رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة الإعلام العربى


من المؤكد أن الإعلام العربى أثبت عدم قدرته على عدم التنبؤ بأزمات الربيع العربى، فضلًا عن فشله فى التعامل معها بميزان موحد، وأثبت كذلك فشله فى تحليل أزمات المنطقة العربية، كما فشل فى الاستفادة من نماذج جذابة من القوى الناعمة فى بعض الدول العربية.
ومنذ اللحظة الأولى التى اندلعت فيها مظاهرات الربيع العربى فى تونس ثم مصر وسوريا ثم ليبيا ثم اليمن، ظهرت فى فضائيات العرب قنوات تؤطر وتهتم وتركز على ما يحدث فى تلك البلاد.
بل وقامت تلك الفضائيات بإنشاء قنوات مباشرة، تركز على ما يحدث فى تلك الدول مكانيًا، يعنى تظل كاميرات القناة مركزة دائما فى تلك الدولة، بمراسليها الذين ينقلون الأحداث أولًا بأول باسم «مباشر من مصر»، مثلًا. وبدأ مراسلو تلك القنوات يستضيفون من قيل إنهم الثوار أو المعنيون بتلك المظاهرات، ليتحدثوا عن أهدافهم النبيلة والتى تجذب الجماهير مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والدولة الجديدة التى سيقيمونها على أنقاض الدولة الحالية.
الإعلام المحلى لتلك الدول، بدا ساذجًا وسطحيًا وهو يعالج تلك المظاهرات، بعض القنوات الفضائية المحلية حاولت حجب ما يحدث عن مواطنيها فى أول الأمر، والتقليل من شأنه، وبعض القنوات نقلت ترحيب بعض الدول الأجنبية وقادتها، بل قامت وسائل الإعلام بنقل الرسائل التى أرسلتها القوى الأجنبية ونصائحهم لرؤساء تلك الدول، وعلى الأخص الرسائل التى نقلها أوباما، الرئيس الأمريكى السابق، إلى الرئيس مبارك يطالبه بالتنحى.
وظل الإعلام على هذا المنوال طوال سبع سنوات، حتى بدأت التحولات الكبرى وسقطت بعض الأنظمة، وبدأت تتشكل قوى جديدة، وإن كانت أهداف الربيع العربى كلها لم تتحقق، فإنه ظهرت مشاريع تدخلات فى الشأن المحلى لدول فى المنطقة. تحت دعاوى حمايتها من الإرهاب.
الواقع أن المشكلة كانت فادحة، وتنظيم الدولة الإسلامية اكتسح دولتين، وبات يهدد باقى دول الربيع العربى. فكان لزامًا على بعض الدول فى المنطقة أن تطلب تدخلًا أجنبيًا، كما تدخلت بعض الدول لحماية حدودها من خطر هذا التنظيم، كما استيقظت نعرات طائفية باتت تطالب بأجزاء من تلك الدول لإقامة دول عليها.
وسط الأزمات الموجودة فى المنطقة نجح الإعلام فى إبراز تأثير الأزمة السياسية على علاقات دول المنطقة بعضها البعض، فظهرت مشكلة مع قطر وبعض دول الخليج ومصر وفشل الإعلام فى إبراز الجانب الحقيقى، وتعاطف الإعلام العربى والأجنبى مع قطر.
فشل الإعلام أيضًا فى تحليل وإبراز حقيقة الخطر الإيرانى ودوره فى تمزيق اليمن، وهو نفس الفشل فى إبراز خطورة الدور التركى. ورغبته المحمومة فى إحياء الخلافة الإسلامية من جديد بتأييده الجماعات الأصولية الغازية.
لم ينجح الإعلام العربى فى تبرير التكتلات الدولية التى ظهرت مؤخرًا على الساحة والتى بدأت تؤثر فى المجريات السياسية للدول العربية، مثل التحالف الإيرانى التركى، وتاثير الدور الروسى والأمريكى فى الأمن القومى العربى. كما فشل فى الكشف عما يدور فى عقليات الساسة العرب تجاه ما يحدث، وفشل فى تبرير تصرفات بعض القادة العرب ونواياهم تجاه بعض الدول العربية. وربما كان الفشل الذريع للإعلام العربى هو عدم قدرته على الفصل بين مصطلح الشرق الأوسط، واعتبر المنطقة كلها ثقافة واحدة وتتعرض لمصير واحد، فى حين أن المقصود هو الوطن العربى فقط ودوله العربية، وهى وحدها التى تحملت وزر نتائج الربيع العربى.