رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الراهب الذى رفض أن يكون أسقفًا


عندما تنيح (توفى) الأنبا تيموثاؤس مطران كرسى الدقهلية عام ١٩٦٩. ولما كانت إيبارشية الدقهلية مترامية الأطراف فكر البابا كيرلس السادس فى أن يقسم الإيبارشية إلى اثنتين ــ للاهتمام أكثر بالخدمة ــ إحداهما إيبارشية المنصورة والأخرى إيبارشية دمياط. من كثرة محبته وثقته فى سكرتيره الأب الراهب القمص متياس السريانى فقد اختاره ليكون أسقفًا على دمياط، فما كان من هذا الراهب الصادق مع نفسه إلا أن ذهب لمقابلة البابا كيرلس وطلب منه إعفاءه من هذه المسئولية على أساس أنه يريد أن يحيا حياة النسك والتعبد فى البرية.
وهنا أنا أطالع جريدة الأهرام عدد الخميس ١٨ ديسمبر ١٩٦٩: «ولما وجد من البابا إصرارًا على رسامته، ترك القاهرة وهرب إلى الصحراء ليحول دون إتمام الرسامة التى دعا البابا بالفعل مطارنة الكنيسة القبطية وأساقفتها لحضور احتفالها بالكنيسة المرقسية. فقرر البابا تأجيل الرسامة حتى يمكن العثور على الأب الراهب الذى هرب»، وبعدد الأهرام الصادر صباح الجمعة ١٩ ديسمبر ١٩٦٩ نطالع الآتى: «ظهر أن الراهب المختفى قد غادر القاهرة إلى دير السريان الذى ترهب فيه، حيث يقضى فترة للتعبد، بعد أن رأى إصرار البابا كيرلس السادس على رسامته أسقفًا لإيبارشية دمياط. وكان البابا قد أوفد بعثة من ثلاثة أساقفة للبحث عن الراهب المختفى، وقد اتجهوا فعلًا إلى وادى النطرون. بعدد السبت ٢٠ ديسمبر ١٩٦٩ نشرت جريدة الأهرام التالى: «كان الراهب قد وصل إلى الدير قبيل منتصف أمس الأول ــ الأربعاء ــ وتقابل مع زملائه الرهبان حيث روى لهم قصة عزوفه عن قبول منصب أسقف دمياط، ثم قصد وحده إلى صومعته -قلايته- بعد صلاة نصف الليل. وفى الصباح وصل الوفد الذى أرسله البابا كيرلس السادس للبحث عن الراهب وإعادته. وتوجه الوفد إلى صومعة الراهب، ولكنهم اكتشفوا اختباءه فجأة. بعدد جريدة الأهرام الصادر صباح الأحد ٢١ ديسمبر ١٩٦٩ نطالع ما يلى: «لم يسفر البحث أمس عن الراهب.. وقد واصل الأنبا شنودة ــ أسقف المعاهد الدينية ــ ورهبان دير السريان بوادى النطرون ــ ٣٣ راهبًا ــ البحث عن الراهب فى المنطقة المحيطة بالدير والتى يؤكدون أنه لم يغادرها حتى الآن. ومن المرجح أن يعود الراهب إلى الدير بعد إتمام مراسم تنصيب مطرانى المنصورة ودمياط اليوم الأحد ــ وهى المراسم التى بدأت مساء أمس، وذلك بعد أن اختار البابا الراهب موسى المقارى، من دير أنبا مقار، وأحد تلاميذ الأب متى المسكين ليكون أسقفًا لدمياط بدلًا من الراهب متياس السريانى». حدث بعد ذلك فى عام ١٩٧٧ -فى فترة البابا شنودة الثالث- أن قام قداسته بالضغط على الأب الراهب متياس السريانى بقبول الأسقفية، وأمام الإصرار ــ ولم يستطع الهروب كما فعل من قبل ــ وافق على طلب البابا بشرط أن يحمل اسم «الأنبا رويس» ليكون مرتبطًا بمنطقة الأنبا رويس ولا يغادرها إلى أية أسقفية خالية، ومازال يحيا حياته التعبدية بهدوء بعيدًا عن المناقشات غير المثمرة التى تدور فى أروقة منطقة الأنبا رويس والبعيدة تمامًا عن الحياة الرهبانية الأصيلة وتعاليم الكتاب المقدس. أليست هذه هى النوعية المطلوبة لقيادة الكنيسة بصدق وأمانة، عوضًا عن الذين يتصارعون ويفقدون سلامهم وسلام شعبهم؟.