رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تتحرك مصر لإعادة عصرها الذهبي في إفريقيا؟

وزير الخارجية يسلم
وزير الخارجية يسلم رئيس جنوب السودان رسالة من السيسى

مثلت ثورة ٣٠ يونيو، التى أطاحت بحكم جماعة الإخوان، نقطة فاصلة فى علاقة مصر بقارة إفريقيا، ليشهد التواجد المصرى فى القارة السمراء بعدها حضورا قويا، أهّل القاهرة للفوز برئاسة الاتحاد الإفريقى فى دورته المقبلة عام ٢٠١٩، رغم ما تم سابقا من تجميد عضويتها فى المنظمة عام ٢٠١٣.

وشهدت السنوات الأخيرة عودة مصر إلى البوابة الإفريقية بقوة تذكر بطبيعة الأوضاع فى عقدى الخمسينيات والستينيات، وإن دخلتها هذه المرة من باب مكافحة الفقر، ودعم التنمية الاقتصادية والبيئية، استكمالا لدورها السابق، فى دعم جهود شعوب القارة، للتحرر من الاستعمار، ونيل الاستقلال.

وبعد عقود طويلة تذبذب فيها الحضور المصرى بالقارة، استعادت مصر دورها المفقود، عبر بناء استراتيجية واضحة، ومتعددة المجالات، للتعاون مع الدول الإفريقية.

تعاون فى التدريب والبنية التحتية والطاقة والرعاية الصحية
استكمالًا لدورها التحررى فى القرن الماضى، أعادت مصر رسم ملامح استراتيجيتها الجديدة تجاه القارة السمراء، على أساس دعم التنمية فى الدول الإفريقية، عبر المساعدة على بناء نهضة حقيقية، فى مجالات البنية التحتية، والأمن، والتكامل الاقتصادى والتعاون السياسى والرعاية الصحية.

وترتكز الاستراتيجية المصرية فى التنمية بإفريقيا على دعم الاستثمارات فى مجال تنفيذ مشروعات الطاقة، ومد الطرق البينية وإقامة المعابر الحدودية، واستكمال البنى التحتية، بما يسمح ببناء مناطق صناعية، تعيد تعريف اقتصاد دول القارة.

وتبلغ الاستثمارات المصرية فى القارة ما يقرب من ٧ مليارات دولار، غير أن القاهرة ترى أن هذا الرقم لا يعبر عن طبيعة العلاقات الممتدة بين القاهرة ودول القارة، ولا يجسد حقيقة الدور التاريخى والتنموى لمصر.
وشهدت الفترة الأخيرة عدة مؤشرات توضح طبيعة التواجد المصرى بالقارة فى السنوات المقبلة، من بينها ما جاء على لسان اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فى كلمته التى ألقاها خلال زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان إلى مصر مؤخرا، وقال فيها: «الهيئة بما أصبح لديها من إمكانيات قادرة على تنفيذ مشروعات خارج مصر».
وتلا ذلك زيارة خاصة من اللواء عباس كامل، القائم بأعمال مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، إلى دولة السودان، توالت فيها تصريحات الجانبين عن الرغبة فى تحسين العلاقات، وتعزيز فرص التعاون بين الجانبين فى عدة مجالات.

كما شهد الأسبوع الماضى، زيارة من المستشار الاقتصادى لرئيس الجمهورية الإريترى، هاجوس جبر هويت، إلى مصر، طلب فيها رسميا، مساعدة القاهرة على إنشاء عدة محطات شمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية بأسمرة، على غرار ما جرى تنفيذه فى مصر مؤخرا، بالإضافة إلى تولى شركة المقاولون العرب مسئولية إنشاء مشروعات سكنية جديدة بإريتريا.

وفى المجال الصحى، تقوم الاستراتيجية المصرية فى إفريقيا على تقديم المساعدات الطبية والصحية، وإيفاد الكوادر المهنية إلى القارة، واستقبال عدد من الوفود للتدريب، بالإضافة إلى افتتاح عدد من المراكز الطبية، كما حدث مؤخرا فى دولة جنوب السودان.

كما عقدت مصر فى السنوات الأخيرة أكثر من ٣٠٠ دورة تدريبية، شارك فيها نحو ٧ آلاف متدرب، من عدة دول إفريقية، وشمل التدريب عدة مجالات، على رأسها الصحة والرى والزراعة والأمن ومكافحة الفساد وغيرها.

ومؤخرًا، أطلقت «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية» برنامجا خاصا للتدريب، يتولى تدريب دبلوماسيين من ٤٠ دولة إفريقية، تحت عنوان: «دبلوماسيو القرن الواحد والعشرين والدبلوماسية الاقتصادية».

وتوالت فى الفترة الماضية زيارات كبار المسئولين المصريين إلى عواصم القارة، وعلى رأسهم المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية، الذى دشن عدة جولات ناجحة، زار خلالها العديد من الدول، راصدا أوجه التعاون الممكنة بينها وبين مصر.
كما أجرى وزير الخارجية سامح شكرى عدة زيارات لدول القارة، كان آخرها جولتاه الناجحتان، بجنوب السودان وكينيا، قبل أيام.

«الخارجية»: حضورنا الحالى فى القارة الأقوى منذ عقود
قال السفير حمدى لوزا، نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية، إن دول القارة تقدر الدور المصرى بشكل كبير، مشيرًا إلى أن تواجد القاهرة فى إفريقيا بعد ثورة ٣٠ يونيو شهد تطورا كبيرا، ربما يعد الأقوى خلال العقود الماضية.
ولفت إلى أن دول القارة والاتحاد الإفريقى تجاوزت سوء الفهم الذى حدث بعد ٣٠ يونيو، وأدى لاتخاذ قرار بتعليق مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد الإفريقى، خاصة أن كافة دول القارة كانت مهتمة بشدة وتتابع ما يجرى بمصر بشكل دقيق، حتى اتخذت قرارها بالتراجع عن تعليق العضوية.
وقال السفير: «مصر تخطو خطوات كبيرة فى القارة، فى الفترة بين عامى ٢٠١٤، و٢٠١٨، وتم انتخابها لترأس منظمة الاتحاد الإفريقى فى ٢٠١٩، وفى نفس العام، ستترأس منظمة الكوميسا، والجهد المصرى بالقارة مستمر، وسيشهد انطلاقة كبرى خلال الفترة المقبلة».
ولفت إلى أن الدولة المصرية انضمت فى ٢٠١٨ إلى «الترويكا الإفريقية»، التى تضم الرئيس الحالى لمنظمة الاتحاد الإفريقى، بالإضافة إلى الرئيسين السابق والمقبل، ما يعنى أن مصر ستظل عضوًا بهذه «الترويكا» حتى عام ٢٠٢٠.
وأضاف: «خلال العامين الماضيين عقدت مصر عدة اجتماعات، شاركت فيها قيادات إفريقية عالية المستوى، مثل مؤتمرات شرم الشيخ الاقتصادية، والمؤتمر الدولى للشباب، بالإضافة إلى زيارات ثنائية، قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لعدة دول إفريقية، كما استقبل عددا كبيرا من الرؤساء الأفارقة فى مصر».
وتابع: «يجرى حاليا التنسيق بين وزارة الخارجية، والوزارات الأخرى المعنية، من أجل تنفيذ استراتيجية عامة، تسمح لمصر بالتواجد والنشاط فى الدول الإفريقية، من بينها وزارات الرى والزراعة والتجارة والاستثمار والتعاون الدولى».
وأشار إلى أن الدولة المصرية تهدف لتعزيز التواصل، والتواجد المصرى بإفريقيا، عبر زيادة الاعتماد على القطاع الخاص، بالإضافة إلى القطاع العام، الذى يعد معبرا عن الاقتصاد المصرى، لافتًا إلى أنه يجرى حاليا تطوير مهام القطاع الخاص، وتعزيز استثماراته داخل القارة، والعمل على زيادة الصادرات المصرية لأسواقها.
وتابع: «يتطلب الأمر تكثيف الدور المصرى بإفريقيا، ليس فقط لأسباب اقتصادية أو استثمارية، وإنما من منطلق الحرص على حقوقنا المائية والسياسية والأمنية، خاصة أن هناك مناطق وأقاليم فى إفريقيا ترتبط ارتباطا مباشرا بأمن مصر القومى، مثل دول حوض النيل، والقرن الإفريقى والساحل والصحراء».