رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كمال «المثالي» وعايدة «النرجسية».. علاقة محكوم عليها بالفشل

جريدة الدستور

"الذين يحبون لا يتزوجون.. ما فوق الحياة لا يتزوجون".. لم يكن كمال السيد أحمد عبد الجواد ليتزوج عايدة حتى لو في رواية أخرى غير قصر الشوق، ولم يكن الأديب العالمي نجيب محفوظ ليحصد جائزة نوبل في الأدب لو تزوج كمال من عايدة، فالشخصيتان مضادتان في كل مناحي التفكير قبل الفلسفة الحياتية.

ورغم أن الحقبة الزمنية التي كتبت فيها الرواية «ما بعد ثورة 1919»، أظهرت اتجاه المجتمع المصري نحو الرأسمالية والتحلل من كل المعاني السامية والإنسانية إلى البغاء والرغبة في الثراء الفاحش والاستغلال، كفيلة بإحداث اضطرابات في نفوس المثقفين قاطبة، إلا أن شخصية كمال الكمالية هي التي فرضت عليه العزلة والحساسية المفرطة تجاه الواقع ومفرداته، وتجاه مجاراة عايدة في نرجسيتها وطموحاتها المادية.

كمال الانعزالي
"أنا وماض من وجوم وكآبة.. أخالني حينًا مختنقًا، وحينًا سجينًا، وحينًا مفقودًا ضالًا غير مفتقد".. هكذا عبّر كمال عن نفسه وأفلح في التعبير، فشخصية الابن الأصغر للسيد أحمد عبد الجواد المعنّفة على الدوام، يمكنها أن تعيش كل الحالات النفسية دون أن تبرح مكانها، مفضلة الكلمات العزبة الرقراقة في توصيف ألمها، عن مجاراة الواقع وفرض أسطورتها عليه، راسمة صورة لمجتمع أفلاطوني غير موجود إلا في خيالها.

ويستكمل الشاب العشريني عزف أنشودة الكمال، في أول لقاء يجمعه بعايدة، ليقول ردًا على سخريتها من قصر شعره: "من غير مقدمات.. أنا عارف إن مناخيري كبيرة حتى وأنا صغير كان بيقولوا لي يا أبو رأسين !"، بدلًا من أن يظهر محاسنه ومفاتنه التي قد تدفعها للانجذاب نحوه، طارقًا باب "انقد نفسك قبل أن ينقدك الآخرون".

وهو ما دفع عايدة للضحك، لا لشيء إلا أنه ذكرها بطريقة جلده لذاته، بالشخصية المسرحية سيرانو دي برجراك "1619"، التي قيل إنها حقيقية، وأنه كان فارسًا مغوارًا في فصيلة شبان الحرس بالجيش الفرنسي،لا يشق له غبار ، ولكن عقدة حياته كانت دمامته وكبر حجم أنفه،لأنه وقف عقبة بينه وغرامه، سخر منه الآخرون لذلك، وهو لا يطيق، فكان النزاع بينهم لا ينتهي إلا بمبارزة يخرج منها منتصرًا،ومع ذلكمات مقتولًا بخشبة سقطت على رأسه.

وتشبيه كمال بسيرانو دي برجراك لا يمكن أن يستقيم على الدوام، فمثالية كمال المفرطة، نزعت عنه كل المخالب والأنياب التي يمكن من خلالها أن يقاتل للدفاع عن حب حياته، ويُسلم عايدة على طبق من ذهب لصديقه البرجماتي حسن سليم، الذي تلاعب بغريزة الشك المتأججة على مراجل من النار في نفسه، ويقنعه أنها –أي عايدة- لا تحبه وإنما هي عاشقة للاختلاط وفتاة أحلام كل شاب.

"أهنيك يا حسن أنت جدير بعايدة وعايدة جديرة بك".. هكذا منحه إياها دون ترخيص، ليصاب بعد ذلك بما يطلق عليه علماء النفس "فقدان الذاكرة التفككي" وينسى أشياء كانت محببة إلى نفسه كلعبة "الدومينو" ويستغرق في رسم صورة كاملة لقصة عشقه لعايدة، التي لم يصارحها أصلًا بحبه، ويقول: "أنا مش بحبها لغاية أو هدف.. أنا حبي ليها حب عبادة.. ربنا فوق وعايدة تحت".

المثالية والنرجسية لا تتفقان

وعن التحليل النفسي لشخصية كمال، يقول الدكتور إبراهيم مجدي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس لـ"الدستور"، إن كمال شخصية رومانسية حالمة لا تتناسب معها أبدًا الحياة المادية، التي كانت تسعى إليها عايدة، واصفًا علاقتهما العاطفية بأنه "كان محكوم عليها بالفشل".

ويرى «مجدي» أنه حتى لو تزوجا كمال وعايدة، على خلاف أحداث الثلاثية، لتطلقا، لأن الأول كان سيكره شخصيته المثالية المائلة للفلسفة، ولن تتخلى الثانية عن شخصيتها النرجسية العاشقة لمباهج الحياة. مضيفًا أن كمال لم يكن ليستجب لمحاولات عايدة دفعه نحو الانغماس في الواقع العملي وتنحية عالمه غير الواقعي وحياته الفلسفية جانبًا.

عايدة الإله

ويشير أحد القراء ويدعى محمد الشناوي على موقع التواصل بشأن الكتب والمؤلفين "جود ريدز"، أنه شعربتقارب بين شخصية عايدة وصفات الإله، فعايدة هىالمعبودة التى هى فوق كل البشر التى تنظر له من السماء وهى مثال فوق كل المُثل، فشعر كمال وكأنها رمز للإله الذي تملك قلبه بالحب الخالد.

ويضيف:"ولكن عندما سقطت عايدة من السماء وأصبحت كالبشر خائنة خادعة، تتزوج وتعاشر وتحمل لم تصبح كاملة ولم تصبح على الصورة التى رسمها لها كمال فسقطت من قلبه فسقط الإله".