رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يعيش الأقباط فى السعودية؟

تصوير: أحمد جمعة
تصوير: أحمد جمعة

محاسبون وأطباء ومهندسون وإخصائيو علاقات عامة.. ويعملون فى جميع المدن عدا مكة والمدينة
ولى العهد السعودى يزور الكاتدرائية المرقسية فى القاهرة».. خطوة لم تكن تخطر على بال أكثر الحالمين بعالم تسوده روح المحبة والإخاء، ويختفى فيه التطرف والتشدد.
لكن محمد بن سلمان فعلها، فى حدث تاريخى لا يُحسب فقط فى تاريخ العلاقات المصرية ــ السعودية، بل يرجح من كفة فكر المملكة المتجه نحو الحداثة والتصالح مع كل الأطياف ضد الأصولية الدينية التى لا تقبل إلا بلون واحد.
ومع فتح زيارة «بن سلمان» الباب لبحث أوضاع الأقباط المصريين العاملين فى المملكة العربية السعودية، ترصد «الدستور» خطة الكنيسة الأرثوذكسية لمتابعة أحوالهم هناك، ومردود تلك الزيارة على تحسن أوضاعهم وتلبية مطالبهم.

عدم وجود كنيسة أزمتهم الوحيدة.. القداسات فى الأردن والبحرين.. ومرقس: لا يواجهون مضايقات
قال ميلاد يوسف، محاسب قبطى مقيم للعمل فى المملكة العربية السعودية، إنه يعيش فى الرياض، وأوضاع العمالة المصرية هناك جيدة، وجميعها تسير وفقًا لقوانين مكتب العمل بالمملكة.
وأضاف: «نتمنى فقط أن تتوافر أماكن لصلاة المسيحيين»، لافتًا إلى أن السلطات السعودية تمنع حمل أى كتاب مقدس، سوى القرآن، والأقباط يعملون فى جميع مدن السعودية، فيما عدا مكة والمدينة المنورة.
واستكمل: «السعودية فى عهد الأمير محمد بن سلمان أصبحت أكثر انفتاحًا، فسُمح للمرأة للمرة الأولى بقيادة السيارات، كما نظمت حفلات موسيقية فى الفترة الأخيرة.
واختتم «يوسف»: «وجود كنيسة حلم الكثير من الأقباط المصريين العاملين فى السعودية، خاصة أن من يريد صلاة قداسات الأعياد يتجه للأردن والبحرين».
وذكر بيتر ناجح، طبيب أسنان بمدينة جدة، أن غالبية الأقباط الموجودين فى المملكة يعملون فى وظائف إدارية، فمنهم المحاسبون، وإخصائيو علاقات عامة فى شركات متعددة الجنسيات، إلى جانب مهندسين وأطباء فى جميع التخصصات، وطب الأسنان والعلاج الطبيعى على وجه التحديد.
وقالت «إنجى غالي»، وهى قبطية مقيمة بالسعودية، إن الأوضاع الحالية اختلفت، والمجتمع السعودى متفتح إلى حد كبير، وليس كما يتردد عنه، مضيفة: «منذ ٣ سنوات مدة إقامتى بالسعودية، وأثناء تحركاتى، لم يقابلنى من يسأل عن ديانتى، وحين كان يسألنى أحدهم عن أسماء أبنائى ويكتشف أنهم غير مسلمين لا يعلق على شىء بذوق وأدب جم».
وأضافت: «الأقباط هناك عايشين زى أهل البلد ولا يوجد سؤال أنت ديانتك إيه، والدليل أن لديهم عمالة من دول كتير، فهناك السيخية ومن يعبد البقر وديانات أخرى، ولا أحد يتدخل فى شئون غيره». يذكر أنه يوجد ما يقرب من مليون ونصف المليون مسيحى فى السعودية، وجميعهم من العمالة الأجنبية الوافدة إليها، ويسمح لهم بدخول جميع المناطق عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن يخالف ذلك، يتم ترحيله إلى خارج البلاد، ولا توجد كنائس فى السعودية، ما عدا كنيسة أثريّة فى منطقة «جبيل» يُسمّيها الناس كنيسة جبيل السعودية، ولا يسمح لأحد بزيارتها، أو ممارسة طقوس المسيحية فيها.
ووفق الدستور السعودى يتم منع غير المسلمين من ممارسة الشعائر الدينية على الملأ، أو بناء الكنائس أو المعابد، كما يحاسب القانون فى السعودية، كل من ينشر تعاليم دينية غير التعاليم الإسلامية، أو يروج لأى رمز دينى، كالصلبان، والتماثيل وغيرهما، ويرى خبراء أن هذه الزيارة - زيارة بن سلمان للكاتدرائية - قد تكون خطوة أولى لحزمة إصلاحات فى هذا الجانب.
بدوره، قال الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة، الذى يعد مهندس العلاقات الكنسية بالمملكة العربية السعودية، إن علاقة مصر عامة والكنيسة بشكل خاص بالمملكة، جيدة للغاية.
وأضاف «مرقس»، لـ«الدستور»،: «الكنيسة تتابع أحوال العمالة المصرية من الأقباط المقيمين هناك بشكل مستمر، وهم يدعون لولى العهد السعودى أن يوفقه الله ويكلل جهوده بالنجاح، وأن يعم الحب والتعايش بين الجميع منهجًا».
وكشف عن أنه سيزور السعودية خلال الفترة المقبلة، بعد دعوة ولى العهد السعودى للكنيسة بزيارة المملكة، خلال لقائه البابا تواضروس الثانى بالمقر البابوى، مشيرًا إلى أن الكنيسة تستعد فى الوقت الحالى لإعداد إحصائية عن أعداد الأقباط العاملين بالسعودية خلال تلك الزيارة المرتقبة.
وووصف الأنبا مرقس أوضاع العمالة المصرية من الأقباط فى السعودية بـ«الجيدة»، موضحًا أنهم لا يعانون أى مضايقات من المسئولين عن العمل فى المملكة، لكن أزمتهم الوحيدة عدم توافر كنيسة يصلون بها هناك.
وأضاف: «غالبية الأقباط يتجهون للصلاة فى أقرب دولتين للسعودية، وهما البحرين والأردن، حيث تتوافر كنائس يصلون بها بالقرب من الحدود».
واعتبر الأنبا مرقس أن زيارة الأمير محمد بن سلمان الكاتدرائية تعنى صحة الطريق الذى تنتهجه المملكة نحو الإصلاح والتسامح وتعزيز روح الإخاء والمحبة بين الأديان والثقافات، و«هى سياسة يحبها العالم وترتضيها الأديان».
ووجه كلمة للأمير بن سلمان قائلًا: «نحن معك ونؤيد ما تفعله من خطوات إصلاحية تفتح الطريق للحداثة والتنمية وتقف فى وجه التطرف، وزيارتك لكنيستنا تأكيد جديد منك على جدية خطواتك، وتصرف يؤكد أن السعودية تقدم من قلب الكنيسة المصرية رسالتها للعالم، وهى أن دولة المقدسات الإسلامية ودولة الرسالة تقف مع الأديان الأخرى وتبادلها السلام والمحبة».
توقعات بانفراجة فى حمل الكتب الدينية بعد تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
قال القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية، إن زيارة ولى عهد السعودية تعبر عن عمق العلاقات بين الشعبين المصرى والسعودى ومدى انفتاح التعاملات بينهما، مشيرًا إلى أن «بن سلمان»، أشاد بدور الكنيسة وأكد أن المملكة تقدر الشهداء الأقباط، وأن مصر يمكنها أن تقود الحوار والتعاون بين الجانبين المسيحى والإسلامى لمكانتها وقدمها.
وأضاف «حليم»، لـ«الدستور»،: «الزيارة هى الأولى التى تقوم بها شخصية رفيعة المستوى مثل ولى العهد السعودى للكاتدرائية، وهى رسالة لمصر والعالم العربى بالتشارك والتسامح».
من جهته، اعتبر ثروت بخيت، عضو مجلس النواب، الزيارة، خطوة شجاعة لولى العهد السعودى، وقال: «الأمير الشاب قائد موجة انفتاح داخل المملكة، إذ سمح لقيادة المرأة السيارة، وفتح مجالًا للفنون والثقافة وأن تأخذ منحى مختلفًا عن ذى قبل».
وأضاف: «الزيارة هى الأولى من نوعها والتاريخ سيسجل ذلك لولى العهد السعودى، وذلك يتشابه مع ما فعله الرئيس عبدالفتاح السيسى من حضوره الصلاة وقداس عيد الميلاد المجيد، وترسخ للمفاهيم الحقيقية للدين الإسلامى، وهى السماحة وتقبل الديانات الأخرى».
وقال الباحث فى الشئون القبطية كمال زاخر، إن الزيارة مثلت صدمة بالنسبة للمتشددين، وذلك لإقدام واحد من أهم رموز السعودية على هذه الخطوة، بما يعد تحديًا للفكر السلفى واليمين المتطرف.
وأوضح «زاخر» أن الزيارة ليست مجرد مقابلة فى مؤسسة دينية، بل فكر جديد يرسخ لتوجه الدولة نحو الحداثة، خاصة أنه سبقها خطوات أكثر استنارة، عن المرأة والفنون والثقافة، لذلك لا يمكن قراءة مقابلة الأمير محمد بن سلمان للبابا تواضروس منفصلة عن هذه الحزمة من الإجراءات التنويرية.
وأضاف: «أعلى مستوى قبل هذه الزيارة كان لقاء السفير السعودى بالبابا، وقبلها البابا تواضروس هو من تحرك لزيارة الملك سلمان، لذا فإن دخول الأمير محمد بن سلمان للكاتدرائية يعد نقلة مهمة يجب التوقف عندها كثيرًا».
وعن أوضاع المسيحيين فى السعودية، قال إنه لا بد من التفريق بين وضع الأقباط قبل الزيارة وما بعدها، موضحًا: «كان تتم معاملتهم وظيفيًا بشكل جيد دون مشكلات، لكن يُمنع اصطحاب أية مقتنيات دينية، سواء كتبًا أو تفسيرات، وهذا الأمر معلن من المملكة لأسباب ترجع لسيطرة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
وأضاف: «غير أن هناك حزمة من الإجراءات اتخذها الأمير سلمان تصب فى تحجيم دور الهيئة لتنحسر فى الدعوة فقط من خلال المساجد دون تدخل فى حياة الأفراد ما يعد انفراجة مهمة».
وتابع: «هذه الإجراءات تمثل نقلة كبيرة، وربما يشهد العاملون من الأقباط انفراجة بحيازتهم الكتب الدينية»، مشيدًا بفكر «بن سلمان» الذى أثبت امتلاكه توجهات أكثر استنارة، واعتبر مردود اللقاء على مصر كبيرًا، لأنه يعنى مستقبلًا أنه سيتم انحسار الجماعات المتطرفة.
وقال كريم كمال، رئيس «الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن»، إن زيارة «بن سلمان»، للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ولقاء البابا تواضروس الثانى، تحمل عددًا من الرسائل المهمة، أبرزها تقدير المملكة للدور الوطنى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مستوى العالم العربى، وأيضًا تأكيد انفتاح المملكة على جميع الأديان.
وأضاف «كمال»: «تحمل الزيارة رسالة بأنه لا مكان فى المنطقة العربية للإرهاب والتطرف، وأن المملكة ستكون حائطًا منيعًا ضد الفكر المتطرف».
وأشاد بكلمات الأمير خلال لقائه البابا، وقال: «حملت كلماته العديد من المعانى السامية عن احترام الأديان وعقائد الآخرين، وهى رسالة تؤكد أن المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز تمثل وسطية الإسلام».
وتابع: «الزيارة بشكل عام لمصر تمثل بداية جديدة للعلاقات المصرية ــ السعودية على المستويين السياسى والاقتصادى، وتؤكد الدور الريادى لمصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى والسعودية بقيادة الملك سلمان وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، فى التصدى للإرهاب وحماية المنطقة العربية من ويلاته».
ولا تعد زيارة ولى العهد السعودى الكاتدرائية الخطوة الوحيدة فى طريق كسر الجمود فى علاقة المملكة العربية السعودية بالمسيحيين، ولكن سبقتها خطوة جريئة هى زيارة البطريرك المارونى بشارة الراعى «الرياض» يوم ١٤ نوفمبر الماضى، ولقاؤه الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولى عهده.
وأثارت تلك الزيارة جدلًا واسعًا حول دلالاتها وأهدافها الخفية، إذ تعتبر الأولى من نوعها لأصحاب الديانات غير المسلمة للمملكة، وفى مشهد تاريخى مماثل لمصر، ذهب الراعى إلى بلاد الحرمين، التى لم تطأها قدم بطريرك مارونى منذ فجر الإسلام.
واعتبرت صحف خليجية أن المسألة تتجاوز الانفتاح السياسى السعودى على الديانات الأخرى، وإنما هى تحوّل فى العلاقة الإسلامية ــ المسيحية فى لحظةٍ غلب عليها التطرف.
وبالتزامن أيضًا مع زيارة الراعى، الرياض، عقد البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، مباحثات سياسية مع وفد حكومى سعودى فى لقاء نادر طلبه الجانب السعودى.
وأثناء زيارة الراعى، السعودية، استقبل البابا فرنسيس فى قاعة بولس السادس بالفاتيكان وفدًا رسميًا برئاسة عبدالله بن فهد اللحيدان، مستشار وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد فى المملكة.