رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العمامة والمسبحة».. أسرار رجال الأزهر داخل الطرق الصوفية فى مصر

علماء الأزهر في حضرة
علماء الأزهر في حضرة شيوخ المحمدية الشاذلية العشيرة المحمدي

ظهرت، مؤخرًا، ملامح العلاقة الوطيدة التى تجمع بين مؤسسة الأزهر الشريف، والطرق الصوفية، بعد إعلان عدد من الرموز الأزهرية عزمهم تكوين طرق جديدة.
على رأس هؤلاء، الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، الذى أعلن تأسيس الطريقة «الصديقية الشاذلية»، والشيخ الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدى، أمين عام الدعوة السابق، الذى أعلن تأسيس الطريقة «العامرية الخلوتية».
وتاريخيا، يجمع الأزهريون بالطرق الصوفية علاقة روحية خاصة، حتى يمكن القول إن معظم مشايخ الأزهر الشريف يحملون نزعة صوفية، أو ينتمون لبعض الطرق، وعلى رأسها «الشاذلية والنقشبندية والخلوتية».
«الدستور» تفتح ملف الأزهر والصوفية، وتسلط الضوء على العلاقة الخاصة التى تجمع بين التيارين، وطبيعة التواصل بين «أهل المدد»، وأقطاب المؤسسة الدينية الكبرى فى مصر، وأسباب انجذاب المشايخ لتلك الطرق، فى مواجهة رفضهم للفكر الإخوانى والسلفى.

بالأسماء.. سيطرة لـ«أهل المدد» فى الجامعة والمشيخة وهيئة كبار العلماء
تعد علاقة علماء الأزهر الشريف وأهل الصوفية قديمة وتاريخية، فكثير من علماء الأزهر فى العصور القديمة، مثل «الشاطبى» و«القرافى»، كانت تجمعهم علاقات جيدة بالصوفيين.
أما مشايخ الأزهر فى العصور الحديثة فانتمى معظمهم كذلك لطرق صوفية معروفة، ونذكر منهم الأئمة: محمد الفحام، وجاد الحق على جاد الحق، ومحمد سيد طنطاوى، وشيخ الأزهر الحالى الإمام أحمد الطيب.
الشيخ محمد الفحام، الذى تولى مشيخة الأزهر بين عامى (١٩٦٩ و١٩٧٣)، كان من أتباع الطريقة «الشاذلية»، وتلاه فى المنصب الشيخ عبدالحليم محمود، الذى تولى المشيخة بين عامى (١٩٧٣ و١٩٧٨)، وكان يتبع نفس الطريقة، وإن كان معروفا بحبه لكل الطرق الصوفية وأوليائها.
أما الشيخ جاد الحق على جاد الحق، الذى تولى المشيخة بين عامى (١٩٨٢ و١٩٩٦) فكان من أتباع الطريقة «النقشبندية»، وتبعه فى المنصب الشيخ سيد طنطاوى، الذى كان صوفيا محبا لأولياء الله الصالحين.
وعلى نفس النهج، يأتى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالى، الذى يتبع الطريقة «الخلوتية الحسانية»، التى يتولى شقيقه الشيخ محمد الطيب مشيختها، ومن المعروف أن جد الشيخ الطيب ووالده كانا من مشايخ الطرق الصوفية.
ولا يقتصر الانتماء إلى الطرق الصوفية على مشايخ الأزهر فقط، بل يتعداهم إلى أعضاء هيئة كبار العلماء، الذين يرتبط معظمهم بعلاقات جيدة مع الطرق ومشايخها.
ويأتى فى مقدمة هؤلاء، الدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر الحالى، الذى يتبع الطريقة «المحمدية الشاذلية»، والدكتور حسن الشافعى، رئيس مجمع اللغة العربية، والدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، اللذان يتبعان «العشيرة المحمدية». وفى جامعة الأزهر، يتبع الدكتور محمد المحرصاوى، رئيس الجامعة، الطريقة «الخلوتية»، فى حين يعد الدكتور محمد أبوهاشم، نائب رئيس الجامعة، شيخا للطريقة «الهاشمية»، أما الدكتور عبدالفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين، فهو من أتباع الطريقة «الخلوتية»، فى حين يعد الدكتور سعدالدين الهلالى من كبار المتصوفين.
أما أكثر من اشتهر بعلاقاته الصوفية من بين علماء الأزهر الشريف، فهم: الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، لكونه أحد قيادات الطريقة «الهاشمية» منذ سنوات طويلة، والدكتور على جمعة، الذى دشن مؤخرا الطريقة «الصديقية الشاذلية»، والشيخ الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدى، أمين عام الدعوة السابق، الذى أعلن تأسيس الطريقة «العامرية الخلوتية».
ويمكن القول إن العلاقة التى تجمع الأزهر والصوفية أكبر مما يعتقد كثيرون، حتى إنه يمكن وصفهما بأنهما جسد واحد فى كيانين، ويرجع ذلك إلى طبيعة الفكر والاعتقاد الأزهرى، الذى يؤمن بأن «الإحسان»، هو أحد أركان الإسلام الصحيح.
كُريمة: مشايخنا وصفوا الصوفية بـ«أقرب الناس إلى الله».. وشاهدت الكرامات بعينى
قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه صوفى المنهج، مرجعا أسباب ذلك إلى شيخه الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، الذى كان يحبب تلاميذه فى الصوفية، ويدعوهم لمنهجها الوسطى، ويقول دائما: «إن أهل التصوف هم أقرب الناس إلى الله».
وأضاف كريمة: «تتلمذت على يد الشيخ صالح الجعفرى، شيخ الطريقة الجعفرية، وتعلمت العلم على يديه، ما جعلنى محبًا للصوفية، ورافضًا تشدد التيارات والجماعات الإخوانية والسلفية، العاملة فى مصر».
وتابع: «بعد أن درست التصوف على يد شيوخ الطريقة الجعفرية لسنوات، انجذبت لحضرات الصوفية، ومجالسهم الكريمة، التى لا يذكر فيها إلا اسم الله، عز وجل».
وأشار «كريمة» إلى أن تيار التصوف الإسلامى يجذب عادة شيوخ وعلماء الأزهر، خاصة أنه يهتم بالظاهر والباطن، دون مغالاة، ويستمد منهجه من أعلام العلماء الذين خدموا الإسلام، مثل الشيخ أبوحامد الغزالى، الذى كان من أقطاب الصوفية واختارها بعد رحلته فى الفلسفة.
وذكر أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن كون كبار العلماء الأزهريين من الصوفيين لا يقلل من شأنهم، بل هو أمر يزيدهم علما ووقارا وقربا من الله، مرجعا ذلك إلى طبيعة الفكر الصوفى نفسه، الذى يرى أنه مهما تعددت الطرق فكلها يجب أن تقوم على المحبة والمودة والاحترام، بعكس الجماعات الأخرى، مثل الإخوان الذين يكرهون السلفية، أو السلفية الذين يكرهون الصوفية، أو الجهاديين الذين يكرهون التبليغ والدعوة، وغير ذلك.
وشدد على أن هذا الفارق بين أهل الصوفية وهذه التيارات، هو ما يجعل الصوفيين متحابين فيما بينهم، لذلك لا يمكن أن تتكرر هذه الظاهرة بين أتباع الطرق، مضيفا: «وفقا للمنهج الصوفى، تجد المريد فى الطريقة الشاذلية يحب أخاه المريد فى الطريقة الخلوتية، ويساعده ويقف إلى جانبه، بعكس الجماعات الأخرى، كما أن شيوخ ومريدى الصوفية يقبلون أيادى بعضهم دون تكلف، لأنهم يعلمون أن الطرق الصوفية هدفها إيصال المسلم إلى باب النبى، صلى الله عليه وسلم».
وعن أشهر الطرق الصوفية التى ينتمى إليها علماء الأزهر الشريف، كشف «كريمة» أن الطريقة «المحمدية الشاذلية» هى أقرب الطرق لقلوب وعقول الأزهريين، وذلك بسبب علم مؤسس الطريقة الراحل، الدكتور محمد زكى الدين إبراهيم، الذى كان قطب الصوفية الأوحد، واتسم منهجه برفض البدع والخزعبلات.
وتابع: «كرامات مؤسس العشيرة المحمدية، الشيخ محمد زكى الدين إبراهيم، وبعض مشايخ الصوفية الآخرين جذبت إليهم كثيرين من علماء الأزهر، ومريدين من كل أنحاء العالم الإسلامى».
واستكمل: «هذه الكرامات تعرضت لها شخصيا وشهدتها، وهذه شهادة حق أحاسب عليها أمام الله، عز وجل، وإن كنت لا أستطيع أن أحكى عنها، وكانت أحد الأسباب التى جعلتنى أعشق أهل الصوفية وأبكى فى حضرتهم».
صوفيون: «الأشعرية» تحمينا من تشدد الإخوان والسلفيين
أرجع القيادى الصوفى، الدكتور سيد مندور، العلاقة الطيبة بين التيارين، إلى المحبة والأدب وحسن الخلق، التى وجدها علماء المؤسسة الأزهرية لدى أقطاب الصوفية، وقال: «الأزهر وعلماؤه يميلون بطبعهم إلى الفكر الوسطى، وهو ما يجدونه عند أهل الصوفية».
وأضاف «مندور»: «علماء الأزهر، بطبيعتهم، يميلون للوسطية، وهذه الوسطية لا توجد إلا عند أهل الصوفية، الذين يعلمون الناس كيفية الاقتداء بالرسول وصحابته الكرام، كما أن الأزهر الشريف ذو منهج صوفى أشعرى، منذ النشأة، وعلى ذلك، ليس غريبا أن نجد كل علمائه وشيوخه تابعين لطرق صوفية».
وتابع: «الشيخ على جمعة، مفتى الديار السابق، والشيخ محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر أصبحا من أقطاب الصوفية الجدد، بعدما أسس الشيخ جمعة الطريقة الصديقية الشاذلية، ودعا الشيخ مهنا إلى تجديد المناهج الصوفية».
ورأى الدكتور علاء الدين ماضى أبوالعزائم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أن التوجه الصوفى لعلماء وشيوخ الأزهر كان من أهم الأسباب التى حافظت على وسطية المؤسسة الدينية، وجعلها تتصدى لدعوات التشدد والتطرف، وتؤدى دورها بوسطية واتزان.
وأضاف: «هذه الوسطية حالت دون تبنى الفكر المتطرف والمتشدد الموجود لدى الجماعات والتيارات السلفية، التى ترفض أى نوع من الحوار مع الآخر، ومشايخ الطرق الصوفية يقدرون من جانبهم الدور الذى لعبه الأزهر، صاحب العقيدة الصوفية الأشعرية، فى حماية البلاد والعباد من الأفكار الدخيلة، التى تريد إحداث فتنة داخل المجتمع».
وتابع «أبوالعزائم»: «من فضل الله على مصر أن علماء الأزهر وشيوخه جميعهم صوفية، إذ لم يتول هذا المنصب أى شخصية إخوانية، ما أدى لانتشار التصوف الإسلامى بين تلاميذ وطلبة العلم بالأزهر، خاصة الذين درسوا على يد متصوفين كبار، مثل الدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور محمد أبوهاشم، والدكتور محمد مهنا، والدكتور عبدالفتاح العوارى، وغيرهم».