رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضرورة فصل الدين عن السياسة وتطبيق القانون


فى عام ١٩٣٢ قام عالم الآثار المصرية د. لبيب حبشى (١٩٠٦ - ١٩٨٤) بعمله فى البحث عن سيرة «حاكائيب»، وهو السياسى المُحنك والمحارب القديم والقائد القوى والذى معناه «القلب الطاهر» أو «القلب الشجاع»، والذى حمى حدود مصر الجنوبية وأرسى قواعد السلام مع الجنوب الإفريقى، فأقيم له معبد على طرف جزيرة «الفنتين» فى قلب النيل بأسوان، وتقع أطلاله خلف متحفها. ولأن العمل البحثى الذى قام به د. لبيب حبشى كان عظيمًا، فقد قام المعهد الألمانى للآثار المصرية بنشر كتابه عن «حاكائيب»، ويُعد هذا الكتاب مرجعًا عالميًا عن هذا البطل المصرى الشجاع.
فإن كان البطل المصرى القديم «حاكائيب»، قد حمى حدود مصر الجنوبية، فكيف بالرئيس السيسى البطل المصرى الجديد، الذى حمى ويحمى جميع الحدود المصرية. وإن كان «حاكائيب» قد أرسى قواعد السلام مع الجنوب الإفريقى، فنحن أمام بطل مصرى جديد أرسى قواعد الحب والسلام مع جميع الدول الإفريقية.
وللأمانة المطلقة أود أن أهمس فى أذن الرئيس السيسى كلمة صدق - من أجل صالح الوطن - لا تصدّق الذين يتحدثون كثيرًا هذه الأيام، فكثير منهم من المنافقين لأسباب كثيرة فى أنفسهم. فإن كنت يا سيادة الرئيس قد بكيت على ميّت أسبوعًا، فالبكاء على الأحمق والمنافق يستحق العمر كله. وكما قال سُليمان الحكيم فى سفر الأمثال: (الرجل الذكى يستر المعرفة، وقلب الجاهل يُنادى بالحمق)، (حكمة المرأة تبنى بيتها، والحمّاقة تهدمه بيدها)، (الأغبياء يرثون الحماقة، والأذكياء يُتَوَجون بالمعرفة).
سيادة الرئيس.. أرجو مخلصًا التحقق من التقارير الوردية التى تُقدم لكم، فأنت الذى حملت على يدك رأسك فى حربك المقدسة لتطهير أرض الوطن من الإرهاب والإرهابيين. لذلك فاستكمال المسيرة المقدسة - من أجل حياة ما يزيد على ١٠٠ مليون مواطن - يستلزم التحلى بروح الإفراز والتمييز، فبعض الأحيان يكون الكلام المعسول خادعًا ومضللًا، والنتيجة لذلك أننا نتقهقر إلى الخلف. استمع إلى الناطقين بالحق - دون منفعة شخصية - لأنهم أصحاب مبادئ وقيم ومُثل. كم من أناس بيننا لهم ضمائر حية، وأعين يقظة، وقلب نقى، وفكر مستنير.
كلمة الحق لا تضر صاحبها، ولكنها تخيف المخطئ. وهنا أذكر كلمة قالها يومًا القديس يوحنا المعمدان (النبى يحيى) فى القرن الأول الميلادى، عندما قال للإمبراطور هيرودس: (لا يحق أن تأخذ زوجة أخيك، زوجة لك) ما أغضب الإمبراطور هيرودس وأمر بقطع رأسه بحد السيف (حسب طلب زوجة أخيه)، وهنا قيل عن القديس يوحنا المعمدان: (الإنسان الذى فضّل أن يكون بلا رأس، من أن يحيا بلا ضمير). وهذه الكلمة الصادقة محفورة على قطعة من الخشب، وموضوعة عند مدخل دير البراموس العامر بوادى النطرون. وأذكر أنه فى كل مرة أذهب فيها - مع إخوتى المسلمين والأقباط - لزيارة دير البراموس، أتوجه بهم نحو تلك المقولة التاريخية وأذكر لهم قصة هذا النبى الشهيد.
المشكلة الحقيقية فى مصر، تكمن فى أنه ليس مفهومًا على الإطلاق، أن وفدًا من البرلمان الإيطالى أو الألمانى أو أحد رؤساء الدول الإفريقية أو الدول الأوروبية بعد زيارته للرئيس السيسى فى مقر رئاسة الجمهورية يخرج إلى مشيخة الأزهر أو الكاتدرائية المرقسية بالعباسية! هل شيخ الأزهر أو بطريرك الأقباط لديه الشجاعة الكافية أن يقول كلمة الحق فى الوضع الحالى للمصريين؟ إن كانت الأعمال الإرهابية التى يتبناها المتطرفون، هى ثمار تعاليم الأزهر وما يُقال على المنابر أو القنوات الفضائية طوال النهار. وهل بطريرك الأقباط لديه الشجاعة أن يقول إن الأقباط يعانون أشد المعاناة من تصرفات المتطرفين؟ أقول بكل الصدق لا، بدليل أنه أرسل برسالة إلى الكونجرس الأمريكى يشيد بوضع الأقباط فى مصر، وفى مقابلته مع المستشارة الألمانية «ميركل» بالقاهرة، أشاد بحال الأقباط فى مصر - على الرغم من أنها ذهبت وشاهدت بنفسها آثار الدماء على جدران الكنيسة البطرسية بالعباسية. وكان من نتيجة هذا الكلام - غير المدروس وغير الصادق - أن رفضت ألمانيا لجوء عدد من الأقباط إلى ألمانيا بسبب المضايقات التى يتعرضون لها، لأن هناك بعض ضعاف النفوس لا يمكنهم تحمل مضايقات فوق طاقتهم.
شيخ الأزهر بنفسه يدلى بتصاريح مخالفة للواقع. وحتى عندنا فى الكنيسة - فى أثناء الصلوات - يقولون عن الأساقفة والكهنة «الذين يفصلون كلمة الحق باستقامة» (أى يرددون دائمًا كلمة الحق مثلما فعل القديس يوحنا المعمدان)، أين هذا من الواقع؟ لا يوجد. بل بالعكس، بعضهم يحيط نفسه بالمطبلين والمزمرين ليهاجموا الذين ينطقون بالحق.
حتمية فصل السياسة عن الدين أمر ضرورى، ولا يوجد أى معنى لقيام الرؤساء الدينيين بمقابلة الرؤساء السياسيين، وليعتكف كل مسئول على الأمر الخاص به فقط، السياسى للسياسة، والدينى للدين، والأكاديمى للعمل الأكاديمى، وأن يؤدى عمله بإخلاص. أما هذا الخلط، فهو الذى أدى إلى المشاكل التى نعانى منها بل غابت الحقيقة عن الجميع.
أيضًا قانون ازدراء الأديان، للأسف فإنه يتم تطبيقه فى اتجاه واحد فقط أو ينحاز إلى طرف واحد فقط. فهناك كثيرون من المسيحيين محبوسون بقانون ازدراء الأديان، منهم فتاة هى مُدرسة بالأقصر، كما أن هناك خمسة أطفال بالمنيا محبوسون، ثم تم ترحيلهم بعد ذلك إلى سويسرا! وحالات كثيرة من المسيحيين صدرت ضدهم أحكام بقانون كان من المفترض أن يكون عادلًا، ويدافع عن الأقباط أيضًا. وفى قضية الأب مكارى يونان - بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية - أنه كان يرد على الاتهامات الباطلة التى وجهها الشيخ سالم عبدالجليل إلى الدين المسيحى، وكان ينبغى استدعاؤه لاستجوابه أيضًا، ولكن لم يتم هذا! أنا شخصيًا لست مدافعًا عن الأب مكارى يونان، ولا أرغب فى الحديث فى أمثال تلك الموضوعات التى لن تفيد بشىء، لكن ما ذكره الأب مكارى يونان سبق وسجلته الكاتبة «سناء المصرى» (١٩٥٨ - ٢٠٠٠) فى كتابها «هوامش الفتح العربى» الصادر عن دار سينا فى عام ١٩٩٦ والذى استندت فيه إلى كتابات ثلاثة من كبار المؤرخين، هم: الكندى، المقريزى (وهما من المسلمين)، وساويرس بن المقفع (من الأقباط). وكانت الكاتبة سناء المصرى دائمًا فى مواجهة مع الإسلاميين المتشددين.
إلى متى يظل القانون غير عادل فى التطبيق.. إلى متى تظل القيادات الكنسية فى موقف ضعف فى مواجهة أمثال تلك المواقف؟ الأسقف الوحيد الذى يتحدث بشجاعة ويدافع عن أولاده هو الأنبا مكاريوس أسقف المنيا، الذى لم يتردد لحظة واحدة فى الدفاع عن المظلوم، وفى نفس الوقت يتمتع بشعبية جارفة فى المنيا بين المسلمين والأقباط أيضًا. من الأفضل أن نمنع مثل تلك المناقشات المدمرة للعلاقات المصرية، وليتفرغ رجال الدين لمهامهم الأساسية ألا وهى الكلمة الطيبة دون التطرق للآخر.
سيادة الرئيس.. لقد اختار الشعب «مصر» فى شخصكم المحبوب، والمطلوب تنقية الأجواء المحيطة بكم من المنافقين والمطبلين والمزمرين، بحسك الوطنى استمع إلى الذين لهم فكر مستنير وينطقون بالحق. رجال الدين للأسف الشديد تخلوا عن رسالتهم الحقيقية، وكثير منهم أضلوا الشعب، وقدموا لهم صورة الحياة الوردية المخالفة للواقع المُعاش.
سيادة الرئيس.. المقياس الحقيقى لقوة الاقتصاد، يكمن فى حجم شريحة الطبقة المتوسطة. وللأسف الشديد اضمحلت تلك الطبقة تمامًا، وانحازت إلى الطبقة الفقيرة، وأكاد أقول إن الطبقة المتوسطة تلاشت، وأصبحت هناك طبقة ارستقراطية تدير أمور البلاد تبعًا لأهوائها الشخصية، ومن هنا كثُر الفساد. فمتى نعيد الطبقة المتوسطة إلى حجمها الطبيعى؟ وهم أكثر الناس شعورًا باحتياجات الفقراء.
نتمنى لكم التوفيق فى المرحلة المقبلة بإنجازات حقيقية أكثر، على أن يعرف الشعب الحقيقة، والحقيقة وحدها تقود الشعب إلى حياة أفضل، وليكن شعاركم - كما هو مُعلق على مدخل الجامعة الأمريكية فى بيروت - «لتكن لهم حياة، وتكن حياة أفضل».