرًا، فهم لم تُتح لها الفرصة للتعلم ومعايشة الكبار، جُيلنا سنحت الفرصة أمامه للتعلم من هؤلاء العظماء؛ فحيثما وليت وجهك شطر أي مؤسسة صحفية قومية أو معارضة، كنت تجد نفسك محاطًا بنخبة من الأساتذة تفتح أمامك أبواب القراءة وعوالم الثقافة؛ وما فعله معي الراحل العظيم رجاء النقاش ليس ببعيد،فهذا المبدع الكبير علمني كيف أكتب وكيف أحترم عقل القارئ، وألا أنشغل بمعارك لا قيمة لها على الإطلاق.

جيلنا صنع النجاح من رحم المعاناة، واستطاع تطوير أدواته الصحفية؛ رغم أن وسائل المعرفة المتاحة أمامه لم تكن إلا بالاطلاع على أرشيف المؤسسات المعروفة واقتناء الكتب المختلفة.

ورغم انتشار وسائل الاتصال والمعرفة وتوافر الانترنت تجد أن فرص تعلم الجيل الحالي ضئيلة جدًا، وهو ما انعكس على المستوى المهني الذي يتراجع بشدة؛ إضافة إلى أن سرعة الحياة انعكست عليه، وجعلته في عجلة من أمره في سباقه نحو إثبات الذات وتحقيق الأحلام داخل بلاط صاحبة الجلالة، فالأجيال الحالية تحتاج إلي من يأخذ بيدها.
◘ دعنا نعود إلى تجربة «صوت الأمة».. هل حققت الأحلام التي كنت تصبو إليها وأنت تؤسس المشروع الصحفي الرقمي؟

- رغم مرور عام على رئاستي لتحرير بوابة «صوت الأمة»، إلا أنني أعتبر المشروع مازال في مرحلة التأسيس؛ وكل ما حققته لا يتعدى 25% مما أصبو إليه؛ وأؤكد لك أنه خلال عام واحد من الآن، سيجد القارئ نفسه على موعد مع تجربة إلكترونية جديدة ومختلفة، تؤسس لمرحلة جديدة في الإعلام الرقمي.

◘ «صوت الأمة» منصة إلكترونية تنتمي لمؤسسة يصدر عنها مجموعة مختلفة من الصحف والمواقع.. فهل العلاقة التي تربط بين تلك المنصات التنافس أم التكامل؟

- علاقة تنافس بهدف التكامل، فالإصدارات التابعة للمؤسسة لكل واحدة منها هالة تميزها عن الأخرى، فمثلًا «اليوم السابع» هو موقع إخباري يغرد في منطقة لا ينافسه فيها أحد غيره، بينما نحن في «صوت الأمة» نؤسس لصحافة «الفهامة»، وهي صحافة ما وراء الخبر؛ تلك التي تميل إلى التحليل وتعتمد على التقرير، وتقدم صحافة العمق؛ تشتبك وتشاغب في حين تجد «دوت مصر» يميل إلى تقديم المادة الصحفية بطريقة المادة الفيلمية و«الفيتشر».

◘ البعض يرجع الأزمة الراهنة التي تمر بها صناعة الصحافة إلى تراجع الإعلانات.. ألا توجد أفكار جديدة تساهم في خروج الإعلام من أسر الإعلان؟

- الإعلانات تُشكّل رقم هام في صناعة الصحافة والإعلام لا يكمن تجاهله أو الاستغناء عنه، لكن جاءت «السوشيال ميديا» ومن بعدها الفضائيات لتلتهم الجزء الأكبر من تلك الكعكة، وأصبحت المواقع الإخبارية والصحف لا تحصل ولا تحصد إلا الفُتات.

لا بدّ أن يحدث تكتل وتوحّد من أصحاب الصحف والمواقع، إضافة إلي ضرورة أن تدخل الدولة على خط المواجهة لأجل مواجهة تلك «الغِلان» والهيئات المعنية لم تأتي لأجل عقاب صحيفة أو رئيس تحرير، إنما جاءت لأجل أن تبحث عن حلول تحمي تلك الصناعة من شبه الانهيار الذي بدأت ملامحه تتضح بشكل كبير.

◘ على ذكر الهيئات الصحفية.. كيف قرأت أزمة مانشيت الأزمة لـ«المصري اليوم»؟

- بلهجة حاسمة يجيب «السنهوري»: « تاريخي لا يمكن لأحد المزايدة عليه، ودفعت أثمان تمسكي بمواقفي، وبالتالي فما سأقوله يعبر عن قناعاتي ولاشئ غير ذلك»، فحرية الصحافة والإعلام شعار براق لكننا علينا أن نضعه في سياقه العام، نحن دولة في مرحلة التشكل الجديد، تسعي لتقوية مؤسستها، وتعمل وسط ظروف أمنية واقتصادية وسياسية صعبة، وبالتالي هذه التحديات الضخمة لابد وأن تُوضع في الحسبان.

والمصري اليوم تجربة صحفية لها بصمة قوية في سوق الصحافة، وإليها يعود الفضل في إعادة الاعتبار للصحافة ولدورها، وتحكمها معايير مهنية تتمثل في الرأي والرأي الآخر، ونجحت في تقديم أشكال صحفية يبحث عنها القارئ، وتمكنت من أن تكون رقم مهم أثناء ثورة يناير.

ثالثًا؛ القارئ اعتاد قراءة «المصري اليوم» بهذا الشكل، ودائمًا ما كان الجميع يفترض حُسن النية؛ وبالتالي بفرض حدوث خطأ ما، فالتوجيه هنا أفضل؛ لكن أن يتم التسرع في محاسبة وعقاب تجربة كاملة لم يكن ذلك هو القرار السليم، فالنصح والإرشاد كان يجب أن يتقدم هنا.
◘ الهيئات الوطنية للصحافة والإعلام أصبحت في مرمي نيران النقد والهجوم من قبل كثيرين خلال الآونة الأخيرة.. فهل هي جانٍ أم مجني عليها؟

- الهيئات الوطنية مغلوبة على أمرها؛ فهم يعملون وسط ظروف غاية في الصعوبة، حيث المشهد العام المرتبك؛ ومؤسسات قومية تعاني من أزمات ضخمة، وتغرق في من بحر الديون يقترب من الوصول بها إلي حد الغرق الذي لن تجدي معه أي محاولة للإنقاذ.

وسط هذا الكم من التحديات تعمل الهيئات، وهي مطالبة بأن تحمي تلك الصناعة من الانهيار، وتعمل علي إحيائها وتطويرها، وهم مطالبون بالتفرغ لذلك بدلًا من الانشغال بمعارك فرعية، خاصة وأننا لم نعد نسمع عنهم إلا وقت العقاب.

الحساب مهمة القانون لا أحد غيره؛ وعلينا أن نؤمن بأن الإعلام المصري يستحق وضع أفضل من ذلك، فهو مشارك أساسي في المنجز الإنساني وساهم بقوة في النهضة قديمًا وحديثًا، واستعادة ذلك الدور هو الهدف الذي نسعى لتحقيقه.

◘ المؤكد أن الهيئات الوطنية لا تتحمل وحدها مسئولية إنقاذ صناعة الصحافة.. وأهل المهنة مطالبين باستحداث أفكار جديدة تجذب القارئ.. تعقيبك؟

- بالطبع الصحافة على مستوى العالم تتطور بشكل كبير، أصبح هناك توجه بشكل كبير نحو فكرة الصحافة المتخصصة، وصحافة التحليل التي تبحث عما وراء الخبر، هناك حلول كثيرة قادرة علي إعادة البريق لصاحبة الجلالة، ولجأت إليها العديد من المدارس الصحفية مثل الصحافة الإنجليزية، وهو ما جعلها متماسكة إلي حد كبير حتى الآن.

◘ دعنا نعود إلي الوراء قليلًا.. أنت من الجيل الذي عاصر وتوهجت علي يديه الصحافة الحزبية وصحيفة « العربي الناصري» خير دليل.. برأيك لماذا تراجع هذا النوع من الصحافة في مصر؟

- كل تجربة عمل تحمل في طياتها أساب فنائها، والصحافة الحزبية في مصر لم تطور من نفسها ولا من أدواتها؛ ولم تنجح في قراءة المشهد الصحفي القادم؛ وهي ما ساهم بشكل كبير في انحصارها، بالإضافة إلي أن وضع حالة الأحزاب المصرية الراهن انعكس بشكل كبير على صحفها.

◘ أنت من الجيل المنتمي قلبًا وقالبًا للمشروع الناصري والذي يُحمّله البعض المسئولية عما جرى للصحافة بعدد تأميمها فهل نحن مازلنا نعيش أسرى لتلك التجربة؟

- دعني أقر وأعترف بأن الإطار العام للتجربة الناصرية مازال حاضرًا، وإن اختلفت أشكال التعامل؛ فكل الأنظمة التي تلت العهد الناصري تتعامل بنفس الفكر مع الصحافة، دون أن تدرك أن تأميم الصحافة كان خاضعًا لظروف تلك الحقبة.

الجميع حاليًا مطالب بالإيمان بدور الصحافة التنويري والتثقيفي في المجتمع، وأنها لم تعد صحافة السمع والطاعة، فهي تشارك بقوة في دعم السياسيات، وليس مطلوبًا منها العمل وفق توجهات.

◘ بعد أن حققت الحلم الذي يتمناه الصحفي بالعمل رئيسًا للتحرير.. هل لديك آمال أخرى تسعى لتحقيقها الفترة المقبلة؟

- بحكم تجربتي داخل بلاط صاحبة الجلالة، التي تجاوزت 31 عامًا، تشكلت لدىّ قناعة أن ما يتبقي هو الكلمة، وخاصة تلك الكلمة النابعة من الضمير، والتي تقولها في وجه سلطان جائر، وبالتالي فالكتابة هي حلمي الذي أسعي من خلاله إلي الإرشاد والتوجيه.

مازال لدي مشاريع للكتابة متعطش لتنفيذها وأحلم بتحقيقها؛ ولست طامعًا في منصب؛ فالمناصب لا تصنع صحفي؛ فقط الكلمة لا شئ غيرها.

◘ هل لديك مشاريع إبداعية تعمل عليها حاليًا؟

- لدىّ مشروع أدبي لكتاب يحمل عنوان «الثوار داخل الأزهر»، وهو عمل يحمل رصدًا ومتابعة للتطورات الفكرية داخل المؤسسة الأزهرية، وتحديدًا تلامذة الشيخ محمد عبده المباشرين، الذين تولوا مناصب فعالة داخل الأزهر مثل الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر الراحل وغيره.

◘ أخيرًا.. أي من الأقلام الصحفية الحالية تُمتع عادل السنهوري بكلماتها؟

- يبتسم ثم يجيب: أنا مثل الصائم في رمضان أشتهي لطعم ومذاق أكرم القصاص، ودسامة حمدي رزق، وعقلانية عماد الدين حسين؛ فجميعنا أبناء تجربة واحدة؛ لكن ما يميزنا هو أن لكل واحد منا مذاق معين وفقًا لقناعته وتجربته الشخصية.

وطالما تطرقنا لتلك النقطة فدعني أكشف لك عن حلم مؤجل أتمني تحقيقه؛ وهذا الحلم يتمثل في عمل جريدة تجمع بين دفعة 86 إعلام، ومازال في هذا الحلم بقية، شريطة أن تسمح الظروف بذلك؛ فإذا كل الصناعات على مستوى العالم تأخذ الشكل التعاوني فلماذا لا يتعاون أبناء هذا الجيل لتحويل ذلك الحلم إلي علم؟.شخصيًا؛ أتمني أن يحدث ذلك في القريب العاجل.