رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار الكتاب الأخطر فى أمريكا.. كيف حاول ترامب توريث البيت الأبيض لـ«قصى وعدى»؟

ترامب
ترامب


أثار كتاب «نار وغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض» للمؤلف الأمريكى مايكل وولف، منذ طرحه قبل أيام، الكثير من الجدل، فى ظل كشفه كواليس وأسرار «البيت الأبيض» خلال أول ٩ أشهر من إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
وتنشر «الدستور» ــ على مدار مجموعة من الحلقات ــ أهم ما جاء فى الكتاب، وتضمنت الحلقة الأولى مجموعة من الادعاءات والتصريحات الخطيرة عن حملة ترامب، ولحظات ما قبل إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية.
فى الحلقة الثانية، استعرضنا ما جاء فى الكتاب عن تفاصيل السياسة الخارجية للرئيس الأمريكى، التى وصفها المؤلف بأنها «خليط من الأفكار المثيرة للغثيان»، إلى جانب رؤية الرئيس وإدارته لملفات الشرق الأوسط بأكمله.
وفى الحلقة الثالثة، نتناول الفصول، التى رصد فيها الكاتب شخصية الرئيس الأمريكى وتناقضاته، وآليات إدارته للبيت الأبيض، وملابسات علاقته بوسائل الإعلام، بالإضافة إلى العلاقات الخفية، التى جمعته بالدولة الروسية، منذ بدء حملته الانتخابية.

ألقى بأعباء وظيفته على أصدقائه فرفضوها.. واستنسخ مع عائلته نموذج صدام حسين
قال مؤلف كتاب «نار وغضب»، إن ترامب لا يحب أن يعتمد على نفسه فى إدارة شئون البلاد، ولا يفضل أداء مهام إدارته للبيت الأبيض بشكل يومى، وكان ينوى الاعتماد على صديقه الملياردير توم باراك، المؤسس والمدير التنفيذى لشركة «كولونى كابيتال»، الذى كان يعمل معه فى مجال العقارات، وجعله رئيسا للأركان.
إلى جانب ذلك، حاول ترامب الاستعانة بأصدقائه من رجال الأعمال، مثل ستيفن روث، وريتشارد ليفراك، للعمل فى إدارته، ولأنه اعتاد العمل فى مجال المبيعات، سعى إلى «بيع الأمر كله لأصدقائه» فى مهام وشئون البيت الأبيض.
وأضاف وولف: «باراك خيب آمال صديقه، رغم إلحاح ترامب عليه، وقال له: (أنا غنى بما يكفى، ولا أحتاج لذلك)، فكان يرى الأمر سيأتى له بكثير من المتاعب، هو فى غنى عنها، كما أنه لن يكون قادرا على متابعة مصالحه التجارية، ولا يريد أن يعكر حياته الشخصية بعد زواجه الأخير، إذا وافق أن يصبح تحت الأنظار بقربه من رئيس الدولة».
وأشار وولف إلى أن ترامب كان يسعى لطلب الدعم من إمبراطور الإعلام اليمينى الملياردير روبرت مردوخ، وذلك فى حفلة خاصة، أقامها له فى ١٤ ديسمبر، فى البرج الذى يحمل اسمه، وحضره وفد رفيع المستوى، من شركات التكنولوجيا العالمية «أبل» و«فيسبوك» و«جوجل».
وأثناء الاحتفال، قال ترامب: «إنكم فى حاجة ماسة لدعمى، وستكون أموركم أفضل من التى كانت فى عهد أوباما»، لكن الإجابة كانت أنهم ليسوا فى حاجة لمساعدته، وأن حالهم كان أفضل فى عهد الرئيس المنتهية ولايته.
ويذكر وولف أن مردوخ وصف ترامب بـ«الأحمق»، بعد هذا الموقف، كما وصفه بـ«المهرج»، الذى كان يظهر بين الأثرياء والمشاهير فى الحفلات التى كان يقيمها فى برجه.
ويضيف أن الرئيس الأمريكى كان يسعى أيضا إلى تكوين إمبراطورية عائلية داخل البيت الأبيض، عبر تعيين ابنيه، «دون» و«إريك»، اللذين كانا معروفين لدى الدائرة المقربة من ترامب بأنهما «قصى» و«عدى»، تيمنا بابنى الرئيس العراقى الراحل صدام حسين.
ويرصد الكاتب أن ترامب كان يريد أن يجعلهما عامودين أساسيين فى البيت الأبيض، خاصة أن أحدهما كان يرث شخصية أبيه من حيث مظهره الشخصى، ومهاراته كرجل مبيعات ماهر، أما الآخر فكان يعتمد عليه فى مسائل الإدارة اليومية.
وتابع: «فى تحد للقانون، ووسط نظرات من حوله، كان ترامب ينوى أن يحيط نفسه بأفراد عائلته - باستثناء زوجته- التى كانت تقيم فى نيويورك، وليس فى واشنطن، دون سبب واضح، وهو ما يثير التساؤل، وكان يريد أن يصنع لكل منهم دورا يماثل دوره فى إمبراطورية ترامب».
ووصف المؤلف - فى مقدمة كتابه- هذه الإمبراطورية بأنها الكيان الذى يتسم بقواعد الانضباط العسكرى الصارم، والمتمركز فقط حول ما يثير انتباه ترامب، أيا كان حجم الموضوع ومداه، مع عدم قدرة أحدهم على الاعتراض على الدور الموكل له.
ويروى الكاتب أنه عندما نصح أحد الأصدقاء ترامب بأنه لا يجب أن يعين أبناءه فى مناصب عمومية، عارض كلامه قائلا: «من حقى أن أطلب مساعدة أبنائى، وقتما أحتاج إلى ذلك».
ضعف كفاءته وراء فضيحة التورط مع الروس.. ولهث وراء لقاء بوتين
فى تعامله مع الروس، أشار الكاتب إلى أن ترامب لم يكن يملك القدرات العقلية، ولا الشخصية التى تؤهله لأداء مهام وظيفته، كرئيس للولايات المتحدة، ولم يكن يدرك كيف يعدل ويكيف سلوكه ليتوافق مع أهداف ومتطلبات هذه الوظيفة.
وأشار إلى أنه لم يكن يملك القدرة على ربط النقاط ببعضها البعض، وهو ما كان واضحا فى تعامله مع قضية تعاونه مع روسيا، والاتهام الذى يلاحقه، بشأن إقامة اتفاق سرى مع الروس من أجل الفوز فى الانتخابات.
وأكد وولف أنه حتى وإن كان ترامب بريئا فعلا من هذه الاتهامات، إلا أن سعيه الدائم وجهوده للتقرب من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ومحاولته كسب وده، واختياره هو بالذات من بين كل الناس، تثير كثيرا من القلق، وتعمل على خلق ردود فعل سيئة، سيدفع ثمنها سياسيا فى وقت لاحق.
وروى المؤلف كيف كان كثير من أصدقاء الرئيس يسخرون من طريقة تعامله مع هذه القضية، وكيف كانت علاقته الملتبسة مع بوتين تثير الشكوك، وتؤكد المزاعم، حتى إن صديقه القديم روجر إيلز، المسئـول التنفيذى السابق لـ«فوكس نيوز»، حذره مرارا وتكرارا من خطورة علاقته بروسيا، ونصحه بمحاولة أخذ الأمور على محمل الجد، والتصرف بشكل صحيح.
ونقل الكتاب حوار «إيلز» مع ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، عندما سأله متعجبا: «لماذا يذهب ترامب إلى روسيا ويحب أن ينخرط مع الروس؟!»، فرد عليه «بانون» قائلا: «فى الغالب، ذهب إلى روسيا لأنه كان يعتقد أنه سيلتقى بوتين، لكن بوتين لم يكن قادرا على منحه هذه الفرصة، لذا استمر فى المحاولة»، وهو ما أيده «إيلز» بقوله: «نعم.. هذا هو ترامب».
وكشف عن حقيقة اجتماع سرى، عقده ابن ترامب «دون»، فى ٩ يونيو ٢٠١٦- بتشجيع من إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر- مع مجموعة من المسئولين الروس، وعدوه فيه بمنحه مجموعة من المعلومات، التى قد تضر موقف هيلارى كلينتون، منافسة أبيه فى الانتخابات، ووصف هذا اللقاء بأنه أحد أخطر الاجتماعات فى السياسة الأمريكية الحديثة.
وقال وولف إن هذا الاجتماع هو السبب فى الفضيحة السياسية الكبيرة التى تلاحق ترامب، والتى لم يستطع التخلص منها حتى اليوم، وهو سبب فتح باب الاتهامات فى وجهه، بعدما اتهمه خصومه بالتواطؤ مع روسيا للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية.
وقدم مؤلف «نار وغضب» عدة نظريات، من الممكن أن تفسر أسباب إقامة مثل هذا الاجتماع، منها احتمال وجود مجموعة من المسئولين الروس، الذين أرادوا إقامة علاقات ودية مع رئيس أمريكا المقبل من أجل دعم التعاون المشترك، وليس فقط مجرد جزء من سلسلة لقاءات تعاونية، من أجل الحصول على معلومات لتشويه صورة كلينتون.
كما يمكن أن يكون هذا الاجتماع مجرد محاولة شخصية من ابن ترامب- الذى يصفه بانون دائما بأنه الابن الغبى على غرار فيلم «The Godfather»- لإظهار أن والده يمكن الاعتماد عليه من قبل الروس، وأنه لو هزم فى الانتخابات، فسيستفيد من التعاون معهم أيضا، ولن يكون لديه ما يخسره.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الهدف من الاجتماع- كما يرى البعض- هو محاولة من كوشنر، صهر ترامب، الحصول على دعم الابن وأبيه، من أجل التخلص من رئيس الحملة الانتخابية، الذى تجمعه به علاقة متوترة.
وعلى أى حال، يميل وولف إلى فرضية أن التعاون مع روسيا كان بهدف الحصول على معلومات تضر هيلارى كلينتون، خاصة بعدما أعلن موقع «ويكيليكس» حصوله على «إيميلات» خاصة بها، ونشرها فى وقت لاحق للاجتماع.
ورأى الكاتب أنه، أيا كانت الفرضيات والأسباب، التى دعت لإقامة الاجتماع، فإن ما يهم المواطن الأمريكى هو إن كان الرئيس ترامب على علم ودراية بذلك الاجتماع أم لا؟.
شبهات حول تورطه فى «فيديو جنسى» خلال رحلة لموسكو
كشف الكتاب أن شركة أبحاث سياسية معارضة تدعى «Fusion GPS» أسسها صحفيون سابقون فى أمريكا، عينت جاسوسًا بريطانيًا سابقًا اسمه كريستوفر ستيل، فى يونيو ٢٠١٦، لمساعدتهم فى التحقق من طبيعة علاقة ترامب بـ«الكرملين»، وتفاخره المتكرر بتواصله مع فلاديمير بوتين.
ظهرت نتائج هذا التحقيق فى سبتمبر ٢٠١٦، وأكدت أن دونالد ترامب كان يتم ابتزازه جنسيا من قبل حكومة بوتين، لكن وسائل الإعلام الأمريكية رفضت نشر أى تقرير عن الموضوع، فى ظل عدم التأكد من المعلومات، وغموض مصادرها، وتعلقها بشخص يحظى بفرضة ضئيلة فى الفوز بالانتخابات!.
ومع ارتفاع احتمالات صعود ترامب إلى رئاسة الجمهورية، توحدت وسائل الإعلام فى الحديث عن التقرير، وبدأ تداول فكرة أن الروس أغروا وابتزوا دونالد ترامب أثناء رحلته إلى موسكو، وأوقعوه فى مكيدة، من خلال تسهيل بعض أعمال الدعارة، وتصويره فى أوضاع تتضمن أنواعا من الانحراف الجنسى.
واستنتجت وسائل الإعلام وقتها أن المؤامرة على ترامب تضمن خطة من الروس لسرقة الانتخابات الأمريكية، وتعيينه فى البيت الأبيض، باعتباره «رجل بوتين الأحمق».
وأوضح مايكل وولف أنه من الصعب التيقن من هذه المزاعم، خاصة أن ترامب كان فى عداء دائم مع وسائل الإعلام، نظرا للأسلوب الهجومى الذى يتعامل به معهم، وصدامه مع الجميع، حتى على وسائل التواصل الاجتماعى.
وروى الكاتب كيف كان أصدقاء ترامب ومستشاروه الإعلاميون ينصحونه دائما بعدم حضور المناسبات العامة، أو الحفلات، نظرا لخوفهم من ردود الفعل التى قد تنتج من أسلوبه الهجومى فى الحديث، خاصة أن أمريكا لم تعرف من قبل رئيسا على هذه الدرجة من العلاقة السيئة بالإعلام، حتى أيام نيكسون نفسه. وذكر أن خير مثال يوضح ذلك هو حادث حفل العشاء، الذى حضره ترامب على شرف باراك أوباما عام ٢٠١١، أثناء رئاسته للولايات المتحدة، بعد أيام من هجومه عليه فى الصحافة، وتشكيكه فى مواطنته، وساعتها انتهز أوباما الفرصة وأهان ترامب على الملأ. ونقل الكتاب عن ستيف بانون قوله: «ترامب لا يعرف كيف يكون عقلانيا فى تعامله مع الإعلام، وهو يعلم فى قرارة نفسه أنه مهما حدث فلن ينال دعمهم، لذا يبادر بمعاداتهم، خاصة بعد حادثة قناة «سى إن إن»، واتهامه لها بالترويج لأخبار كاذبة بنسبة ١٠٠٪». ويتلخص رأى ترامب فى برامج الإعلام والتوك شو بأنها مجرد «كوميديا تافهة»، وأنهم عندما يسخرون من رئيس بلادهم على الشاشة، فإن هذا لا يضحك الشعب الأمريكى، بل يحزنهم. كما يرى أن الإعلام لا يبرز إنجازاته، بل يهتم بـ«التفاهات»، ويدلل على ذلك بأنه عندما منع العمال المكسيكيين من دخول البلاد، ونجح فى توفير ٧٠٠ مليون دولار كان يتم إهدارها سنويًا، لم يهتم الإعلام بذلك.
يمتلك 4 شخصيات تتصارع فيما بينها.. وتناقضاته جعلت منه وضحية لمؤامرة
نقل وولف عن القيادى المحافظ المعارض لترامب مارك همنجواى قوله: «هناك تصوران غير موثوق فيهما بخصوص ترامب، يسيطران على الرأى العام الأمريكى، هما إما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يتحدث باستخدام القليل من المعلومات، ودون أى أساس من الواقع، أو أن الاعلام يصنع صورة معينة له، تفترض مسبقا أن أى شىء يفعله الرئيس هو غير دستورى، أو يمثل إساءة لاستخدام السلطة».
وأضاف: «هذان التصوران يتنافسان مع بعضهما منذ ١١ يناير، فهناك من يصوره بأنه السياسى المفضوح، ورمز الظلام، وعدو أمريكا، مقابل وسائل الإعلام الثورية الغوغائية، التى تتبع دائما نظريات المؤامرة».
ونقل الكاتب عن روجو إيلز، الصديق المقرب لترامب، قوله: «دونالد يمثل السلطة أكثر من تمثيله للسياسة، فهو يرى أن أعظم شىء ناله من رئاسة الجمهورية هو أن يصبح أشهر رجل فى العالم، وكان يعتقد أنه إذا أصبحت مشهورا فسيحبك الناس والإعلام ويحترمونك، لذا كان يبحث عن حب الإعلام فى كل مكان، لكنه لم يجده».
وروى وولف كيف ظهر ترامب فى المؤتمر الصحفى الأول له كرئيس، فى ٤ شخصيات مختلفة عن بعضها، ففى بادئ الأمر ظهر كشخص متفاخر بنفسه، وقال: «سأكون أعظم منتج فرص عمل خلقه الله».
ثم ظهر بعدها كشخص متشكك، وغير واضح، عندما قال: «منذ سنوات مضت، كنت فى روسيا فى مسابقة ملكة جمال الكون، وقلت للجميع حينئذ: يجب أن تتوخوا الحذر، فليس من الضرورى أن تظهر على التلفاز لكى تفخر بنفسك، فالكاميرات موجودة فى كل مكان، ليس فقط روسيا، بل فى جميع أنحاء العالم، هل تصدقون ما أقول؟، أنا شخص لدى وسواس قهرى بالمناسبة.. صدقونى».
تلى ذلك ظهوره كشخص دائم الإنكار لما يقال عنه، عندما قال: «ليس لدى أى صفقات فى روسيا، ليس لدى أى صفقة يمكن أن تحدث فى روسيا، أنا بعيد جدا عن ذلك، وليس لدى أى قروض مع روسيا، يجب أن أقول شيئا واحدا، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عرض على مليارا دولار، مقابل صفقة فى دبى، ورفضتها، ولم أكن مضطرا لأن أرفضها».
وأضاف: «كما تعلمون، أنا لا أحب استغلال أى شىء، وليس لدى أى تضارب فى المصالح، فأنا يمكننى أن أقوم بإدارة أعمالى التجارية، وإدارة أعمال الدولة فى نفس الوقت، ويمكننى أن أنجح فى الأمرين، لكن لا أريد أن أفعل ذلك».
وأخيرا، تحول ترامب إلى شخص مهاجم وعدوانى، لا يجيد انتقاء كلماته، وعندما تمت مواجهته بتقرير خاص عن علاقته بروسيا، كان تعليقه: «لا ينبغى طبع هذا التقرير قبل كل شىء، لأنه لا يستحق ثمن الورق، الذى يطبع عليه، حوالى ٢٢ مليون حساب لدينا تم اختراقها من قبل الصين، هذا لأننا ليس لدينا دفاع، وندار من قبل مجموعة من الذين لا يعلمون ماذا يفعلون». وأضاف: «عندما أصبح قائد هذه الدولة، سوف نحظى بالاحترام فى نظر روسيا، والصين، واليابان، والمكسيك، جميع البلدان ستحترمنا بشكل أكبر مما كانوا عليه تحت الإدارات السابقة».