رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المُدعى.. أخطر محاكمة لـ«وحيد حامد»‏


كيف بدأ الصراع بين محاربى «الإخوان»؟
تصاعد الاشتباك بين السيناريست الكبير وحيد حامد، والمفكر الإسلامى ثروت الخرباوى، قبل أيام، إثر مناقشة فى أحد البرامج التليفزيونية، بشأن التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين أو بشكل ‏أدق عناصرها غير المتورطين فى أعمال عنف والمتعاطفين مع الجماعة.‏
‏«وحيد» يتخذ موقفًا رافضًا لأى صلح مع «الإخوان» وللتأكيد على وجهة نظره تحدث عن أن فكرة الإخوان لا تخرج من جسد عنصر الجماعة حتى وإن انشق عنها.‏
حاول «وحيد» تأكيد فكرته فتحدث عن ثروت الخرباوى، الذى انشق عن الجماعة منذ سنوات، قائلًا: «ثروت الخرباوى إخوانى قديم ويطلق على نفسه (الإخوانى المنشق)، وحاليًا يطلق على ‏نفسه الخبير فى الجماعات الإخوانية، لكن الإخوان فى دمه حتى هذه اللحظة»، مشددًا على أنه «لا يوجد شخص يتبنى الفكر الإخوانى ويتراجع عنه».‏
ما قاله «وحيد» أزعج «الخرباوى» فقال: «وحيد حامد من النخبة السطحية»، مشيرًا إلى أن «السيناريست وحيد حامد هو من أول الذين دعوا إلى المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية».‏
وأضاف «الخرباوى» أن وحيد حامد قال إن من ضمن عناصر الإخوان أناس طيبين، متابعًا: «إن أعضاء من التنظيم الدولى قاموا بزيارته فى ألمانيا أثناء إجرائه عملية جراحية هناك.. لذلك أنا ‏مندهش من موقفه الآن». «وحيد»، من جانبه، علق على انتقادات «الخرباوى» قائلًا: «الأشجار العالية والمثمرة دائمًا ما تُقذف بالطوب».‏

هذا المقال ينطلق من الواقع الذى نعيشه، وأى تشابه فى الأسماء والأحداث والوقائع هو محض تطابق، والكاتب يقصده، أما المقال فهو يتحدث عن الجهلاء الذين يبحثون ‏عن مصالحهم الشخصية، ومن أجلها وأجل الدولارات واليورو لا مانع من أن يبيعوا مصر للإخوان أو غير الإخوان، وقد استغل هؤلاء الجهلاء حالة السطحية والجهل التى ‏أصابت مَنْ هم أجهل منهم ففرضوا جهلهم وباعوه بأثمانٍ غالية، وأطلقوا عليه تارة «الإبداع» وتارة أخرى «العمق التأريخى» وتارة ثالثة «التحليل السياسى ‏الاستراتيجى» ثم مؤخرًا ظهرت لنا طائفة «الدراما التاريخية».‏
ومن هذه الطائفة الأخيرة ظهر لنا واحدٌ من «بنى جهلان» هو الأخ «شايل محفظته» وحيد حامد، هذا الأخ الذى كتبت عنه فى مجلة المصور عام ٢٠١٠ بعد الجزء الأول ‏من مسلسله الدعائى للإخوان «الجماعة»: «إننى لو كنت أعتقد فى نظرية المؤامرة لقلت إن الإخوان استطاعوا تجنيد وحيد حامد وإنه أصبح الآن (الأخ وحيد حامد) ‏مسئول شعبة التليفزيون، ولظننت أن المعارك الدائرة بينهما وهجومهم على المسلسل ودفاعه عنه وزعمه أنه من رجال الحياد الإيجابى ما هى إلا محض تمثيلية لسبك ‏الدور.‏
ليس هذا فحسب، بل قد يصل بى الشطط إلى حد الظن أن الإخوان استطاعوا تجنيد دوائر مهمة فى الدولة أخذت تُوحى لنا عبر عقود أنها تقف ضد الإخوان وفى الحقيقة هم ‏شُعبة مهمة من شُعب الجماعة، كل ما تفعله هذه الدوائر أنها تُظهر لأولى الأمر أنها ضد الجماعة وفى الحقيقة هى تُعبّد الطريق لهم وتساعدهم وتعقد معهم اتفاقات ‏سرية.‏
وقد يصل بى جنون الشك وشك الجنون إلى أن هذه الدوائر لا تسعى إلى مواجهة الجماعة مواجهة حقيقية فكرية وفقهية وسياسية ولكنها تسعى فقط إلى الظهور بمظهر ‏الذى يحمل لواء المواجهة»!.‏
وصدق حدسى فقد زادت شعبية الإخوان بعد الجزء الأول من مسلسله الدعائى، بل إن وحيد حامد نفسه صرَّح فى أكثر من صحيفة بأنه رفض ذكر بعض وقائع مخجلة ‏من تاريخ الإخوان خاصة بزوج أخت البنا وأنه أخفى هذه الوقائع وأبعدها من المسلسل مجاملة للإخوان!.‏

‏«الدستور» هنا تنشر مقالًا لـ«الخرباوى» يرد فيه بشكل مفصل على السيناريست الكبير، وتؤكد أنها فى انتظار رد من وحيد حامد الذى تكن له كل الاحترام والتقدير.‏

نرجسى يعيش حول نفسه.. يرى أنه الأعلى والأروع والأعظم.. وظهر فى غياب المبدعين ‏الحقيقيين

الأخ السيناريست «وحيد حامد» نستطيع وضعه فى خانة «أعاجيب مصر»، فهو رجل نرجسى ذاتى يعيش حول نفسه، يرى أنه الأعلى والأعظم والأروع مع أنه الجاهل الذى ظهر فى ظل غياب ‏المبدعين الحقيقيين، الذى قام أتباعه من النقاد بالترويج له رغم أنه من نكبات الزمن علينا، فحينما هاجم وحيد حامد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حوار له بإحدى الصحف قائلًا: «اليد الطرية لا تخبز رغيفًا ‏ولا تصد عدوًا» ثم قال عن الرئيس السيسى فى حوار له بجريدة المصرى اليوم: «لو مش قادر يشيل الشيلة يمشى» وقتها قلتُ فى نفسى: ما علينا هذا رأيه، وحرية الرأى مكفولة للجميع، ثم عندما تراجع ‏عن كلامه هذا فى حوار تليفزيونى قائلًا: «إنما قلت ذلك تحت تأثير الغضب من واقعة قتل جنودنا»، قلت لا ضير الرجل قال رأيًا ثم تراجع عنه، وحرية التراجع مكفولة للجميع، وبعد أن صدر حكم ‏المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، قال وحيد حامد لأحد المواقع الاخبارية الكبرى: «لقد استقبلت حكم مصرية تيران وصنافير بفرح شديد وارتياح كبير لأننى كنت أعلم منذ أن كنت ‏صغيرًا أن الجزيرتين مصريتان»! فقلتُ لا مشاحة فى الآراء، فهذا رأيه وهذا ارتياحه، وكل واحد حر فى ارتياحه، وحرية الارتياح مكفولة للجميع، وبعد ذلك وإذ أخذ الشارع المصرى ينقسم بشأن ‏الجزيرتين فيظهر مؤيدون هنا ومعارضون هناك، أخرج لنا وحيد حامد رأيًا مبدعًا تراجع فيه عن فرحه وارتياحه، وأمسك العصا من المنتصف فقال: «إذا كانت تيران وصنافير مصريتين وتنازلنا عنهما ‏فهذه نكسة، وإذا كانتا سعوديتين فهما من حقها، والفيصل فى هذا الأمر للجغرافيا والتاريخ» ورغم هذا التراجع عن الارتياح، إلا أن وحيد حامد حر فى تراجعه، خاصة أن حرية التراجع مكفولة للجميع، ‏وبعد هذا التراجع بشهر أراد أن يتراجع عن التراجع، فقال: «إن تيران وصنافير مثل فيلم الخطايا حينما قال عماد حمدى لعبدالحليم حافظ أنت مش ابنى»، وظهر من تراجع التراجع أن وحيد حامد يسخر من ‏الدولة المصرية والقائمين عليها ويعتبرهم تنازلوا عن الجزيرتين وكأن ملكيتهما كانت «سِفاحًا»!.‏
وليست هناك مشكلة من السخرية وخفة الظل، فكل إنسان حر فى سخريته، فحق السخرية من الدولة والقائمين عليها مكفول للجميع، وخفة الظل مثل التدخين الذى هو مسئولية كل مدخن، وعلى ذلك تكون ‏خفة الظل مسئولية كل خفيف يتحمل وحده عاقبتها. أما عن مسلسل «الفجاعة» سواء ما يتعلق بالجزء الأول أو ما يتعلق بالجزء الثانى، فلن أقول لك إن الجزء الأول تلقى عنه وحيد حامد كتاب شكر من ‏مرشد الإخوان، والجزء الثانى أظنه كان بتكليف من المرشد المسجون، ولكن الذى يعنينى هنا هو أن وحيد حامد الذى ظهر بمظهر الرجل الذى يعادى جماعة الإخوان ويقف ضدها إذا به يصرح قبل ‏رمضان فى حوار بجريدة «الشروق» يقول فيه: إنه لا يعادى الإخوان وإنه يحبهم وله صداقات معهم ومع رموزهم، وإنهم زاروه فى المستشفى حينما كان يُعالج فى ألمانيا، وإنه يتمنى أن تعود جماعة ‏الإخوان مرة أخرى إلى المشهد المصرى، بحيث يقومون بدور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. هنا يا سادتى الكرام لا يمكن أن أقول إنه حر فى رأيه، فالرجل الذى يؤرخ للجماعة دراميًا يُحبهم، و‏يتمنى أن يكونوا مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى المملكة السعودية، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.‏

أعماله عن «الإخوان» سطحية ومفبركة وأسهمت فى التعاطف مع الجماعة وامتلأت ‏بالأخطاء التاريخية

إذا تحدثنا عن مسلسل «الفجاعة» فأنا أسأل: ما هو الهدف من تحويل قصة حياة جماعة الإخوان إلى مسلسل درامى؟ المعروف أن أى عمل درامى من المفترض أن تكون له مستهدفات، وغايات، ‏بمعنى أنه يحمل رسالة ما يريد توجيهها للمجتمع، إما رسالة أخلاقية أو دينية أو سياسية أو فكرية أو توثيقية أو... أو...، وخذ عندك مثلًا فيلم ناصر ١٩٥٦ هو فيلم درامى، ولكنه يحمل رسالة سياسية ‏ووطنية ويكشف للأجيال الجديدة عن فترة فارقة فى تاريخ مصر مارست فيها «الاستقلال الوطنى» وعبَّرت فيها عن نفسها، واستردت قناة السويس وقاومت جيوش الاستعمار، وفى ذات الوقت لم ‏يجنح الفيلم إلى خيال درامى لا ظل له من الحقيقة لأنه كان يوثق بشكل درامى لأهم فترات مصر فى الخمسينيات. أما الإخوان فلهم قصة أخرى، فهم جماعة متطرفة صارعت من أجل الوصول ‏للحكم طوال عمرها، وهى فى ذات الوقت جماعة عميلة تابعة للمخابرات البريطانية، وتحمل فى منهجها أفكارًا فى قمة التطرف، ولذلك فإن سرد قصة حياة جماعة متطرفة ليست هدفًا فى حد ذاته ‏ولكن الهدف هو توثيق مناطق خفية فى حياتها وأفكارها لا يعرفها أحد، ومن هنا نقول إنه كان من الأجدى أن يكون المسلسل الدرامى مثلًا مقتصرًا على كشف علاقتهم بالمخابرات البريطانية ‏وتبعيتهم لها، وأن يكون ذلك فى قالب درامى مشوق، أو أن يكون المسلسل عن تنظيمهم السرى وأعمال الاغتيالات والتفجيرات والقتل فقط، وأن يضع هذا فى قالبه الدرامى المناسب، أو أن يكون ‏المسلسل عن رحلة أفكار التكفير عندهم وصولًا إلى شكرى مصطفى وعلاقته بالقيادات الحالية للإخوان.‏
هذا هو ما يعنينا من قصة حياة الإخوان، أما السرد التاريخى المتتابع ــ كما فعل وحيد حامد فى الجزء الثانى من مسلسله ــ فقد أثار حالة تعاطف مع الإخوان حتى ولو كشف المسلسل عن دوائر ‏الشر فيها، فمثلًا حاولوا قتل عبدالناصر، فقبض عبدالناصر على الآلاف منهم، وتولى الجيش، كما ورد فى المسلسل، عمليات القبض الجماعى، وتولى تعذيب الإخوان، بمعنى أن عشرة أو عشرين ‏خططوا لاغتيال عبدالناصر فترتب على هذا القبض على آلاف الأبرياء كما جاء فى مسلسل الجماعة، وتعذيبهم، ألن يترتب على هذا تعاطف مع الإخوان؟!.‏
وهكذا، وأنا أضرب ذلك على سبيل المثال، وقد كان هناك مشهد غريب جدًا جاء بمسلسل الجماعة عندما أمر إبراهيم عبدالهادى رئيس وزراء مصر قبل الثورة بإخصاء أحد الإخوان، ألن يثير هذا ‏تعاطفًا مع تلك الجماعة التى يتم إخصاء شبابها مهما كان الجرم الذى ارتكبوه؟!.‏
وبغض النظر عن كم الأخطاء التاريخية التى وردت فى المسلسل، والمبالغات التى من الممكن أن تدخل فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية، والتهافت الدرامى، والفبركة، والسطحية، إلا أن ‏تصوير الإخوان كضحايا هو أخطر ما فى الأمر، يرتكب بعضهم جريمة فتتم معاقبة الجميع، وهذا هو ما تستهدفه الجماعة، بمعنى أن الإخوان لو حاولوا كتابة مسلسل عن تاريخهم فلن يكتبوا أفضل ‏من هذا المسلسل بالنسبة لهم، أنا لا يعنينى الآن الأخطاء، ولكن يعنينى تلك المقارنة التى سيعقدها العقل الجمعى للجمهور بين نظام عبدالناصر وجماعة الإخوان، فتارة سيتعاطف مع عبدالناصر، ‏وتارة سيتعاطف رغمًا عنه مع الإخوان، تارة سيكره عبدالناصر، وتارة سيكره الإخوان، ولكن ستظل نقاط التعاطف مع الإخوان متزايدة، وستوضع فى ثنايا العمل، بما يجعلنا نتساءل لمصلحة مَنْ ‏كان هذا العمل، وما الهدف منه بهذه الصورة؟.‏
هل سندخل به فى مسابقة عالمية موضوعها هو توثيق حياة الإخوان دراميًا فنكسب به الأوسكار؟ أم أن هدفنا هو أن نكشف حقيقتهم دون أن يترتب على هذا الكشف أى ظل من التعاطف معهم؟ ‏وليس معنى ذلك تزوير التاريخ أو تغييره، لأن الذى حدث بالفعل هو تزوير التاريخ، ولكن معنى هذا أنه كان يجب أن يختار الأخ وحيد حامد دائرة معينة يدور حولها المسلسل، كما قلنا، مثل تبعيتهم ‏لمخابرات بريطانيا، تأسيسهم جماعات التكفير، وهلم جرا، ولكن يبدو أن هناك فى مصر من يريد إعادة إحياء جماعة الإخوان مرة أخرى فى الضمير المصرى بعد أن ماتت وشبعت. ولك أن تعرف ‏أن جماعة الإخوان دخلت عبر تاريخها فى أزمات كبرى، ولكنها بعد كل أزمة كانت تعود إلى الحياة مرة أخرى بعد أن ظن كل الناس ألا عودة لها! ففى زمن الملكية ارتكبت الجماعة فى لحظات ‏غرور حمقاء عدة اغتيالات كان آخرها اغتيال النقراشى رئيس الوزراء، ومن بعدها حدثت واقعة اغتيال حسن البنا فكان أن اختفت الجماعة من الوجود لمدة عامين، إلى أن أعطاها الملك فاروق قبلة ‏الحياة عندما دفع بالمستشار الهضيبى التابع له كى يكون مرشدًا لها، وفى زمن عبدالناصر ارتكبت الجماعة عشرات الحماقات ثم ختمتها بمحاولة اغتيال عبدالناصر عام ١٩٥٤ فدخلت الجماعة إلى ‏مقبرة التاريخ، وأخذ الناس يقولون كانت هناك جماعة ذات يوم اسمها الإخوان ثم ماتت، وكان موتها حقيقيًا، ثم مات عبدالناصر، وكل حى يموت، وسبحان من له الدوام، ثم جاء الرئيس السادات فأخذ ‏توجهًا سياسيًا يخالف توجه عبدالناصر، فكان من خطته السياسية أن يعيد الحياة لتلك الجماعة مرة أخرى، فأصبح السادات هو مسيح الإخوان، إذ لمسها بيده فانبعثت الحياة فيها وخرجت من السجون، ‏وأصبحت أداة فى يد السادات، تساعده على تشويه عبدالناصر وسياساته وتمشى وراءه نحو أمريكا سيدة العالم صاحبة التسع والتسعين من أوراق اللعبة، إلا أن الجماعة رأت أن تضع السادات على ‏الصليب ألم يكن مسيحًا لها! فقتلته وهو وسط جيشه فى عرضه العسكرى فى أكتوبر من عام ١٩٨١، وكان من المقدر أن تختفى الجماعة من الوجود عقب هذا الاغتيال، ولكنها هذه المرة كانت فى ‏منتهى البراعة، إذ أوحت لنظام مبارك أنها بريئة من الاغتيال، وأن من قاموا بهذا الاغتيال الشائن هم عصبة من الأشرار لا علاقة لهم بها، وأنها وحدها دون غيرها هى التى تستطيع أن تقاوم تطرف ‏هذه الجماعات الشريرة، وإرهابها الكنود بوسطيتها واعتدالها! فكان أن أعطى لها مبارك إشارة الضوء الأخضر لتعود إلى الحياة وتنشط وتتحرك وتغزو النقابات المهنية ونوادى أعضاء هيئات ‏التدريس، واتحادات الطلبة ومؤسسات المجتمع، وحين انتبه مبارك لخطورة استمرار الجماعة كان السيل قد بلغ الزبى، وفاض الكيل، وتحكمت الجماعة، وأصبحت يدهم هى اليد العليا ويد نظام مبارك ‏هى اليد السفلى، فلم يكن أمام هذا النظام الضعيف الغبى إلا أن يدخل فى مفاوضات مع ذلك الوحش الذى أطلقه فى الحياة المصرية.. أقول هذا وفى فمى ماء، ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى، ‏ولكن مهما كان لن تعود الجماعة للحياة مرة أخرى فالله قد رفع المسيح، والجماعة ماتت، ولا ينقصنا إلا تشييع الجنازة.‏
والآن ليس لى إلا أن أقول لكل واحد من تلك الأشياء السخيفة التى اجتاحت حياتنا: يا أيها الشىء، أنت ابنٌ من أبناء تأخرنا وجهلنا وسطحيتنا، أنت الذى تعيش فى ذاتك فلا ترى إلا نفسك، أنت الذى ‏تنظر فى المرآة كل يوم فترى وجهك وحده، فتخاطبه قائلًا: من فى العالم أفضل منى؟ وتسمع من ذاتك قولًا تتمناه بأنك الأفضل، ولكنك أنت أنت ولا حاجة، أنت يا من تظن أنك تكتب دراما تاريخية، ‏يجب أن تعلم أن التاريخ ليس شيئًا واحدًا ولكن الجهل وحيد.‏