رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وبسهم عربى!


أخطأت الخارجية المصرية حين قامت بتغليب حسن النية وأرجعت الأكاذيب الواردة في تقرير زيد بن رعد الحسين، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وادعاءاته الواهية ضد مصر إلى اعتماده على «تقارير مرسلة ومسيّسة تصل إلى مكتبه» دون أن يتحقق منها أو من مصادرها.

النية الحسنة لا تليق بتقرير المفوض «السامي» لحقوق الإنسان، وبما سبقتها من تقارير كريهة الرائحة، فاقدة للمصداقية والحيادية عن دول عربية عديدة، ولا يمكن إرجاع أكاذيبه وادعاءاته إلى عدم تحققه من صحة ما يصل إلى مكتبه، لأنها ببساطة تعود إلى طبيعة الدور الذي اختير من أجله المذكور لشغل هذا المنصب: سهم عربي تم تسميمه، لاستهداف ظهور العرب، وابتزازهم سياسيًا. ومدفوعًا بأحلامه أو أطماعه، صار المذكور «دمية»، يحركها القائم بالابتزاز وتتحدث بلسانه. إذ سبق أن قام، في سبتمبر ٢٠٠٦، بتسليم طلب ترشحه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. وربما قيل له وقتها إنه لن يصيبه الدور، قبل أن يلعب أدوارًا تؤهله!.

فور توليه المنصب، منصب المفوض «السامي»، وبعد أن أدّى اليمين القانونية في ٤ سبتمبر ٢٠١٤، شرح المذكور التحديات التي وجد عليها حقوق الإنسان في العالم، وقال: إنها تبدأ بالعنف والإرهاب في سوريا والعراق، مرورًا بالنزاعات الداخلية المستمرة في اليمن وليبيا وأوكرانيا، ثم تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي والتنمية في جنوب السودان وإفريقيا الوسطى والصومال ونيجيريا ومالي، ووضع حالة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، و..... و..... وسقطت من ذاكرته، عمدًا وليس سهوًا، الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والانتهاكات الأمريكية ضد غالبية شعوب الأرض، بل ضد فئات من الأمريكيين أنفسهم!.

ما يؤكد أن السقوط كان عمدًا، وليس سهوًا، خطاب ألقاه المذكور، في ٢٠٠٤، وصف فيه الفدائيين الفلسطينيين بأنهم «يرقون إلى مستوى الإرهاب». ولم يجرؤ منذ توليه منصبه، على المطالبة بفتح تحقيق بشأن اضطهاد السود في الولايات المتحدة، وقتلهم بدم بارد على يد الشرطة الفيدرالية. ولو راجعت البيانات الصادرة عن المفوضية بشأن الإسرائيليين، ستكتشف بسهولة أن لهجتها تتسم بالليونة وعدم توجيه أي إدانة صريحة أهم. ولن تجد غير تكرار تعبيرات، مثل «نشعر بالقلق».. «نحث الحكومة على الإنصات».. «نحث المشرعين على إعادة النظر». وذات مرة، كان الضحية فلسطينيًا، وصدر بيان المفوضية ليحث «السلطات الفلسطينية» على اتخاذ تدابير لمنع الاعتداءات على الإسرائيليين!.

مثلًا، حين كان الإسرائيليون يناقشون مشروع قانون يتيح لهم بناء المستوطنات على الأراضي المملوكة ملكية خاصة للفلسطينيين دون موافقة أصحابها، أصدر المذكور بيانًا صحفيًّا في ٢٨ ديسمبر ٢٠١٦ حث فيه «المشرعين على إعادة النظر في تأييدهم لمشروع القانون الذي قد يضر بشدة بسمعة إسرائيل في جميع أنحاء العالم». وبهذا الشكل، لم يقم المذكور بإدانة الإسرائيليين وسياستهم الاستيطانية، كما لم يرفض مشروع القانون، لأنه ينتهك القانون الدولي، وإنما بسبب حرصه على «سمعة إسرائيل». ولن نتوقف عند تبنيه وجهة النظر الإسرائيلية وانتقاده «بولندا» لمجرد أنها سنت قانونًا بتجريم من يحمّلها مسئولية «الهولوكوست»!.

طبيعة الدور الذي تلعبه المفوضية «السامية» اتضح أكثر أو افتضح بدرجة أكبر، بعد التقرير الذي أعدته بعثتها الفنية بشأن زيارتها إلى قطر خلال الفترة من ١٧ إلى ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧، وهو التقرير الذي أثبت أن تلك البعثة لا تعرف اختصاصاتها أو طبيعة دورها: نقل الخبرات الفنية التي تملكها المفوضية إلى الجانب القطري. الأكثر من ذلك، هو أن التقرير تضمن العديد من المزاعم والاتهامات، التي لا أساس لها من الصحة، جاء منحازًا وتبنى الرواية التي تسعى الحكومة القطرية إلى تسويقها إقليميًا وعالميًا. وطبيعي أن تكون تلك هي النتيجة، لأن البعثة الفنية لم تلتقِ إلا ممثلي جهات حكومية، ونحو ٤٠ شخصًا، وفرتهم اللجنة القطرية لحقوق الإنسان!.

هذه اللجنة، اللجنة القطرية لحقوق الإنسان، هي نفسها التي سبق أن كشفت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، في ١٤ سبتمبر ٢٠١٧، عدم مهنيتها وتواطؤها مع الحكومة القطرية بالأدلة القانونية والعملية والواقعية. وفي اجتماع الدورة ٢٢ لمنتدى آسيا والمحيط الهادي، الذي انعقد بالعاصمة التايلاندية بانكوك، تلقّى كارن فيتر باتريك، المدير التنفيذي للمنتدى، والمشاركون، تقريرًا عن حالة حقوق الإنسان المتردية في قطر، اتهم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية ورئيسها علي بن صميخ المري بالتواطؤ مع حكومة بلاده.

التقرير قال بوضوح: إن تلك اللجنة «حكومية ولا تتمتع بالاستقلالية»، وأثبت أنها «لا تقوم برصد وإدانة ممارسات وسلوكيات وانتهاكات كثيرة في قطر». ومع ذلك، تم إلقاء هذا التقرير في سلة المهملات فقط، وأتيح للمدعو «علي المري» أن يستغل اسم المنتدى والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، سياسيًا وحقوقيًا وإعلاميًا، للدفاع عن النظام القطري. بالضبط، كما كان الهدف الرئيسي للحكومة القطرية من طلب زيارة البعثة الفنية للمفوضية هو التوظيف الإعلامي والسياسي، وهو الهدف الذي حققه زيد بن رعد، ضاربًا عرض الحائط بالهدف السامي (أو المفترض أنه كذلك) للمفوضية، المتمثل في نقل خبراتها الفنية إلى الجانب القطري!.

..وأخيرًا، تكون مخطئًا، لو تجاهلت تلك الابتسامة الصفراء على وجوه من استعاروا صوت فرجينيا (ليلى فوزي في فيلم الناصر صلاح الدين)، وقالوا كما قالت: «وبسهم عربي». وتظلم زيد بن رعد الحسين، لو اعتقدت أنه لا يعرف مهام وظيفته. إذ إنك أمام مجرد تابع، ينفذ تعليمات مَن يحركونه، وينطق بلسانهم، ولا توجد لديه أدنى مشكلة في أن يتم اعتلاؤه، مقابل أن يعتلي مقعد الأمين العام للأمم المتحدة.