رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أم المصريين


صفية مصطفى فهمى (١٨٧٨ ــ ١٩٤٦) تنتمى لعائلة أرستقراطية، فوالدها مصطفى فهمى باشا كان من أوائل رؤساء وزراء مصر منذ عرف الوطن نظام الوزارة فى أوائل القرن التاسع عشر. وهى زوجة سعد زغلول (١٨٥٧ ــ ١٩٢٧) أحد أكبر وأقوى الزعماء الوطنيين وقائد ثورة ١٩١٩ فى مصر، ثم رئيس الحكومة المصرية، فرئيس مجلس الأمة.

وحينما تزوجت سعد زغلول لم يكن سوى قاضٍ مصرى، ولكن عندما دخل المعترك السياسى وقفت زوجته بجانبه فى الشدائد ولُقبت بصفية زغلول نسبة إلى اسم زوجها سعد زغلول.
كان لها دور بارز فى الحياة السياسية المصرية. أطلق عليها الجميع لقب «أم المصريين» وذلك لعطائها المتواصل من أجل قضية الوطن العربى والمصرى خاصةً، حيث خرجت على رأس المظاهرات النسائية من أجل المطالبة بالاستقلال خلال ثورة ١٩١٩. وقد حملت لواء الثورة عقب نفى زوجها الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة سيشل فى ٨ مارس ١٩١٩. وعندما نفت السلطات سعد ورفاقه، علم توفيق باشا أندراوس (١٨٩٣ ــ ١٩٣٥) أن أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد، فما كان منه إلا أن باع ٧٠٠ فدان ووضع ثمنها تحت تصرفها للإنفاق على الحركة الوطنية.

كانت صفية زغلول مثقفة ثقافة فرنسية، ومنحها سعد الحرية الكاملة لإيمانه الشديد بضرورة حرية المرأة، وقيل إنها أول زوجة زعيم سياسى عربى تُسمى على الطريقة الغربية أى باسمه لا اسم عائلتها.
فى حياتها مع الزعيم الوطنى سعد زغلول خاضا معارك فى مواجهة الإنجليز، أسفرت عن رصيد هائل من الشعارات والتنديدات حتى إن أول الشهداء فى تلك المظاهرات كان من النساء، ما أشعل الغضب فى النفوس. وإنجاز آخر مهم هو تتويج السيدة صفية أمًا لكل المصريين بعدما أقصى الإنجليز زوجها خارج البلاد، فأصدرت أم المصريين بيانًا تمت قراءته على المظاهرات الكبرى التى أحاطت بـبيت الأمة (بيت سعد وصفية) وجاء فى هذا البيان الذى قرأته سكرتيرة السيدة صفية: (إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدًا ولسان سعد، فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها فى نفس المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وإن السيدة صفية فى هذا الموقع تعتبر نفسها أمًا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية). وبعد أن ألقت سكرتيرة صفية زغلول هذا البيان على المتظاهرين، هتف أحد قادة المظاهرة قائلًا: (تحيا أم المصريين) ومن يومها أصبح لقب السيدة صفية زغلول هو أم المصريين، وظل هذا اللقب مرتبطًا بها إلى الآن وبعد رحيلها فى منتصف أربعينيات القرن العشرين.
لم يكن نضال السيدة «صفية زغلول» مقتصرًا على الجانب السياسى فقط، ولكن كان لها دور فعال فى المجتمع المصرى وفى مجال حقوق المرأة وتحريرها، فى الوقت الذى كانت فيه المرأة غير موجودة على ساحة المجتمع، وتوفيت فى ١٢ يناير ١٩٤٦، وكتبت وصيتها قبل ذلك بأيام توصى فيها بتركتها إلى خدمها. رحلت أم المصريين تاركة وراءها حياة غير تقليدية للفتاة المصرية والزوجة المخلصة المؤمنة برسالة زوجها وصدق وطنيته.