رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملاحظات على انتخابات الرئاسة


دارت دورة الزمن، وها نحن فى مواجهة استحقاق الانتخابات الرئاسية، وهو استحقاق مهم للغاية، سيترك بصمته على الأوضاع المصرية والمحلية والدولية، على الأقل لمدة سنوات أربع قادمة، إن لم يكن لفترة أطول.

ويعود هذا الأمر أولًا: للمكانة التى تحتلها مصر فى قلب الإقليم والعالم، وثانيًا: للموقع الذى يمثله منصب الرئيس، خاصة فى دولة تاريخية وشديدة المركزية كمصر، وأخيرًا: بسبب الملابسات التى تصاحب هذه الانتخابات، فى ظل الاستقطابات السياسية والاقتصادية الحادة التى تعيشها مصر الآن، فيما يخص، من جهة، الصراع المحتدم فى مواجهة الإرهاب وجماعاته، فى الداخل والخارج، وأيضًا بسبب الإجراءات الاقتصادية الحادة، التى شهدتها البلاد، وستشهدها، بفعل التزام الحكم بتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولى، التى ضاعفت من أعباء الفقراء ومحدودى الدخل، وقطاعات من الطبقة الوسطى، بصورة غير مسبوقة.
وللأسف الشديد فإن المناخ العام المضطرب الذى يصاحب هذه الانتخابات، فى أحسن الأحوال، ليس هو المناخ الذى كان يتمنى كل المخلصين لهذا الوطن، أن تجرى الانتخابات فى ظله، فقد كان من المأمول أن تجرى بشكل شفاف ونزيه، يتبدى فيه إصرار الجميع على ترسيخ قيم الديمقراطية الحقة، والتنافسية الإيجابية، ويعملون على إيصال الأكثر جدارة إلى سُدة هذا المنصب السامى، لتحقيق خير المجتمع، وحل مشكلاته المتراكمة، ومواجهة ما يعترض طريقه من مخاطر وتهديدات.
غير أن هذا الوضع كان يتطلب إرادة واعية، تفتح المجال العام أمام الأحزاب، والقوى، والشخصيات الوطنية، والتى تنبذ العنف، وتعمل بشكل سلمى من أجل الصالح العام، وتؤمن بأهمية الحفاظ على تماسك الدولة، لكى تجتذبها إلى المشاركة، وإلى تحمل المسئولية والأعباء، حتى وإن كانت هذه الأحزاب وتلك القوى ضعيفة، بسبب امتداد عهود القمع والاستبداد، أو نتيجة لأخطاء وعيوب ذاتية، أو كانت تختلف مع الحكم فى بعض التوجهات والسياسات.
لكن للأسف غاب هذا المنظور، واختفت هذه الروح المجمعة، وحل محلهما توجه راح يهيل التراب على الآخرين جميعًا، دون تمييز بين عدو وصديق، ويدفع المجتمع إلى وضع بالغ الدقة، أحال الانتخابات إلى استفتاء، ووجه ضربة إلى فكرة المشاركة المجتمعية، وأساء إلى صورة النظام، والدولة، ومنح خصومها أسلحة نافذة، للتشويه والتشويش.
وأدت بعض الأحداث، منها، على سبيل المثال، واقعة المستشار «هشام جنينة» الكارثية، ثم تقدم بعض المرشحين للقفز إلى قطار الانتخابات فى اللحظة الأخيرة- إلى زيادة الوضع ارتباكًا وحيرة.
والأخطر أن هذا الوضع أعطى الانطباع بأن نتيجة هذه الانتخابات محسومة مسبقًا، وهى دعوة مسيئة ستؤدى إلى تراجع مُخل فى نسبة المشاركين فى الإدلاء بأصواتهم، وهو أمر بالغ الإضرار، لا يعود بالنفع على الوطن أو تطور العملية السياسية فيه، بأى صورة من الصور.
من كل ما تقدم نرى أن معركة الرئاسة لا تجرى فى المناخ الأنسب لانتخابات تشكل إضافة للمسار السياسى للبلاد، ومن الواجب أن تتم مناقشة أسباب هذا الوضع البائس بأكبر قدر من الصراحة والوعى والمسئولية، للبحث عن مخارج موضوعية من هذه الحالة الحرجة، التى تدفع المجتمع إلى المزيد من الأزمات والتعقيدات والخسائر.
وأذكر القول المأثور: «رحم الله من أهدانى عيوبى»، فعسانا نتعلم من أخطائنا قبل فوات الأوان.