رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ديمقراطية خصيصًا لنا




الممارسة الديمقراطية، قرأنا عنها ودرسناها وفهمناها جيدًا، وعرفنا أصل اللفظ ومنشأه، بل وتطور الفكر الديمقراطى، ودرسنا أيضًا نظريات الحكم، وعرفنا أن هناك عقدًا اجتماعيًا بين الحاكم والمحكوم. وفى هذا الإطار فإننا فى مصر عرفنا الديمقراطية، رددها كثيرًا رجال الثورة، وعرفنا أن من أهم خصائص الديمقراطية تداول السلطة والانتخابات.
ودرسنا أيضًا، أن الحكم من عند الله، وهو ما ترسخ فى أذهاننا، وعرفنا أن الحاكم هو ظل الله على الأرض، وظهرت بعض المصطلحات لتدعم مركز الحاكم، وقال الفقهاء فى الدين: إنه، أى الله، ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن.
ولكن كل الأطروحات والنظريات الدينية فى الحكم تدعم فكرة اختيار النخبة، أى أن الخلافة يجب أن تكون فى فرع قوى ويتوارثها. وهو ما حدث فى ظل الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية.
صحيح أننا نطالب حكامنا بتطبيق مبادئ الديمقراطية، وجعلنا قوانيننا ودساتيرنا المتعاقبة تحتوى على مبادئ دستورية هائلة، لا تتوافر فى دساتير الدول الموغلة والعريقة فى الفنون الديمقراطية، والغريب أن حكامنا أيضًا يتحدثون عنها باستفاضة، ومع ذلك فإننا لا نعرف الممارسة السياسية أو الحزبية، ولكن نعرف حياة القبيلة أو العائلة، وممارسة التقاليد التى تخدم العائلة والقبيلة وتناصرها.
ولما بدأنا فى ممارسة الديمقراطية، عرفنا أن المقصود بها إعادة انتخاب الحاكم، والحاكم يرحب بالديمقراطية التى تعيد اختياره، وعندما قررنا انتخاب المجالس النيابية، عرفنا وتعلمنا أن ننتخب أقاربنا وأبناء عائلاتنا، ومن تربطنا بهم صلة، لسهولة حصولنا على الفائدة منهم فيما بعد، لو احتجنا إليها، وأنه لا شىء يمنعنا عن ذلك، أما إذا كان المرشح للانتخابات النيابية بعيدًا عن نطاق عائلتنا ودائرة معارفنا، فإنه يجب أن يقدم خدمات أخرى، وهى عينية أو مادية، ويفضلها فقراؤنا أن تكون مادية، سريعة الفائدة، مثل السكر والزيت والمسلى والأرز والشاى والمكرونة وعلب العصائر، موضوعة معًا فى أكياس. والبعض يفضل علب السجائر، وطبقًا لتلك النظرية، صار كل مرشح يقدم أفكارًا فقط، لا يستمع لأحد، ولا يهتم به أحد، وأصبح الناس عندنا يذهبون جماعات إلى المؤتمرات الانتخابية فى السرادقات المصحوبة بعربة تحمل أكياس الخيرات من سكر وزيت وأخواتهما، من مكرونة ومسلى وعصائر. كما تطوف علب السجائر المستوردة على الحاضرين، وقد حضرت مؤتمرًا رئاسيًا، قام أنصاره باستئجار منصة لصناعة الشاى والقهوة والشيشة للحاضرين، كما يحدث فى الأفراح.
هناك ملايين، من المصريين، يريدون للدولة أن تمشى للأمام، لأنها بالنسبة لهم، هى الأب والأم والملاذ والمأوى، وهناك أيضًا ملايين تريد أن تشعر بالأمن، لأجل أن تعيش. وللأسف لا يوجد الحزب القوى الذى يتواجد فى القرى والنجوع، وسط الناس.
كما أن الدولة لا تحتاج إلى تكرار التجارب الفاشلة التى مرت بها، الدولة والناس معها تريد الاستقرار، والاستقرار يجلب الأمان الذى يحقق التنمية، لأجل هذا لا يعبأ الشعب كثيرًا بفكرة الديمقراطية، قدر اهتمامه برئيس يحقق لهم الأمن والاستقرار والتنمية وخلق فرص عمل.