رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دون أن ندرى


عندما ظهرت التليفونات المحمولة، فرحنا بها، وقتها كانت مشاكلنا مع التليفونات الأرضية لا تحتمل، وبعد أن كانت تمنحنا مكالمات مجانية، توقفت ورفعت أسعار مكالماتها، وفضلًا عن ذلك أساءت معاملتنا، بكثرة أعطالها وتجاهل عمالها ومهندسيها إصلاح الأعطال، كما كان هناك تداخل بين الخطوط، مما كان يشوش الاتصالات ويكشف بعض الأسرار.
لأجل هذا رحبنا بشركة المحمول الجديدة، وتقبلنا على مضض أسعار خطوطها ومكالماتها الغالية، فقد كنا فى مرحلة نحتاج فيها للتجديد، والخروج من الدائرة الجهنمية للشركة المصرية للاتصالات بتليفوناتها الأرضية. واشتركنا فيها، وسلمناها أنفسنا طواعية، أسرارنا وكل ما يخصنا، وكان هناك من يدعى أن الدولة- فى الأزمنة السابقة- تراقبنا، وهناك من يدسون آذانهم فى هواتفنا، ويلتقطون أسرارنا وأنفاسنا، وبعضهم ذهب إلى أكثر من مجرد التحذير، واختار شراء هواتف جديدة بأسماء أخرى حتى يبعد نفسه عن هاجس المراقبة.
ربما كانت التسريبات التى أذيعت فى بعض البرامج الفضائية والحوارية، والتى كشفت عن تسجيلات لنشطاء سياسيين، وتمت إذاعتها، دون أن يعلم أصحابها، أسهمت تلك التسريبات فى زيادة الشكوك لدى البعض. كما كانت الفضيحة التى فجرتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا، والتى كشفت للأمريكيين أن وكالة الأمن القومى كانت تتنصت على مكالماتهم، استنادًا إلى واقعة إصدار الحكومة الألمانية مؤخرًا أمرًا طالبت من خلاله جهاز المخابرات بأن يكف عن مراقبة هواتف الصحفيين باعتبارها مصدرًا من مصادر المعلومات.
وربما نسى البعض التحذير الذى أطلقه اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية، عندما أجرت معه صحيفة الأهرام حديثًا صحفيًا فى عام ٢٠٠٨. بعد مصادمات الشرطة مع بعض الصحفيين والقضاء، وسأله الصحفى نبيل عمر، عما إذا كانت هناك مراقبة للتليفونات، فأجاب بنعم، وقال محذرًا: من يخاف لا يتكلم؟.
وما صرح به العماد جونى عبده مدير جهاز المخابرات السابق فى لبنان، فى مقابلة أجرتها معه صحيفة السفير مؤخرًا، بأنه كان يتنصت على كبار الشخصيات، وكانت عملية التنصت ترسم أمامه صورة للأوضاع بلبنان كل صباح. وأعلن أنه كان يراقب الهواتف كلها. واعترف بأنه حصل على معلومات دقيقة عن بعض خصوصيات الأفراد وأدق التفاصيل فى سياق المراقبة، وقال: لكننا لم نكن نستعملها.
وأنت عندما تفتح تليفونك، فإنه فى خلال ثوانٍ قليلة، يقوم بمسح الشبكة التى تغطيه، ويبث تليفونك إشارات متبادلة بينه وبين شبكة التغطية، وللتأكد من أنك مشترك، وتملك الرصيد الكافى لإجراء المحادثات، فى هذا الوقت يظهر فى مركز الخدمة فى شركة المحمول رقم هاتفك ورقم جهاز الموبايل ومكان وجودك من واقع معرفة المركز بموقع الاتصال، فأنت بموجب برنامج تضعه فى تليفونك، تضع نفسك طواعية أمام أعين الشركة، فتعرف مكان وجودك وتحركاتك، وربما تصلك رسالة تخبرك بحالة الطقس فى البلد الموجود به، دون أن تخبرها بذلك. ولتذهب تعاليم الدستور والقوانين التى تقرر أنه لا يجوز انتهاك خصوصية أى شخص، ولا يجوز التدخل فى الحياة الشخصية أو الأسرية لأى شخص فى مسكنه أو مراسلاته إلا وفقًا للقانون- هباء منثورا، لأنك قدمتها طواعية بإرادتك الحرة لشركات الاتصالات، ثم تعطيها أجرها على انتهاك خصوصيتك.