رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة الكراهية فى سوريا


عندما يظل شعب فى حالة حرب لمدة ٨ سنوات- حدث هذا فى سوريا والعراق واليمن- تتعطل فيها مرافق الدولة، وتستباح فيها القرى والمدن التى تقع فيها مسارح العمليات، نسمع عن اغتصاب، وذبح، وحرق، وقتل بالسيف، ورجم، وجلد، وكل آفات المجتمعات البدائية، وهى حالة الحرب الغريبة التى وجد العرب أنفسهم منغمسين فى أتونها.
ومما لا شك فيه أن هناك جرحًا عميقًا أصاب أبناء تلك الشعوب، فى خصائصهم الإنسانية، وبالذات المثقفون، الذين يمثلون النخبة فى تلك الشعوب.
فقد كتب طلال المصطفى يعلق على ما كتبه أحد مثقفى النظام السورى، الذى يعرف نفسه بأنه أديب وشاعر، على ما يحصل فى الغوطة الشرقية: «سوريا تنظف نفسها من الرعاع»، وأكاديمى آخر يقول: «يجب إعادة الغوطة إلى زراعة البطاطا، بعد تدميرها»، وأخرى تقول: «الغوطة يجب أن تُباد برجالها وأطفالها وشجرها وحجارتها، فالجميع إرهابيون، أما نساؤها فسيكُن خدمًا لنا»، أو من يطلب جمع لحم أطفال الغوطة وتحويلها إلى «شاورما» فى مطاعم دمشق.. إلخ، وهناك الكثير من عبارات الكراهية السوقية، التى يتحفوننا بها على وسائل التواصل الاجتماعى، لا مجال لذكرها، إنها عبارات الكراهية ليست من شخصيات سورية عادية، بل من شخصيات تدّعى العلم والثقافة، وتعكس كراهية مرتبطة برواسب ثقافية ثأرية تاريخية، وبسرديات تاريخية عن المظلومية المرتبطة بصور الجوع وعمالة الخدم عند الآخر. خطاب الكراهية السوقى هذا، ليس بجديد، فقد سبق رأس النظام بشار الأسد أن وصف السوريين الآخرين المعارضين لنظامه الاستبدادى بـ«الجراثيم»، وعلى مواليه استئصالهم من سوريا، وهذا ما يحصل فى الغوطة الشرقية، وحصل فى المدن السورية الأخرى، كما يعتقدون.
إنه خطاب ثقافى يحرض على فكرة الإبادة الجماعية التى تحرمها جميع القوانين الدولية.
ولو بحثنا فى جذور تلك الثقافة التى نشأت فى تلك الدول والشعوب، سنجد أنها ظهرت أول ما ظهرت فى الصراع المرير الذى نشب من أجل الوصول للحكم، فوجدنا مجموعة من الشباب يحاصرون الإمام عثمان، ويمنعون عنه الماء والطعام، ثم يدخلون عليه ويقتلونه بسيوفهم وهو فى سن التسعين، ولم يحترموا شيخوخته، وشاهدناه فى مقتل عبدالله بن الزبير عندما كتب الحجاج بن يوسف إلى عبدالملك بما وقع، وبعث برأس ابن الزبير مع رأس عبدالله بن صفوان، وعمارة بن حزم إلى عبدالملك، ثم أمرهم إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرءوس بها، وأنهار الدماء التى سالت بسبب محاولات الوصول للحكم.
لأجل هذا لا نستبعد أن نستمع لخطاب ثقافى تحريضى، بعد أن تغلغل داعش بجيوشه عربية النشأة وإسلامية العقيدة، لتعيد تلك الثقافة مرة أخرى فى نفس المناطق فى القرن الواحد والعشرين.
خطاب الكراهية العربية للأعداء والاغتصاب، والذبح والحرق والقتل بالسيف، ورجم الزانى حتى الموت بالحجارة، والجلد بالسوط، والتمثيل بالجثث وأكل لحومها. ولطم الخدود منذ أكثر من ١٣١٥ سنة، فى مشهد لم يندثر، ويتكرر كل عام حتى الآن. وكل آفات المجتمعات البدائية، هى ثقافة عراقية وسورية خالصة لم نسمع عنها فى مصر.
نحن فى مصر، ننسى ونتسامح، وفى مصر دون غيرها من أبناء الثقافات البدوية، نتسامح مع القاتل، إذا ما حمل كفنه، ومر أمام أبناء القتيل، وننسى الأسى ولا نحتفظ به حتى مع أعدائنا، لأن لدينا جزءًا قديمًا من الثقافة القبطية، التى لا تحض على الكراهية، ولا الاحتفاظ بها لتحرق القلوب، ولم يُعرف عن المصريين فى تاريخهم الطويل أنهم مارسوا القتل البشع، أو تقطيع الأطراف، ولا التمثيل والتعذيب والذبح والرجم.
هو نفس ما مارسه داعش الذى نقاتلها، ولا نفعل بهم مثلما فعلوا بشبابنا فى سيناء وليبيا، بوحى من التراث الإسلامى المشوه الذى نقلوه، وحاولوا تجديده.