رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة الإسلام السياسى


مصطلح سياسى وإعلامى وأكاديمى لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام، باعتباره نظامًا سياسيًا للحكم، أو كمجموعة من الأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية التى يستخدمها مجموعة المسلمين الأصوليين الذين يؤمنون بأن الإسلام عبارة عن نظام سياسى واجتماعى وقانونى واقتصادى يصلح لبناء مؤسسات دولة.
وهم يرفضون مصطلح الإسلام السياسى، ويستخدمون عوضًا عنه الحكم بالشريعة أو الحاكمية الإلهية. وذلك من خلال الأحزاب السياسية التى يسمح بها دستور البلاد، وتلك الأحزاب هى سلوكهم الوحيد للدخول فى عالم السياسة التى تمهد لوصولهم للحكم، وهم فى سلوكهم السياسى هذا يخضعون لإحدى وجهتى نظر.
وجهة النظر الأولى، تعتقد بأنّ سياسات وممارسات تلك الأحزاب والجماعات لا تقودها الأيديولوجيا أو الفكر السياسى، بقدر ما تقودها الأحداث والوقائع المحلية والإقليمية والدولية، وما يعنيه ذلك من أنانية واستفادة من تلك الأحداث، ومقدرة تلك الأحزاب على التكيّف مع الواقع.
أمّا وجهة النظر الثانية، فهى ترى أنّ الإسلاميين هم فى الأساس أيديولوجيون، أو أصحاب فكر ورأى مسبق، وأنّ أى تنازلات يقدمونها للمبادئ أو المؤسسات العلمانية الأخرى، فى سبيل الوصول للحكم، هى حركات تكتيكية بحتة؛ حيث لا تمنعهم مشاركتهم فى السياسات الانتخابية، من الدعوة إلى الجهاد العنيف، استغلالًا للحماس الدينى إذا كان له مقتضى. ووفقًا لهذه النظرة، فإنّ المفهوم الإسلامى الحقيقى للديمقراطية، هو أنّ صندوق الاقتراع مجرد طريق للتحكم بالسلطة؛ وبمجرد أن يصبحوا هناك، فإنهم يتخلون عن الديمقراطية لصالح الديكتاتورية، ولا يتنازلون عنها أبدًا.
وجهتا النظر ترسمان جانبًا كبيرًا من أحداث «الربيع العربى» التى وقعت فى المنطقة العربية فى عام ٢٠١٠ وتداعياتها. لقد التحقت الأحزاب السياسية بالعمليات الانتخابية التى جرت فى الدول التى ضربها الربيع العربى فى تونس ومصر والعراق، وبقيت كجزء من النظام الانتخابى؛ كى تنفذ استراتيجية تدريجية لأسلمة الدولة والمجتمع، وكان من مقتضيات بقائها فى العملية السياسية، أن تتجاوز عن بعض تلك الأفكار التى يؤمنون بها وتشكل جزءًا كبيرًا من رؤيتهم الإسلامية للحكم.
فكرة الاعتدال قد لا تكون واردة فى فكرهم السياسى، فهم على سبيل المثال، قد يصفون الشخص المعتدل بأنه متطرف من وجهة نظرهم، وأن من لا يعتنق فكرهم فهو متطرف.
ويرى معارضو ومنتقدو التيار الدينى فى السياسة، أن الفكر الدينى الإسلامى حين لا يتعرض للمراجعة والإصلاح والتأويل التنويرى، فإنه لا يعترف بأى فصل بين الدين والسياسة، أو بين الدين والدولة، وبذلك لا يمكن الوثوق بأى فكر سياسى إسلامى، ما لم يتخل عن أجندته الأيديولوجية، لصالح فكر أكثر اعتدالًا أو ديمقراطية.
لأجل هذا وقع الإسلام السياسى فى أزمتين. أزمة الهوية، وأزمة الدولة الوطنية فى العالم العربى، وهى تتبلور عند أصحاب المذهب السنى، فيما يعرف بفكرة الخلافة أو البعث الإسلامى من جديد، وقيادة العالم على أساس دينى بحت.
أما عند الشيعة، فتبدو واضحة من خلال ولاية الفقيه، وانتظار إمام آخر الزمان الذى يُقيم العدل.
وهو ما يعنى أن الغاية عند أهل الإسلام السياسى فى الحالتين، يجب أن تؤول الدولة إلى إحدى النظريتين الشيعية أو السنية، ولا خيار آخر.
أى أن المفهوم الإسلامى الحقيقى لدى أصحاب مبدأ الإسلام السياسى للديمقراطية، هو أنّ صندوق الاقتراع، مجرد طريق للوصول إلى الحكم، والجلوس على سدّته، ثم التحكم بالسلطة، وعدم التنازل عنها مهما حدث.