رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة «فسيخة» فى شوارع مصر

رحلة «فسيخة» فى شوارع
رحلة «فسيخة» فى شوارع مصر

غرفة ضيقة يغلفها الظلام، أصوات متداخلة تشتبك جميعها في كلمات محددة (كيلو، 3 كيلو، الحساب كام؟، وغيرها).. لحظات قليلة يبدأ بعدها الضوء طريقه للغرفة الصغيرة، والتي لا تخرج عن كونها برميل خشبي صغير يحوي في محيطه مجموعة من أسماك البوري المُملح «الفسيخ».

الأحد 8 أبريل كانت بداية التجهيزات لاحتفالات شم النسيم، ففي منطقة الزيتون بدأ عم «أبو مجدي» بائع في أحد محال الفسيخ بمنطقة الزيتون، إخراج الفسيخ من البرميل ونقله إلى صفائح صغيرة ووضعها للعرض في مقدمة المحل، يحمل الأسماك واحدة تلو الأخرى، يوزعها حسب السعر المناسب لها، بينما تقف «ميرا» ذات السنوات الخمس بجوار والدتها مُعلقة النظر على سمكة صغيرة تتابع نقلها، وعلى الجانب الآخر تقف سيدة أجنبية قررت اكتشاف مكونات مائدة المصريين في شم النسيم.

بين المترو، الميكروباص، أتوبيسات النقل العام، والتاكسي كانت رحلة الفسيخ ليومين متتالين داخل شوارع القاهرة، انطلاقا من أشهر المحال بالدقي، السيدة زينب، والزيتون، بعضها وصل محطته الأخيرة في المنازل، حيث يفضل البعض قضاء اليوم في تجمع أسري، وبعضها يمر بالرحلة ذاتها في اليوم التالي ليستقر في حقيبة صغيرة تنقله إلى إحدى الحدائق العامة.

في طريقه لمنزله أمس، استقل محمد قدري ميكروباص من الموقف المقابل لمحطة كلية الزراعة متجها إلى بنها، ليفاجأ برائحة صاحبته طوال رحلته، نابعة من كيس بلاستيكي تطل من أحد جوانبه سمكة «الفسيخ»، لم يتمكن الهواء من مجابهتها، يقول قدري: «كنت على مشارف القيء وأخرجت رأسي من النافذة».

لم يختلف حال جمال عاشور اليوم عن سابقه، فأثناء استقلاله للمترو في صباح شم النسيم فوجئ بالرائحة تملأ العربة، حاول كتم أنفاسه اتقاء للرائحة، وما خرج من العربة حتى دعا على «الفسيخ» ومن يتناوله.

نعود إلى «ميرا» طفلة مصر الجديدة، والتي اصطحبت والدتها لشراء الفسيخ من الزيتون، فاستقلت المترو والتاكسي للوصول إلى المنزل حاملة في يديها الصغيرة كيس «الفسيخ»، لتقضي يوم شم النسيم معه داخل المنزل، حيث تابعت والدتها أثناء مرحلة تجهيز الطعام، حيث تنظيف الأسماك المملحة وتقطيعها وإضافة الخل والليمون إليها، وصولا إلى المائدة وتجمع الأسرة لتناول الطعام.

وفي حديقة الحيوان كان مصير «الفسيخ» مختلف، فلا يوجد مساحة لإضافة الليمون أو الخل، الجميع يلتف على ملاءه صغيرة يقطع الفسيخ بيديه ليسكن في قطعة من الخبز متخذة طريقها إلى المعدة عن طريق الفم، وهو ما تكرر في عدد من الحدائق.

اختلفت البدايات والنهاية واحدة، فرغم تنوع المناطق والرحلات التي خاضها الفسيخ داخل شوارع القاهرة، إلا أن مصيره اقتسم بين المعدة، وصندوق القمامة الذي احتوى ما تبقى من السمكة عقب التهامها.