رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل التجربة الحزبية فى مصر


كثر الحديث بمناسبة الانتخابات الرئاسية عن الأحزاب السياسية المصرية وأوضاعها، وغياب الدور الحزبى الجاد فى هذه العملية، وانكشاف محدودية تأثيرها فى الحياة السياسية والمجتمع، وعجزها عن المشاركة الفاعلة بتقديم مرشحين جديرين بالاحترام، للمنافسة على مقعد الرئاسة، أو النهوض بدورها الأساسى فى تقدم النظام السياسى والمساهمة فى حل مشكلات المجتمع والدولة.
وقد قيل الكثير من الكلام فى هذا الصدد، وأهرقت دماء الأحزاب السياسية كلها، ودون تمييز، ونُشر عرضها، ولم يتذكر اللائمون نقيصة بحقها وبحق القائمين عليها، إلا واستخدموها. وتجاوز المهاجمون عن كثير من لوازم الموضوعية، ودخلوا فى مزايدات عبثية تستهدف دفن أشلاء هذه الأحزاب، أو قطع رقبتها مرةً وإلى الأبد، وإغلاق ملف «التعددية الحزبية» البائسة، إن أمكن، ولسان حال البعض منهم: «بلا أحزاب بلا دياولو، وفضوها سيرة بقى»!.
وبدايةً، فليس موضوع جدالنا هو ضعف هذه الأحزاب أو قوتها، فالحديث عن بؤس أوضاعها، والإقرار بهشاشة أحوالها تحصيل حاصل، إنما القضية الأساسية تكمُن فى لزوم إدارة حوار جاد ومسئول، حول أسباب هذا الضعف «البنيوى» وسُبل علاجه، إن كنا حريصين حقًا، على مستقبل العمل الوطنى، وعلى حسن إدارة الدولة ومواردها، واستقرار البيئة السياسية فى المستقبل.
فحتى الآن لم تجد البشرية آلية لتفعيل المبادرات الشعبية، وتحفيز الطاقة البشرية، وتنظيم الجهد الإنسانى أفضل من هذه الصيغة، على عيوبها المعروفة، وقد أخذت بها أغلب دول العالم. بعضها طبّقها فى صيغة «الحزب الواحد»، وهى تجربة كانت لها ظروفها ودواعيها وانقضت، وبعضها أطلقها ووفر لها شروط النمو ونجحت، وبعضها تعامل معها بلا مبالاة، وباعتبارها «شىء لزوم الشىء»، مثلنا، فلم يُكتب لها النجاح!.
والسؤال الذى يطرح نفسه بوضوح فى هذا الصدد: هل نحن بحاجة لمشاركة الناس، وبالذات الطبقات والفئات الاجتماعية التى تمتلك قدرًا من الوعى والثقافة، فى عملية البناء السياسى، وفى جهد تحويل الوضع من حال «شبه الدولة»، والتعبير للرئيس «عبدالفتاح السيسى»، إلى وضع «الدولة» الرشيدة الكفؤة، أم نحن فى غنى عن هذا الأمر، ويمكن أن تتم هذه العملية بكبت كل الأصوات، وإدارة الدولة والمجتمع بالتعليمات الواجبة التنفيذ؟!، وهل هذا ممكن فى عصر الإنترنت والسموات المفتوحة؟!، وهل يحقق غياب الدور الجماهيرى الأهداف المنشودة؟!، وإذا كان يعول على هذا الأمر، فلمَ فشل هذا الفشل الذريع الذى نشهده فى مصر وفى غيرها من البلدان ذات الظروف الشبيهة؟!.
وتحضرنى، فى هذا السياق، شهادة مهمة، أدلى بها الدكتور «محمود جامع»، وكان أحد (المقربين) للرئيس الأسبق، فى كتابه «عرفت السادات»، (المكتب المصرى الحديث، الطبعة الأولى- ١٩٩٨)، تُلقى ضوءًا على جذور القضية، إذ يقول إن «السادات»: «كان يسمع كثيرًا لمن حوله، وكانت وشاياتهم تؤثر فيه وفى قراراته، وقال لى يومًا إنه كان يُحب أن ينشغل الذين حوله، وألا يتحابوا حتى يظل هو (الجوكر)،.. وكان يحب أن يضع أشخاصًا غير متحابين ولا متفقين فى المواقع المهمة المختلفة، حتى لا يتفقا عليه، وحتى ينقل كل واحد أخبار الآخر إليه، فيكون هو المرجع بالنسبة لهم جميعًا!، ولذلك لم يكن الذين حوله على وفاق، فلا عثمان أحمد عثمان كان على وفاق مع سيد مرعى، ولا كان سيد مرعى يُحب ممدوح سالم»!.. (ص: ١٥٨). لكن الأهم، كما يقول د.جامع: «وأذكر أنى سألت السادات: هل تريد أحزابًا حقيقية أم ديكورًا؟!.. فابتسم ابتسامة ساخرة.. وفهمت أنه فقط كان يريد أن يُلَوِّحُ للغرب بورقة الديمقراطية بيده!»، (ص: ١٩٧).. وللحديث بقية.