رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النمر.. 15 سنة صاغة مع اليهود والجرام بـ«جنيه»

النمر
النمر

ملامحه تنم عن قصص وروايات كثيرة يخفيها بداخله، يجلس أمام منزله يرتدي جلبابا، وعلى رأسه قبعة بيضاء يستقر فوقها شال ذو لون جملي داكن، يمسك عصا من البوص في قبضته، يتكئ عليها أينما يسر، الجميع يُلقي عليه السلام، يبدو أنه يحظى بشهرة واسعة في منطقته، لكن الشيء الذي لا يعرفه أحد عن «أحمد النمر» أنه قضى 15 عامًا برفقة اليهود في بيع الذهب.

يقطن أحمد، 73 عامًا، في قرية برطس التابعة لمركز أوسيم بمحافظة الجيزة، بدأ مشواره في الصاغة وعمره 4 أعوام، المهنة التي ورثها عن والده منذ نعومة أظافره يقول: "أنجبني والدي وهو كبير في السن، تعلمت الصنعة منه وهو على فراش الموت، كنت أتجول بين الجمالية والغورية لمشاهدة أنواع المجوهرات الموجودة في السوق، كنت شغوفًا بمعرفة كل كبيرة وصغيرة عن عالم الصاغة منذ صغري ثم أذهب إلى تحت الربع لشرب السوبيا ثم أعود إلى المنزل".

وعن رحلة عمله مع اليهود منذ عام 1952 وحتى عام 1967 يقول النمر: "عملت معهم في الصاغة قبل أن تكون محلات مخصصة للذهب، كنا نضع البضاعة في الحقائب ونسرح بها مثل بائعي الفجل، كنا نبيع ونشتري ونقضي الأوقات سويًا، نعرض على الناس الصاغة للبيع، كنا نتحدث باللغة العربية لكنهم لم يتقنوها، معاملتهم في العمل كانت جيدة، أتذكر رجل يُدعى يوسف متاتيا مرزوق كان صنايعي يحب العمل معي ويمنحني الشغل أقل من باقي البياعين بصاغ".

لدى الرجل السبعيني 7 أبناء متزوجين باستثناء الأخير، تزوج مرتين، ماتت الأولى، والثانية لاتزال تشاركه تفاصيل حياته حتى اليوم، يعود النمر إلى حديثه عن اليهود موضحًا أنهم كانوا يحاسبون على مصنعية الذهب بـ8 صاغ ونصف، وكان ثمن الجرام جنيها واحدا، ثم تدرج إلى جنيه وبريزة ثم 2 جنيه و12 قرشا، وفي بداية السبعينيات أصبح سعر الذهب في تزايد مستمر، مشيرًا إلى أن اليهود اشتهروا ببيع «حب الزيتون الذهب» وهو عبارة عن خيط ملضوم متصل، توضع فيه حبات ذهب أشبه بحب الزيتون كانت ترتديه النساء حينها: "كانوا يهتمون بالتخصص في العمل، فليس فيهم أحد يجيد أكثر من عمل في وقت واحد".

اتجه النمر للعمل في مهن كثيرة، كان يقضي وقته بها ثم يعود إلى مهنته الأم، يقول: "سافرت إلى ليبيا للعمل في ورش الذهب هناك، وجدت كافة العمال من المغرب ولم أحظ بفرصة عمل، ثم اتجهت إلى حمل الطوب والأسمنت، ثم عدت إلى مصر وفتحت مطعم كشري في المطرية، ثم عملت في مجال الألبان وكنت أصنع الأرز بلبن والزبادي، ثم عملت مساعد نقاش في السفارة البريطانية عام 1968- 1969، وأتقنت النقاشة في تلك الفترة".
عاد الرجل السبعيني لمزاولة نشاطه في الذهب مرة أخرى لكن في منزله، يستقبل الزبائن ويرحب بهم، وعادة ما يكونون من أهل قريته: "بسبب ظروف سني لم أعد قادرًا على بذل مجهود وقفلت محل الذهب، يأتي إلى منزلي عرائس كثيرون لشراء الشبكة، ويجتمعون بالمعازيم عندي"، يقضي الرجل السبعيني فترة الصباح مع زوجته في إعداد الطعمية وبيعها في القرية: "طعميتنا لها مذاق خاص، فكل الزبائن يتركون محلات الفول والطعمية ويأتون للشراء منا رغم أننا نبيعها ونحن جالسون على الأرض".