رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أيام الصراع العربى الإسرائيلى


فى شهر مارس تحضرنى مناسبتان متناقضتان.. إحداهما منذ خمسين عامًا، والثانية منذ أربعين عامًا. المناسبة الأولى كانت فى ٢٠ مارس ١٩٦٨، وفيها تمت هزيمة الجيش الصهيونى فى معركة الكرامة أمام الجيش الأردنى والمقاومة الفلسطينية.

وقتها كانت إسرائيل منتشية بالانتصار السهل الذى حققته على الجيوش العربية فى مصر وسوريا والأردن، وفى نفس التوقيت كانت عمليات المقاومة الفلسطينية فى أوجها، وفى محاولة منها لكبح جماح المقاومة، قامت قوات إسرائيلية بعبور نهر الأردن وشنّ هجوم على منطقة الكرامة فى غور الأردن الشرقى، حيث عبرت وحدات مدفعية مدعمة بطائرات قاذفة، واستمر القتال طوال النهار على جبهة تقدر بخمسين كيلومترًا، وكانت معركة الكرامة هى الاشتباك الأول ووجهًا لوجه بين الجيش الإسرائيلى والجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية، وكان من نتائج المعركة انسحاب الجيش الإسرائيلى، مخلفًا وراءه أعدادًا كبيرة من الآليات المدمرة والمعدات العسكرية وخسائر جسيمة فى الأرواح، ومثلت معركة الكرامة أول انتصار عربى - فلسطينى على آلة الحرب الإسرائيلية بعد هزيمة عام ١٩٦٧.
انتهت المعركة وفشل الجيش الإسرائيلى فى تحقيق أى من الأهداف، التى قام بهذه العملية العسكرية من أجلها، وأثبت الجندى الأردنى قدرته على تجاوز الأزمات السياسية، وقدرته على الثبات وإبقاء روح قتالية عالية وتصميم وإرادة على تحقيق النصر. وقد أثبتت الوثائق التى تركها القادة الإسرائيليون فى ساحة القتال، أن هذه العملية تهدف إلى احتلال المرتفعات الشرقية لوادى الأردن وأنه تمت دعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء فيها، وذلك لشدة ثقتهم فى النصر.
المناسبة الثانية فى ١٤ مارس ١٩٧٨ هذا اليوم قام الجيش الإسرائيلى بمهاجمة لبنان، فيما يعرف بعملية نهر الليطانى، فى ١٤ مارس عام ١٩٧٨، كانت أهداف العملية المُعلنة هى أن تطرد مجموعات الفدائيين الفلسطينيين، خصوصًا منظمة التحرير الفلسطينية، بعيدًا عن الحدود مع فلسطين المحتلة، ولتعزيز حليف الكيان الصهيونى فى ذلك الوقت، جيش لبنان الجنوبى.

استمر هذا الهجوم لمدة ٧ أيام احتل خلالها جيش العدو أولًا حزامًا من الأرض بعمق ١٠ كيلومترات تقريبًا، لكنه تَوسّع لاحقًا شمالًا إلى نهر الليطانى، وقد قدَّرت الحكومة اللبنانية أن حوالى ٢٨٥٠٠٠ لبنانى قد أصبحوا لاجئين، وقد قتل أكثر من ٢٠٠٠ لبنانى، كُلهمّ تقريبًا من المدنيين وقُتِلَ ٢٠ صهيونيًا وتَراجعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى شمال نهر الليطانى، لتُواصل إطلاق النار على الصهاينة. وفى ذلك الوقت أصدر مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة القرار رقم ٤٢٥ والقرار رقم ٤٢٦، داعيًا إلى انسحاب القوّات الصهيونية مِن لبنان. وشُكِّلَت قوة فصل للأُمم المتحدة فى لبنان باسم اليونيفيل، بغرض فَرض تنفيذ هذا القرار ولتُعيد السلام والسيادة إلى لبنان. وَصلتْ قوات اليونيفيل إلى لبنان فى ٢٣ مارس ١٩٧٨، وقد هاجم جيش لبنان الجنوبى اليونيفيل بشكل دورى.
فى ١٩ أبريل ١٩٧٨، قَصف جيش لبنان الجنوبى مقر اليونيفيل وقتل ٨ من جنود الأُمم المتحدة، اختُطف جنديان أيرلنديان تابعان للأُمم المتّحدة فى أبريل ١٩٨٠ وقُتِلا بواسطة مُسلَّحين مسيحيين فى أرض جيش لبنان الجنوبى، وضُرِب جندى أيرلندى آخر من قبل رجال سعد حداد، وقد هاجم الفلسطينيون اليونيفيل أيضًا واختطفوا جنديًا أيرلنديًا من اليونيفيل فى ١٩٨١ وواصلوا احتلال مناطق فى جنوب لبنان وقامت مجموعة من مقاتلى الجبهة الشعبية - القيادة العامة - بأسر جندى صهيونى يدعى «أبراهام عمرام»، وتمت مبادلته بـ٧٦ أسيرًا وأسيرة فلسطينيين فى صفقة عرفت وقتها باسم رحلة النورس.
وهما يومان محسوبان من أيام تاريخ وقائع الصراع العربى الإسرائيلى، منذ أن وجدت إسرائيل عام ١٩٤٨.