رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم «المِقَدِّس».. أسرار رحلات الحج القبطى لـ«القدس» فى عيد القيامة

جريدة الدستور

لقب «مِقَدِّس».. حلم يراود كل قبطى منذ الصغر، لكن تحقيقه لا يبدو سهلا، خاصة مع قرار الراحل البابا شنودة الثالث، حظر سفر الأقباط إلى مدينة «القدس» منذ ١٩٨٠، فى موقف وطنى تضامنا مع الشعب الفلسطينى ورغم ما يحظى به القرار البابوى من احترام وتقدير، فإن «استثناءات» كثيرة حدثت خلال أكثر من ٣٠ سنة، أولها السماح لمن تخطى عمرهم الـ٦٠ بزيارة المدينة المقدسة، إلى أن تراجع شرط السن- بشكل غير رسمى- إلى ٤٠ فى عهد البابا تواضروس. وخلال موسم احتفالات عيد القيامة، يبدو حلم «المقدس» قريبا للكثيرين، إذا تمكنوا من زيارة كنيسة «القيامة»، حيث قبر السيد المسيح، وتتبع خطى رحلة آلامه التى انتهت بحكم الصلب.

حجاج مصريون: تعاملاتنا مع الفلسطينيين فقط.. والاحتكاك بإسرائيل فى التأشيرة
منير سمير، ٥٠ سنة، أحد الذين زاروا مدينة «القدس»، قال إنه حقق «حلم حياته» برؤية النور المقدس الساطع من قبر المسيح، العام الماضى، عندما خرج فى رحلة استغرقت ٨ أيام- بدأت من «خميس العهد»- إلى الأراضى المحتلة.
وحكى «سمير»: «أسبوع الآلام فى القدس له شعور مختلف، لأنك تكون قريبا للغاية من معاناة المسيح، وتحضر احتفالات الكنائس المختلفة، مثل الفرحة الواحدة التى لمستها فى كنيسة القيامة وجمعت الأرثوذكس والكاثوليك دون تمييز».
وخلال رحلة القدس، زار «سمير» عدة أماكن مقدسة، جميعها تحمل أثر المسيح، تبدأ من كنيسة القيامة حيث دُفن، مضيفا: «جميع الأقباط الذين يذهبون إلى هناك ينتظرون النور المقدس الذى يظهر فى سبت النور من كل عام قبيل عيد القيامة».
ولفت «سمير» إلى أن الأقباط الذين يزورون القدس يواظبون على حضور القداسات بكنيسة القيامة وكنائس القدس، ويتناولون من «الأسرار المقدسة» على الرغم من عدم سماح الكنيسة المصرية لزائرى القدس بهذا، لكنه يعقب: «اشتياق الحجاج لنيل بركة الأسرار المقدسة والقداسات يغلب عليهم». ومن واقع تجربة «سمير»، فإن الشركات السياحية تستثنى وجود أحد الشباب القبطى ضمن أى فوج سياحى يجمع أكثر من ٢٠ زائرا للقدس، وذلك كـ«مرافق»، مشيرا إلى أن هذه الموافقة مصرح بها من السلطات المصرية والإسرائيلية، معتبرا أن هذه «فرصة» للشباب أن يشاركوا فى هذه الرحلة المقدسة. ميلاد رزق، ٤٨ سنة، قبطى آخر خاض الرحلة، يوضح أمرًا هامًا وجدليًا فى الزيارة، وهو علاقة إسرائيل بكل هذا، فيقول إن الأوراق الوحيدة التى تحمل أختام إسرائيل هى التأشيرة فقط، وهنا ينتهى دورها فى رحلة الأقباط، التى تكتمل بعد ذلك بصحبة الفلسطينيين فقط.
أما عن الفنادق التى يمكث بها الأقباط، فيشرح «رزق» أن أغلبها يقع فى منطقتين تابعتين للسلطة الفلسطينية، هما بيت لحم والقدس، موضحا أن الأولى هى الأرخص فى أسعار الإقامة، بالإضافة إلى أن جميع وسائل المواصلات التى يستخدمها الحجاج هناك خلال رحلتهم تابعة لفلسطينيين.
وكشف أن الأماكن التى زارها فى القدس خلال رحلته، هى كنيسة المهد التى ولد بها السيد المسيح، وجبل الزيتون الذى سار فى طريقه، فيما تنتهى رحلة الأقباط بعد عيد القيامة، معتبرا أنها من الفرص الجيدة للاحتفال بكل مراسم العيد فى المدينة المقدسة، ثم تبدأ رحلة العودة إلى مصر بعد «شم النسيم».

جدول الزيارة: 14 مرحلة على خطى آلام المسيح.. والتكلفة 40 ألف جنيه
يشمل البرنامج السنوى للحجاج الأقباط زيارة المعالم المسيحية فى مدينة القدس للاحتفال بعيد القيامة، وهى «عين كارم، وكنيسة يوحنا المعمدان، وحقل الرعاة»، ثم التوجه إلى بيت لحم لزيارة «مغارة الحليب»، وكنيسة المهد.
كما يتضمن البرنامج زيارة «أريحا»، أقدم مدينة فى العالم، وهناك يصعدون إلى «جبل التجربة» بـ«التلفريك»، وزيارة الكنيسة فى قمته، ثم التوجه إلى «شجرة زكا»، قبل أن يطلوا على «وادى قمران»، الذى اكتشفت فيه مخطوطات العهد القديم، وبعد ذلك ينتقلون إلى «بحر الشريعة»، لمن يرغب فى النزول بالملابس البيضاء للتبرك. جبل الزيتون أيضا يكون على جدول الزيارة، كى يحظى الحجاج بإطلالة عامة على مدينة القدس من أعلى الجبل، وتبدأالزيارة من «بيت فاجى» ثم كنيسة الصعود وكنيسة أبانا التى توجد بها كتابة للصلاة الربانية بجميع لغات العالم.
وبعد ذلك تتم مشاهدة الكنيسة الروسية ذات التيجان الذهبية، ثم كنيسة الدمعة، وهى مكان بكاء السيد المسيح، قبل النزول حتى بستان جثسيمانى لزيارة كنيسة كل الأمم، وبعد ذلك قبر القديسة مريم العذرا، وزيارة كنيسة القيامة والكنيسة القبطية ودير السلطان. ثم يقصدون مدينة الناصرة لزيارة كنائس البشارة وقانا الجليل والتبغا أو عين السبع، وهى كنيسة معجزة الخبزات الخمس والسمكتين، ثم الصعود إلى جبل التطويبات، قبل التوجه إلى كفر ناحوم لزيارة منزل حماة التى شفاها السيد المسيح من الحمى، ثم الصعود مرة أخرى، لكن إلى جبل طابور لزيارة كنيسة التجلى. مع نهاية الرحلة، يكون على الحجاج زيارة جبل صهيون، حيث قبر الملك داود، وكنيستى صياح الديك ونياحة مريم العذراء، ثم المشى على خطى السيد المسيح فى طريق الآلام عبر ١٤ مرحلة، والتوجه إلى منزل قيافا، حيث حبس المسيح، والمرور بالتتابع على كنائس القديسة حنا وبير سلوام والجلد، حتى الوصول إلى كنيسة القيامة التى تحتوى على الجلجثة، أى مكان صلب المسيح، وعمود الجلد ومكان التكفين والقبر المقدس، والختام يكون مع حضور خروج «النور المقدس» من قبر السيد المسيح. وبدأت الشركات السياحية رحلاتها إلى القدس منذ «أحد الشعانين»، فيما يصل آخر فوج للحجاج الأقباط إلى الأراضى المحتلة يوم «خميس العهد».
فيكتور عدلى، صاحب إحدى شركات السياحة، قدّر أعداد الأقباط المصريين المشاركين برحلات إلى القدس العام الحالى بـ٤٠٠٠ إلى ٤٥٠٠ زائر قبطى.
وأشار «عدلى»، لـ«الدستور»، إلى تناقص هذا العدد عما قبل، وفسر ذلك بـ«احتكار شركة (إير سيناء) للرحلات بعد رفع أسعار تذاكر الطيران إلى تل أبيب لتصل إلى ١٣ ألف جنيه». وكشف عن أن أسعار الرحلات إلى القدس حاليا تتراوح بين ٢٦ ألف جنيه و٤٠ ألفا.
ورأى «عدلى» أن هناك سوء فهم لدى الكثيرين لقرار إسرائيل عدم السماح لزيارة القدس لمن هم أقل من ٥٥ سنة، موضحا أن «القرار يخص قطاع غزة فقط، وهى منطقة شبه خالية من المسيحيين».

الحرمان الكنسى غير مطبق على الزوار وحركة السفر تتراجع
كنسيًا، ينص قرار المجمع المقدس، فى جلسة الأربعاء ٢٦ مارس ١٩٨٠، على «عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، فى موسم الزيارة أثناء (البصخة المقدسة) وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان، ويسرى هذا القرار تلقائيا ما دام الدير لم تتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك».
وشمل قرار البابا شنودة عام ١٩٨٠ فيما يخص القدس، حرمان الأقباط من «الأسرار الكنسية» فى حال زيارتهم المدينة.
وفى تصريحات لـ«الدستور»، أكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية، التزام الكنيسة بقرار المجمع المقدس بمنع زيارة القدس وهى تحت الاحتلال، مضيفا أن موقفهم لم يتغير منذ عصر البابا شنودة.
لكن مصدرا كنسيا آخر قال إن قرار حظر السفر إلى الأراضى المحتلة لم يعد «مفعلا» بشكل حقيقى فى الوقت الراهن، مستشهدا بعدم تعقب كل من زار القدس خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح المصدر: «كان القرار يشمل كل من هم دون سن الـ٦٠، إلا أن هناك أقباطا فى سن الأربعين زاروا القدس بما يتنافى مع قرار البابا».
وأكمل: «هؤلاء كانوا يعاقبون فى عهده بالحرمان من الأسرار الكنسية، مثل التناول، وذلك لفترة معينة لا تنقطع إلا بسماح من الكاهن المسئول عن كنيسة الشخص الذى زار القدس».
وفى إشارة إلى عدم فاعلية القرار حاليا، أشار المصدر إلى أنه كان من الممنوع على جميع الأقباط الذين يزورون القدس التناول من الأسرار المقدسة فى صلاة القداس التى تقام بكنيستى القيامة والمهد، كنوع من المشاركة الوجدانية التى أقرها البابا شنودة، وذلك حتى لمن استثنوا لزيارة المدينة فى عهده، لكن هذا الامر أصبح أكثر سهولة فى السنوات الأخيرة، إذ يحضر الكثير من الأقباط القداسات هناك، ويتناولون من الأسرار المقدسة فى كنائس القدس.
بدوره، طالب أديب جودة، أمين مفتاح كنيسة القيامة بالقدس، جميع المسيحيين العرب بزيارة القدس والاحتفال بعيد الفصح فى كنيسة القيامة، متمنيا «من جميع الأشقاء أن يزوروا بيت المقدس دون انقطاع على مدار السنة ليؤازروا إخوتهم الفلسطينيين».
وكشف «جودة»، لـ«الدستور»، عن أن نسبة الحجاج الأجانب زادت فى الفترة الأخيرة، فى مقابل تراجع أعداد العرب حتى هذه اللحظة، لكنه رجح أن «تتغير الأوضاع مع نهاية الأسبوع» فى إشارة إلى وفود رحلات عربية إلى المدينة المقدسة.
وعند سؤاله عن مقارنة نسبة حج العرب، مقارنة بالعام الماضى، أجاب: «لا بأس بها»، مشددا على أن إسرائيل يهمها إشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين دائما فى العالم أجمع، وليس فى مدينة القدس فقط.
من جانبه، قال كمال زاخر، المفكر القبطى، إن الكنيسة لم تعد تتشدد إزاء من يرغب فى السفر للقدس، أو تتعقبهم بعد عودتهم، مضيفا لـ«الدستور»: «لا علاقة بين تراجع أعداد الحجاج وأى ظروف سياسية»، إذ إن القرار «دينى شخصى»، على حد تعبيره.